نشرت وكالة أنباء الإمارات "وام" تقريرًا بمناسبة مرور 50 عامًا على العلاقات المصرية الإماراتية، سلطت فيه الضوء على أبرز ملامح العلاقات بين البلدين الشقيقين بدءًا من انطلاق هذه العلاقات منذ عام 1971 تزامنًا مع قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وحتى الآن، مشيدة بدور مصر فى إنجاح تلك العلاقات في مهدها، والتي بدأت بتأييدها قيام دولة الاتحاد، والاعتراف به حين إعلانه، فضلا عن استمرار التنسيق والتعاون المشترك بين البلدين فى مختلف المجالات طوال العقود الخمسة الماضية من تاريخهما.
وقالت "وام" إن العلاقات المصرية الإماراتية تستند إلى أسس وقواعد صلبة أسهمت في استمراريتها بنسق متصاعد طوال العقود الخمسة الماضية حتى بلغت مرحلة الشراكة الإستراتيجية الراسخة والعصية على كل المتغيرات والتحديات من حولها.
وأضافت أن الانطلاقة القوية التي شهدتها المرحلة التأسيسية لعلاقة البلدين هي من أهم أسرار النجاح الذي حققته هذه العلاقة على الصعد كافة بفضل التوجيهات الحكيمة والجهود الدؤوبة والنية الصادقة للقيادات المتعاقبة في كلا البلدين في أن تغدو العلاقات الإماراتية المصرية نموذجا يحتذى على الصعيدين العربي والعالمي.
وبمناسبة الاحتفالية الكبرى التي تنظمها حكومتا دولة الإمارات وجمهورية مصر العربية غدا للاحتفاء بمرور 50 عاما على العلاقات الثنائية تحت عنوان " الإمارات ومصر قلب واحد" استعرض التقرير الذى نشرته "وام"، بعض جوانب هذه العلاقات في مراحلها الأولى ولا سيما في حقبة السبعينيات من القرن الماضي التي تفسر وقائعها وأرقامها سر متانة هذه العلاقة ووصولها إلى ماهي عليه الآن من صلابة وتلاحم وتكامل يصب في مصلحة الشعبين الشقيقين.
سياسيا:
انطلقت العلاقات الرسمية بين الإمارات ومصر في عام 1971 الذي شهد قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة وكانت مصر من أوائل الدول سارعت لتأييد قيام دولة الاتحاد بشكل مطلق والاعتراف به فور إعلانه وعملت على دعمه إقليميا ودوليا انطلاقا من رؤيتها بأنه يمثل ركيزة للأمن والاستقرار وإضافة جديدة تصب في صالح قوة العرب.
وفي المقابل برز الموقف الإماراتي في عام 1973 إلى جانب مصر ودعم حقها في استعادة أراضيها المحتلة، فيما يسجل التاريخ المقولة الخالدة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" حينما عبر عن رؤيته لدور مصر ومكانتها في العالم العربي قائلا: "العزة للعرب، إن مصر بالنسبة للعرب هي القلب، وإذا توقف القلب فلن تكتب للعرب الحياة".
اقتصاديا:
تميزت العلاقات الاقتصادية بين الإمارات ومصر منذ البداية بمستوى عال من التنسيق والتعاون وهو ما تم تجسيده على أرض الواقع عبر عدة أشكال من التبادل التجاري والاستثمارات والمشاريع المشتركة في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والتصنيع والملاحة البحرية والنقل وغيرها من القطاعات.
وساهمت عملية التبادل التجاري في دعم التكامل الاقتصادي بين البلدين، وفي عام 1978 احتلت مصر المركز الثاني في إجمالي تجارة الإمارات مع الدول العربية وقد جاء النفط في طليعة السلع الإماراتية المصدرة إلى مصر إلى جانب أنواع من الأجهزة الكهربائية على شكل إعادة تصدير، أما على صعيد الواردات الإماراتية من مصر فإنها تركزت على استيراد الخضراوات والفاكهة والأرز والأزهار، إضافة إلى الألبسة والأحذية.
وشكل الدعم الإماراتي لعجلة التنمية في مصر عاملا رئيسيا في تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين، وفي هذا المجال يبرز الدور الرئيسي لـ "صندوق أبوظبي للتنمية" في تنفيذ عدد من المشاريع الاستراتيجية في قطاعات متنوعة بمصر، حيث ساهم الصندوق في عام 1974 بتمويل إعادة فتح قناة السويس “المرحلة الأولى”، مما عزز بشكل ملموس من الحركة التجارية والكفاءة التشغيلية للقناة، كما قدم الصندوق قرضا لتمويل مشروع مصنع سماد طلخا لإنتاج سماد اليوريا بطاقة اجمالية تبلغ 249 ألف طن سنويا أسهمت في تحقيق مصر الاكتفاء الذاتي من الأسمدة النيتروجينية، وفي نفس العام أيضا قدم الصندوق قرضا لدعم القطاع السياحي المصري تمثل بمشروع ترميم وإعادة تأهيل فندق عمر الخيام.
ومول الصندوق في عام 1975 إنشاء محطة كهرباء أبي قير بقيمة 128 مليون درهم، وعمل المشروع على تأمين الإمدادات الكهربائية للمصانع القائمة في المنطقة الصناعية في الإسكندرية وأبو قير، وتوفير متطلبات المنشآت الصناعية الجديدة، وتضمن المشروع إنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بالطريقة البخارية تبلغ سعتهما 30 ميغاواط، إضافة إلى وحدتين لتوليد البخار باستخدام الغاز الطبيعي.
وفي عام 1977 ساهم الصندوق في تطوير قناة السويس “المرحلة الثانية”، وجاء مشروع تطوير قناة السويس لاستكمال عملية توسعة القناة وتأهيلها بحيث تكون أكثر قدرة وفاعلية على استقبال سفن الشحن العملاقة واختصار المدة الزمنية في عبور القناة.
وإلى جانب ذلك ساهمت الإمارات في عام 1974 بمبلغ 300 مليون دولار على مدى 3 سنوات متتالية لتعمير مدن قناة السويس التي هدمتها الحرب، وافتتح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" في العام 1976 مدينة الشيخ زايد بالإسماعيلية.
وفي المقابل لعبت الخبرات الفنية والعمالة المصرية دورا مؤثرا في مسيرة التنمية التي انطلقت في الإمارات منذ عام 1971، وبلغ عدد العاملين المصريين في الامارات سنة 1975 ما يقارب 12500 أي ما يعادل 2،3 بالمئة من نسبتهم في الخارج آنذاك، ليرتفع العدد في السنة اللاحقة ليصل إلى ما يقارب 22000 في العام 1980 بنسبة زيادة بلغت نحو 80 بالمئة.
وحرصت الإمارات في تلك الحقبة الزمنية على الاستفادة من الخبرات المصرية في العديد من القطاعات الاقتصادية ومنها على سبيل المثال قطاع الملاحة البحرية حيث استأجرت سنة 1972 القاطرة "حوت" التابعة لهيئة قناة السويس المصرية؛ للعمل في ميناء أبوظبي وقد قام الخبراء المصريين على متن القاطرة بتدريب عدد من البحارة الإماراتيين على قيادة القاطرات البحرية، ولزيادة تبادل الخبرات في هذا المجال انضم البلدان إلى اتفاقية تأسيس "الأكاديمية العربية للنقل البحري " سنة 1975.
ويعد قطاع الزراعة والثروة الحيوانية من أهم القطاعات الاقتصادية التي سعت الامارات للنهوض به بالاعتماد على الخبرات المصرية وفي سبيل ذلك أبرمت الإمارات مع الجانب المصري اتفاقية للتعاون الفني العلمي في مجال الزراعة سنة 1973 شملت استصلاح الأراضي الزراعية واستخراج المياه الجوفية واستغلال الثروة السمكية والتنمية.
التعليم:
يعتبر التعليم من أهم المجالات التي ساهمت في توثيق العلاقات الإماراتية المصرية وترسيخها منذ زمن بعيد يعود إلى ما قبل عام 1971 بسنوات عدة حيث شهدت إمارة الشارقة في منتصف خمسينات القرن الماضي وصول أول طلائع المدرسين المصريين إليها والذين بلغ عددهم في مدرسة القاسمية وحدها بين عامي 1955 - 1959 ما يقارب 12 مدرسا، فيما سجل وصول أول بعثات المدرسين إلى إماراتي أبوظبي ودبي في العام 1960، ليتوالى من بعدها وصولهم إلى بقية الإمارات الأخرى.
واستمر وصول المدرسين المصريين إلى الإمارات بعد تأسيس الاتحاد سنة 1971 وبدأت أعدادهم تتزايد بشكل ملحوظ إلى أن بلغ في العام 1979 نحو 6500 مدرس وإداري في مدارس الدولة.
وشكلت الجامعات والمعاهد المصرية في تلك الفترة أحد أكثر وجهات الابتعاث التي يفضلها الطلبة الإماراتيين الراغبين في متابعة تحصيلهم العلمي العالي، وفي عام 1977 وصل عددهم إلى ما يزيد عن 500 طالب وطالبة بمختلف الاختصاصات.
الإعلام:
تعددت أوجه التعاون الإعلامي بين الإمارات ومصر حيث وقع الجانبان بروتوكولا للتعاون الفني في المجال الإعلامي سنة 1974 نص على تبادل الخبرات الفنية والبشرية في هذا المجال، وتنفيذا لهذا البرتوكول أوفدت مصر عددا من الإعلاميين المصريين للعمل في المؤسسات الإعلامية الإماراتية كما قدمت العديد من الوسائل التقنية والفنية لتلك المؤسسات.
الثقافة:
أدرك الجانبان الإماراتي والمصري منذ البدايات الأهمية التي يشكلها الجانب الثقافي في تقوية وترسيخ العلاقة ما بين البلدين والشعبين الشقيقين لذلك حرص كل منهما على تعريف الطرف الأخر بثقافة شعبه وعاداته وتقاليده عبر وسائل متعددة منها تبادل الزيارات والمشاركات في الفعاليات الثقافية والفنية المقامة على أرضيهما، وفي هذا الإطار جاءت مشاركة دولة الإمارات بمعرض القاهرة الدولي السابع للكتاب عام 1975، ومشاركتها بجناح خاص في سوق القاهرة الدولي عام 1974 ضم صورا تعكس الإنجازات التي حققتها منذ قيام الإتحاد وأهم العادات والتقاليد في المجتمع الإماراتي.
وعكست الزيارات التي قام بها المثقفون والفنانون المصريون إلى الإمارات جانبا هاما من مظاهر التقارب والتعاون الثقافي بين البلدين ومن بينها على سبيل المثال زيارة المطربة المصرية الراحلة أم كلثوم إلى العاصمة أبوظبي عام 1971 لإحياء حفلتين غنائيتين بمناسبة عيد جلوس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثره" والتحضير للاحتفال بقيام الاتحاد، وكذلك زيارة الدكتور صلاح العقاد أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس عام 1974 التي قام خلالها بإلقاء العديد من المحاضرات في عدد من مدارس الدولة.