قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إنه رغم ما أسفرت عنه الأزمة الروسية الأوكرانية من إعادة تركيز علاقات التعاون عبر الأطلسي (التعاون الأوروبي-الأمريكي) على الجبهة الأوروبية مع تراجع الاهتمام بالتحديات التي تفرضها الصين على المدى البعيد، إلا أن ثمة معطيات أخرى ربما تُبقي بكين على رأس أولويات أجندة السياسة الأوروبية.
ولفتت المجلة إلى أن من أبرز هذه المعطيات حياد الرئيس الصيني شي جين بينج المؤيد لموسكو في حربها ضد أوكرانيا، إلى جانب جهوده المشتركة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين لتقويض النظام الليبرالي القائم على القواعد والتي لاحظتها الدول الأوروبية، فضلا عن المخاوف المستمرة بشأن محاولات الصين بسط نفوذها في أوروبا وممارساتها التجارية غير العادلة وضغوطها العسكرية على تايوان.
لقد خرج الرئيس شي من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في موقف قوي غير مسبوق لتنفيذ أجندته التي تشمل إعادة تشكيل السياسة الدولية والحوكمة العالمية بحيث تكون أكثر ملاءمة للمصالح الصينية، والآن، سيكون شي أكثر ثقة في مساعيه لبسط النفوذ الصيني إقليميا وعالميا، وأقل نفورا من المخاطرة، ومن المرجح أن يكون أقل استعدادا للاستماع إلى وجهات نظر بديلة من داخل الحزب.
وبحسب "فورين بوليسي"، فإن أهمية التنسيق والتعاون عبر الأطلسي ستزداد بصورة أكبر من أجل مواجهة التحدي الذي تشكله بكين، ويعتمد هذا التنسيق إلى حد ما على توافق رؤى القاعدة الشعبية في كلا من الولايات المتحدة وأوروبا.
وفي هذا الصدد، سلطت المجلة الأمريكية الضوء على نتائج استبيان سنوي لـ"صندوق مارشال" الألماني، أحد المراكز البحثية التي تهدف إلى تعزيز التعاون عبر الأطلسي بروح خطة مارشال التي اعتمدتها الولايات المتحدة لإعادة إعمار أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وأجراه الصندوق في الفترة ما بين 26 مايو و11 يوليو في 14 دولة تضم كلا من: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسويد وإيطاليا وبولندا وتركيا وكندا وإسبانيا وهولندا والبرتغال وليتوانيا ورومانيا.
وعكست النتائج تراجعا عامًا في وجهات النظر المؤيدة للصين كنتيجة محتملة لدبلوماسية "الذئب المحارب" التي ينتهجها الدبلوماسيون الصينيون على المستوى العالمي.
كما عزت المجلة التراجع الملحوظ في وجهات النظر المؤيدة للصين بين شعوب الدول التي شملها الاستبيان إلى دعم بكين الضمني للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والعقوبات التي فرضتها الصين في مارس الماضي على مجموعة من البرلمانيين البريطانيين والتابعين للاتحاد الأوروبي والمراكز البحثية واللجان التابعة للاتحاد، وتراجع ثقة المستثمرين نتيجة عمليات الإغلاق المستمرة بسبب استراتيجية "صفر كوفيد" التي تنتهجها بكين.
ورغم ما يعكس الاستبيان من تباين ملحوظ في وجهات النظر المتعلقة بأهمية التنسيق المشترك بين الولايات المتحدة وأوروبا في سياساتهم لمجابهة التهديدات الصيني، إلا أنه ثمة توافق في وجهات النظر حول ضرورة دعم تايوان – دبلوماسيًا وعن طريق العقوبات – في حال قيام الصين بعملية عسكرية لغزو الجزيرة.
وكشفت أيضًا نتائج الاستبيان تراجعًا كبيرًا في تقدير دور الصين كإحدى القوى المؤثرة في الشؤون العالمية على مستوى جميع البلدان المشمولة بالاستبيان، خاصة في أوروبا، كما أظهر الاستبيان أن تأثير بكين كقوة عالمية رائدة قد أصبح سلبيًا للغاية.
على سبيل المثال، تبنى المشاركون في الاستبيان من كندا وجهة نظر "سلبية للغاية" تجاه الصين ربما نتيجة التوترات التي تلت اعتقال مواطنين كنديين بالصين على خلفية اتهامات بالجاسوسية وصفتها المجلة بأنها ملفقة ردا على اعتقال، منج وانزو، المديرة التنفيذية لشركة هواوي لتكنولوجيا الاتصالات الصينية في كندا عام 2018 بناء على طلب من الولايات المتحدة الأمريكية والتي أفرج عنها في سبتمبر عام 2021.
وبينما أشارت المجلة إلى وصف بكين - في تقرير الآفاق الاستراتيجية الصادر عن مفوضية الاتحاد الأوروبي عام 2019- كشريك مفاوض ومنافس اقتصادي وخصم رئيسي، عكست نتائج استبيان صندوق مارشال الألماني علاقة الاتحاد الأوروبي المعقدة والغامضة مع الصين، حيث أبدى 30 في المائة من المشاركين في الاستبيان من دول الاتحاد عدم تأكدهم مما إذا كانت الصين شريكا أو منافسا أو خصما.
كما أظهر الاستبيان أن غالبية الأوروبيين يكادون لا يهتمون بإعطاء أولوية للتعاون مع واشنطن لمواجهة التحديات الصينية، في حين أيد 25 في المائة من المشاركين في الاستبيان بالولايات المتحدة أن تعمل بلادهم بشكل مستقل لمجابهة هذه التحديات، ورأى 24 في المائة أن تتعاون الولايات المتحدة مع حلفائها الأسيويين، بينما أيد 23 في المائة من المشاركين الأمريكيين تعاون بلادهم مع دول الاتحاد الأوروبي.
ولفتت المجلة أن تراجع ثقة الأوروبيين في جدوى التنسيق مع الولايات المتحدة بخصوص التحديات الصينية ربما يعكس شكوك مواطني أوروبا في إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة كحليف نتيجة حالة عدم اليقين التي تشوب سياسة الولايات المتحدة في فترة ما بعد حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وفيما يخص الدعم الممكن تقديمه إلى تايوان في حال قيام الصين بغزو الجزيرة، اتفق المشاركون في الاستبيان على ضرورة أن يكون هذا الدعم محسوبا بعناية شديدة، حيث فضل غالبية المشاركين في الاستطلاع استخدام التدابير الدبلوماسية لحل النزاع، بينما أشار 32 في المائة منهم إلى أنه يجب على بلدانهم الانضمام إلى الدول الأخرى في فرض عقوبات على الصين، بينما بلغت نسبة مؤيدي دعم تايوان بالسلاح أقل من 3 في المائة من المشاركين الأوروبيين، مقارنة بنسبة 8 في المائة من المشاركين الأمريكيين. في حين بلغت نسبة مؤيدي دعم تايوان بإرسال قوات عسكرية أقل من 2 في المائة من المشاركين الأوروبيين، مقارنة بنسبة 7 في المائة من المشاركين من الولايات المتحدة.
ورغم تخوف مواطني الدول المشمولة بالاستبيان من زيادة التصعيد في أي صراع محتمل، إلا إن أقل من خمس المشاركين فضلوا أن تنأى بلادهم عن التدخل بأي شكل كان في حال قيام الصين بغزو جزيرة تايوان.
وتوقعت المجلة أنه رغم تركيز الاهتمام في الوقت الحالي على أزمة الطاقة التي تلوح في الأفق بسبب عودة الحرب إلى أوروبا، وتداعيات ذلك على استقرار القارة الأوروبية اقتصاديا، إلا إن سياسة التعامل مع المارد الصيني ستحتفظ بأهميتها على المدى البعيد في علاقات التعاون عبر الأطلسي.
واختتمت المجلة بأن المشاعر السلبية في الولايات المتحدة وأوروبا فيما يتعلق بنفوذ الصين في الشئون العالمية تشير إلى أن هناك أرضا خصبة لتعزيز التعاون بينهما.
العالم
فورين بوليسي: التهديدات الصينية تدفع نحو تقارب أوروبي - أمريكي مشترك
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق