شارك البابا فرنسيس عصر أمس الثلاثاء في الكولوسيوم في الأمسية الختامية للقاء الأديان الذي نظّمته جماعة سانت إيجيديو تحت عنوان "صرخة السلام".
وألقى البابا فرنسيس كلمة قال فيها أشكر كل من شارك في لقاء الصلاة هذا من أجل السلام، أعرب عن امتناني الخاص للقادة المسيحيين وقادة الديانات الأخرى، الذين تحركهم روح الأخوة التي ألهمت أول دعوة تاريخية أرادها القديس يوحنا بولس الثاني في أسيزي، لستة وثلاثين سنة خلت.
تابع البابا فرنسيس حسب ما نشرته الصفحة الرسمية للفاتيكان، اليوم، يقول لقد أصبحت صلاتنا هذا العام "صرخة"، لأن السلام اليوم يتعرض لانتهاك خطير، ويُجرح، ويُداس عليه: وهذا في أوروبا، أي في القارة التي عاشت مآسي الحربين العالميتين في القرن الماضي. لسوء الحظ، منذ ذلك الحين، لم تتوقف الحروب عن إدماء وإفقار الأرض، لكن المرحلة التي نعيشها هي مأساوية بشكل خاص. لذلك رفعنا صلاتنا إلى الله، الذي يصغي دائمًا إلى صرخة أبنائه البائسة.
واستطرد البابا فرنسيس يقول السلام هو في قلب الأديان وفي كتبهم ورسالتهم. في صمت الصلاة، هذا المساء، سمعنا صرخة السلام: السلام الذي يختنق في العديد من مناطق العالم، والذي يُهان بالعنف المفرط، ويحرم منه الأطفال والمسنون، الذين لم يسلموا من قسوة الحرب الرهيبة. غالبًا ما يتم إسكات صرخة السلام ليس فقط بخطابات الحرب، وإنما أيضًا باللامبالاة. وتسكته الكراهية التي تنمو فيما يدور القتال.
تابع البابا فرنسيس يقول لكن طلب السلام لا يمكن قمعه: هو يرتفع من قلوب الأمهات، هو مكتوب على وجوه اللاجئين، والعائلات الهاربة، والجرحى والمحتضرين. وهذه الصرخة الصامتة ترتفع إلى السماء. هو لا يعرف صيغًا سحرية للخروج من النزاعات، لكن لديه الحق المقدس في طلب السلام باسم الآلام التي عانى منها، وهو يستحق أن يتمَّ الإصغاء إليه. يستحق أن ينحني الجميع، بدأ من الحكام، لكي يصغوا بجدية واحترام. إن صرخة السلام تعبر عن ألم ورعب الحرب، أم جميع أشكال فقر.
أضاف البابا فرنسيس، كل حرب تترك العالم أسوأ مما وجدته. الحرب هي فشل السياسة والبشريّة، استسلام مخزٍ، وهزيمة في وجه قوى الشر. إنها قناعات تنبع من الدروس المؤلمة للقرن العشرين، وللأسف أيضًا لهذا الجزء الأول من القرن الحادي والعشرين. في الواقع، يحدث اليوم، ما كنا نخشاه وما لم نكن أبدًا نرغب في سماعه: أي أن استخدام الأسلحة الذرية، التي استمر إنتاجها واختبارها بعد هيروشيما وناغازاكي، أصبح الآن تهديدًا علنيًّا.
تابع الأب الأقدس يقول في هذا السيناريو المظلم، حيث لا تعتمد مخططات أقوياء الأرض، للأسف، على التطلعات العادلة للشعوب، لا يتغير مخطط الله لخلاصنا، وهو "مشروع سلام لا بلوى". هنا يسمع صوت من لا صوت لهم، هنا يتأسس رجاء الصغار والفقراء: في الله الذي اسمه السلام. السلام هو عطيّته ونحن قد طلبناه منه، ولكن هذه العطيّة يجب أن نقبلها ونعززها نحن الرجال والنساء، ولاسيما نحن المؤمنين. لا نسمحنَّ بأن يعدينا منطق الحرب الفاسد؛ لا نقعنَّ في فخ كراهية العدو، ولنضع السلام في صميم رؤية المستقبل، كهدف مركزي لعملنا الشخصي والاجتماعي والسياسي على جميع المستويات. ولننزع فتيل الخلافات بسلاح الحوار.
وأضاف الحبر الأعظم، خلال أزمة دولية خطيرة، في أكتوبر ١٩٦٢، بينما بدت وشيكة مواجهة عسكرية وانفجار نووي، وجه القديس يوحنا الثالث والعشرون هذا النداء: "إننا نناشد جميع الحكام لكي لا يصموا آذانهم إزاء صرخة البشريّة هذه. ولكي يفعلوا كل ما في وسعهم لإنقاذ السلام. فيجنّبوا العالم هكذا أهوال الحرب التي لا يمكن التنبؤ بعواقبها الرهيبة. إنَّ تعزيز الحوار وتشجيعه وقبوله على جميع المستويات وفي جميع الأوقات هو قاعدة حكمة وفطنة تجذب بركة السماء والأرض".
تابع الأب الأقدس، وبعد ستين عامًا، تبدو هذه الكلمات آنيّة بشكل كبير. وأنا أتبناها. نحن لسنا محايدين، وإنما متحالفين من أجل السلام. لذلك فإننا ندعو إلى "الحقِّ بالسلام" كحقٍّ للجميع في تسوية النزاعات بدون عنف. خلال هذه السنوات أحرزت الأخوة بين الأديان تقدمًا حاسمًا: أديان شقيقة تساعد الشعوب الشقيقة على العيش بسلام. نحن نشعر أكثر فأكثر بأننا إخوة فيما بيننا! لسنة خلت، عندما التقينا هنا، أمام الكولوسيوم، أطلقنا نداءًا، لا يزال آنيًّا اليوم أيضًا: "لا يمكن استخدام الأديان للحرب. وحده السلام مقدس ولا يجب على أحد أن يستخدم اسم الله ليبارك الإرهاب والعنف. إذا رأيتم حروبًا من حولكم، فلا تستسلموا! إنَّ الشعوب تريد السلام".
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول وهذا هو ما نحاول الاستمرار في القيام به، بشكل أفضل، يومًا بعد يوم. لا نستسلمنَّ للحرب ولنزرع بذور المصالحة. واليوم لنرفع إلى السماء صرخة السلام، مرة أخرى بكلمات القديس يوحنا الثالث والعشرون: "ليصبح جميع شعوب الأرض إخوة وأخوات، وليزهر فيهم ويسود على الدوام السلام المنشود ". ليكن كذلك بنعمة الله والإرادة الصالحة للرجال والنساء الذين يحبهم.