بهاء طاهر، أحد مبدعي مصر والوطن العربي الكبار في الرواية، خاض الحياة العملية كمُترجم في الهيئة العامة للاستعلامات، قبل أن ينطلق إلى فضاء الرواية الرحيب.
كانت البداية تقليدية ككثير من شباب تلك الحقبة، إلا أن المترجم الشاب كان يخط قدَره، ليصير فيما بعد واحدًا من أهم من كتبوا الرواية العربية في عصر ما بعد ثورة يوليو.
أكمل طاهر دراسته وحصل على دبلوم الدراسات العليا في الإعلام شعبة الإذاعة والتليفزيون عام 1973، وكان إصراره على تعلُّم اللغة الإنجليزية حتى أتقنها هو ما أصقل ثقافته وساعد في تعدد قراءاته، وأسهم أيضًا في أن يصبح مترجمًا معروفًا منذ زمن مبكّر من حياته، ما ساعده فيما بعد على أن يطوف بلدان العالم، حتى استقر في العاصمة السويسرية جنيف مُترجمًا في مكتب الأمم المتحدة لمدة أربعة عشر عامًا.
أسهمت خبرة طاهر الإذاعية في حياته كمُترجم مُبدع. ظهر هذا عندما شارك في تأسيس ما عُرف بـ"البرنامج الثاني" في الإذاعة المصرية، والذي يُعرف باسم "البرنامج الثقافي"، حيث عمل مُعدًّا ومذيعًا ومخرجًا، وتولَّى عام 1968 موقع نائب مدير البرنامج الثاني، وقام بإثراء عمله الإذاعي بتقديم الأعمال الروائية والقصصية عبر الدراما الإذاعية، وتعلّم بحِرفية في هذه الفترة كتابة السيناريو، وهو ما ضاعف خبراته، ليغدو الحوار عنده عنصرًا أساسيًّا يسمح للشخصية بالتعبير عن نفسها، وتمنح القارئ فرصة معرفتها والاقتراب منها وكأنه جالس معها.
كان نظام الرئيس الراحل السادات السبب في منع بهاء طاهر من الكتابة لثماني سنوات منذ 1975 حتى عام 1983، وكان قد كتب عن هذا "في عهد الملك فاروق كان يتم حذف الأشياء التي لا تعجب الرقابة، وكان من الممكن أن يكون الجزء المحذوف جملة، وكذلك أيضًا صفحة كاملة، وفي عهد السادات كانت القاعدة المتَّبعة أنَّ بوسع المرء نشر أي شيء، ولكن يجب عليه تحمّل العواقب، أي أن يتم وضعه في السجن أو أن لا يدفع له أجر عمله، مما كان يعني أنَّه سيضطر عاجلًا أم آجلًا إلى التخلي عن عمله".
سافر مُتنقلًا في إفريقيا وآسيا، وعمل مُترجمًا، ثم انتقل للإقامة في جنيف في الفترة من 1981 إلى 1995، حيث عمل مُترجمًا في الأمم المتحدة.
أتاحت تجربة الخروج من مصر لصاحب "واحة الغروب" خبرة جاوزت السفر والتنقل والعيش في دولة أوروبية، وهي لم تكن فقط تجربة عمل، بل وصل عُمقها إلى كتاباته لتظهر واضحة لدى قارئه، وأضافت تعددية إلى خبراته، فخلقت تنوعًا بين بيئات القصص وأجوائها، فمن عُمق الصعيد والريف المصري، إلى حياة القاهرة بطبقاتها وأجوائها الغنية، ثم الرؤية الإنسانية، تلك التي أتى فيها بشخصيات من ثقافات وبلدان مختلفة، وجمعهم في بوتقة جديدة، هي الرواية أو القصة القصيرة، وظهر هذا بوضوح في قصصه "بالأمس حلمت بك"، و"أنا الملك جئت"، وروايته الاستثنائية في الأدب العربي "الحب في المنفى".
قدّم طاهر عدة أعمال، تنوّعت ما بين الرواية، ومنها "خالتي صفية والدير"، و"شرق النخيل"، و"الحب في المنفي"، و"واحة الغرب"، و"قالت ضحى"، والمجموعات القصصية مثل "ذهبت إلى الشلال"، و"بالأمس حلمت بك"، و"الخطوبة"، و"لم أكن أعرف أن الطواويس تطير"، إضافة إلى دراسات أدبية ونقدية وترجمات كرائعة باولو كويهلو "الخيميائي"، إضافة إلى بعض الأعمال المسرحية.
نال طاهر عن أعماله عدة جوائز، منها جائزة الدولة التقديرية في الآداب، وجائزة "جوزيبي إكيربي" الإيطالية عن روايته "خالتي صفية والدير"، وفي العام الماضي تحولت "واحة الغروب" إلى مسلسل تليفزيوني نال نجاحًا كبيرًا.
واليوم الخميس السابع والعشرون من أكتوبر أسدل الستار على رحلة واحد من أبدع روائي مصر والوطن العربي، غابت شمس بهاء طاهر التي أشرقت طويلًا، وأمتعت كل من قرأ أعماله الأبية التي ستظل علامة فارقة في تاريخ السرد العربي.