تصاعدت شكاوي الشعب الفرنسي في السنوات القليلة الماضية وبشكل غير متوقع، الذي مازال مستمر رغم محاولات الرئيس إيمانويل ماكرون بتهدئته، فبدأت الغيوم تتجمع في المشهد السياسي وأصبحت الرؤى ضبابية وهو مؤشر غير حميد للنظام الفرنسي القائم.
فعادت إلى الأذهان فترة احتجاجات مايو في عام 1968 التي أطاحت بزعيم فرنسا الخالد الجنرال شارل ديجول رغم أنه من أسس الجمهورية الخامسة وأرسى مؤسسات الدولة القوية بل وكان رجل فرنسا حينما قاد المقاومة إبان الاحتلال الالماني للبلاد، ولكنه رحل بعدما حدثت سلسلة من الاضطرابات المدنية في جميع أنحاء فرنسا، استمرت نحو سبعة أسابيع تخللتها مظاهرات وإضرابات عامة واعتصامات الجامعات والمصانع، توقفت حركة الاقتصاد الفرنسي في ذروة الأحداث التي أصبحت معروفة بأحداث مايو 68.
ووصلت الاحتجاجات إلى الدرجة التي أثارت خوف القادة السياسيين من حرب أهلية أو ثورة؛ وتوقف عمل الحكومة الوطنية لفترة قصيرة وأصبحت مرجعا لكل الحركات الاحتجاجية في فرنسا.
ومنذ أوائل أكتوبر، خرج المحتجون الغاضبون في العاصمة باريس، يطالبون بزيادة الأجور وفرض ضرائب أكبر على الأرباح المفاجئة التي ظهرت في بعض الشركات وخصوصا مؤسسة توتال للطاقة، وطالبوا الحكومة بخطوات أخرى لتقليل أثر التضخم المتزايد في مسيرات شبه يومية، تلبية لدعوة الأحزاب اليسارية والنقابيين الذين يأملون في زيادة الضغط على حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واسقاطه.
تتشابك المسيرات مع إضرابات بشأن الأجور في مصافي ومستودعات الوقود التي تسببت في نقص مزمن في البنزين، ما أدى إلى إصابة الموظفون وسائقي السيارات بالصدمة ووضع حكومة ماكرون الوسطية في موقف دفاعي.
ومن المتوقع أن يستمر آلاف المتظاهرين في "مسيرة ضد غلاء المعيشة والتقاعس عن العمل"، سعيا وراء استثمارات ضخمة ضد أزمات الحكومة وملفاتها الساخنة بما فيها أزمة المناخ، ويطالب المنظمون بتجميد أسعار الطاقة والسلع الأساسية والإيجارات، ويدفعون ضد إصلاحات المعاشات التقاعدية المقترحة.
فيما استمرت الروح المعنوية للحكومة في التراجع في مواجهة الأزمة الاجتماعية المستعرة، فقد كان هناك قلق متزايد بشأن نقص الوقود، رغم إغاثة بعض صفقات الدول العربية كقطر والامارات والسعودية والجزائر ومصر التي حاول الرئيس ماكرون سد نقص العجز في مخزون أمن الطاقة الوطني الفرنسي من جراء الحرب الروسية الأوكرانية ومقاطعة الغاز والنفط الروسي الذي كان يمول 85% من طاقة أوروبا، لكن هذه الأزمة انعكست بالإيجاب على شركات النفط الفرنسية الكبرى فحققت أرباحا خيالية تجاوزت 10 مليار يورو في 6 أشهر الاولى لهذا العام 2022، مما أدى إلى تذمر مهندسو النفط وعمال المصافي لعدم حصولهم على زيادات في رواتبهم وسط الغلاء والأزمة الاقتصادية العالمية.
فخرجت احتجاجات العمال في الأسابيع الأولى مطالبين بزيادة أجورهم بنسبة 10%، لكن قررت الشركات منحهم زيادة قدرها 3% فرفضها العمال واستمروا في موجة الاحتجاجات وانضم إلى مسيراتهم حركات أخرى ضد ارتفاع الأسعار والتقاعس المناخي والاستياء من أداء الحكومة بدعوة من أحزاب اليسار واليمين المتطرف حتى ساد القلق الجميع وتجدد التشاؤم من تدهور الأوضاع.
فكانت مظاهرة العمال والمهنيين يوم 18 أكتوبر بتعبئة من أربع نقابات عمالية ومهنية كانت بداية حركة كبرى في فرنسا تجاوزت 140 ألف محتج والعدد مرشح للزيادة، بل حفزت الحركة الفرنسية بقية الحركات في أوروبا، حتى بات يواجه رئيس الاتحاد الأوروبي راسموسن، التحدي الأكبر في ولايته، وسرعان ما انضم لهم المعلمون وعمال السكك الحديدية وموظفو الرعاية الصحية، ثم بدأت الإضرابات متزامنة مع مسيرات حاشدة في عشرات المدن، مما أدى إلى خنق إمدادات الوقود حول البلاد وتعثر نظام التكرير، ونفد البنزين أو الديزل من حوالي: 28% من محطات الوقود في البلاد، مع ارتفاع الأسعار بصورة حادة.
كانت المسيرات سلمية في الأساس، لكن بعض المحتجين في باريس حطموا نوافذ المحال واشتبكوا مع الشرطة تعبيرا على الغضب العام فقد تجاوز حدودهم الغلاء والوضع الاقتصادي الصعب.
وأوضح المنظمون أن التظاهرات أنطلقت، بالتعاون مع حركة المواطنين الغاضبين، للدفاع عن المكتسبات الاجتماعية في ظل التوجهات الاقتصادية والسياسية للرئيس إيمانويل ماكرون، ومن أجل المطالبة بعدالة اجتماعية ضريبية وعدالة مناخية. وفي الوقت نفسه، انطلقت مظاهرة في ميدان كاتالوني، في الدائرة الرابعة عشرة بباريس، استنكارًا للسياسة الخارجية للدولة، تجاه الحرب في أوكرانيا، ورفض وضع الشعب الفرنسي في دفع تكاليف الحرب.كما انطلقت مظاهرة ثالثة، شارك فيها تجمع "الحرية الحقيقة"، و"المواطنون الغاضبون" و"السترات الصفراء"، انطلاقًا من ميدان باليه رويال في الدائرة الأولى، وطالبت بتنحية الرئيس ماكرون، فيما نظم أعضاء النقابات مسيرة إلى مدن في فرنسا.
فيما تحاول فرنسا التعافي من أزمات أرتفاع معدلات التضخم، والاختناقات في محطات الوقود، تواجه أيضاُ نقصًا في عدد من الأدوية أبرزها إيفيرالجان ودوليبران، في ظل توقعات بتفاقم الأزمة خلال أشهر الشتاء تعاني فرنسا نقصًا في عدد من الأدوية أبرزها إيفيرالجان ودوليبران، في ظل توقعات بتفاقم الأزمة خلال أشهر الشتاء، ورصدت وسائل إعلام فرنسية أن نقص الإمداد لهذين الدواءين بدأ منذ يوليو الماضي، وهما اللذان يُستخدمان في علاج نزلات البرد والحساسية الموسمية وخفض الحرارة لاحتوائهما على مادة الباراسيتامول.
وأعلنت وكالة الوطنية لسلامة الأدوية بأن العاملين في القطاع الصحي في فرنسا باتوا يصفون عددًا أقل من هذه الأدوية للمرضى، وطالبت الوكالة الصيادلة بضرورة عدم منح المرضى أكثر من عبوتين من الدواءين المذكورين في حالة عدم وجود وصفة طبية، وهو ما أدى لظهور حركة احتجاجية صغيرة تطالب بزيادة الأدوية وتوفيرها.
وأوضح المنظمون أن التظاهرة الأولى انطلقت من محطة مترو فاغرام، في الدائرة السابعة عشرة في باريس، بالتعاون مع حركة مواطنين غاضبين، للدفاع عن المكتسبات الاجتماعية في ظل التوجهات الاقتصادية والسياسية للرئيس إيمانويل ماكرون، ومن أجل المطالبة بعدالة اجتماعية ضريبية وعدالة مناخية”، على حد وصف بعض المتظاهرين.
وفي الوقت نفسه، انطلقت مظاهرة في ميدان كاتالوني، في الدائرة الرابعة عشرة، “استنكارًا للسياسة الخارجية للدولة، تجاه الحرب في أوكرانيا، ورفض وضع الشعب الفرنسي في أتون الحرب.
كما انطلقت مظاهرات، شارك فيها تجمع "الحرية الحقيقة"، و"المواطنون الغاضبون" و"السترات الصفراء"، الذين نزلوا مجدَّدًا إلى شوارع العاصمة الفرنسية، رفضًا لارتفاع أسعار السلع وزيادة معدلات التضخم، وتنديدًا بسياسة الدولة تجاه الأزمة الأوكرانية، وشاركوا عمال وشباب في مسيرة ضد غلاء المعيشة ينددون بالتضخم والحرب مع مطالبة ماكرون بالمضربين في محاولة لكسر إضراب المصفاة انطلاقًا من ميدان باليه رويال في الدائرة الأولى، وطالبت بتنحية الرئيس ماكرون.
نظم أعضاء النقابات مسيرات في بقية مدن فرنسا، وقال فيليب مارتينيز، رئيس نقابة العمال، أن الحكومة يجب أن تتصرف بدقة في مواجهة "إلحاح" العمال الذين يكافحون للتعامل مع الأزمة الاقتصادية.
وتخشى القيادة السياسية الفرنسية من انفلات الوضع ولهذا تعمل على إيجاد حلولا سريعة قبل أن يسقط السخط الشعبي الحكومة، فيما تُجسد هذه الاضطرابات اختبارًا صعبًا لماكرون أمام دعمه المادي والعسكري السخي الذي يمنحه لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، إذ يترنح الفرنسيون بالفعل بسبب التضخم في البلاد.
أزمة الوقود والأسعار
يستمر الحصار المفروض على خزانات النفط والمصافي في فرنسا منذ أربعة أسابيع ومازال يتسبب في نقص حاد في الوقود، ويؤثر بشكل كبير على حركة النقل والعمل في البلاد، حيث مازال عمال النقل يشاركون في الإضراب احتجاجا على زيادة الأجور وردّت الحكومة على ذلك عبر استدعاء المضربين من أجل إعادة فتح بعض مستودعات الوقود.
كذلك، استدعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عدة مرات رئيسة الوزراء إليزابيث بورن والوزراء المعنيين لتقييم الوضع في الوقت الذي تشهد تعطل 30% من محطات الخدمة في فرنسا بسبب الاضطرابات، حتى بات مشهد الطوابير التي لا نهاية لها لسائقي السيارات أمرا معتادا على مدار اليوم والليل لدى الفرنسيين.
تصريحات لـ"البوابة نيوز"
ورصدت "البوابة نيوز" أجواء الشارع الفرنسي وصورت المشهد الحي وألتقت ببعض سائقي السيارات لاستطلاع آرائهم، ومنهم صاحب دراجة نارية (موتوسيكل) يدعى طارق من تونس، والذى قال: “ إنني أبحث عن وقود لدراجتي النارية منذ ثلاثة أيام وطابور السيارات يجاوز 200 متر”، فيما قالت فرانسواز سائقة سيارة تعمل في مؤسسة حكومية، بإنها لا تجد بنزين 98 وهناك نقص في بعض أنواع الوقود خصوصا الديزيل فلا يتوفر في كل المحطات.
وقال جاك (67 سنة متقاعد)، إنني متذمر رغم إني على المعاش ولو كنت أعمل لكان لي تصرف آخر فأنا رافض لحركة الاحتجاج هذه، فليس من الطبيعي أن يشل فرنسا 70 شخصا، ونفس الرأي لصاحب تاكسي، الذي قال لنا بإنه لا يفهم حقيقة هذه الحركة وكيف تعطل عمل الناس وتتخذهم كرهائن من أجل مطالبها فهناك وسائل اخرى للمطالبة برفع الاجور دون الاضرار بالغير.
كما تجولت عدسة "البوابة نيوز" فى المحلات لمعرفة زيادة الأسعار وألتقت بجبريل مسؤول في أحد محلات السوبر ماركت (ليكليرك)، والذى قال بإن "التضخم في البلاد أدى الى زيادة قدرها 10% من أسعار كل السلع وهذا ليس جيد للزبائن رغم أني أعمل هنا لكن اعتبر ذلك خسارة للناس فالغلاء يتزايد والمرتبات لا تجاريها وكشف بأنه حضر واقعة المعارك بين الزبائن على السلع الاساسية كالدقيق والزيت منذ ستة أشهر لكن الحكومة وفرت الكميات الناقصة التي كانت تأتينا من أوكرانيا.
واختتم تصريحاته للبوابة، بقوله إنه يأمنلأن تستجيب الحكومة للنداءات الشرعية لمساعدة العمال على تحمل الغلاء فالحل لن يأتي الا من الحكومة".
هذا وقالت جيزيل، موظفة لدى محل ملابس "يجد الطلاب في بلدنا صعوبة متزايدة في شراء المعكرونة، فقد ارتفعت الأسعار في فرنسا بنسبة 40 % تقريبًا في كل شيء الكهرباء، البنزين، السلع الغذائية، والمشروبات، في العام الماضي رأينا الطلاب يصطفون أمام المساعدات الغذائية، وقال أوليفيه (معلم)، "بالنسبة للشباب، فإن التضخم يؤثر على مستوى معيشتهم ليسوا بالضرورة عند نقطة عدم القدرة على تناول الطعام، لكنهم يأكلون بشكل سيئ، ولا يمكنهم بالضرورة تدفئة أنفسهم جيدًا بعد ارتفاع الاسعار، بالنسبة للنقل، قد يكون من الضروري في بعض الأحيان القيام برحلات سيرًا على الأقدام ".
ارتفاع الأسعار نتيجة التضخم
ارتفع التضخم السنوي في فرنسا إلى أعلى مستوى له منذ يوليو 1985 حيث وصل إلى 6.1% في يوليو الماضي، بعدما بلغ 5.8% في يونيو، لكنه تحسن الى 5.9٪ في أغسطس، لكن شهد السوق الفرنسي تباطأ وتضخم أسعار المستهلكين السنوية حتى وصلت إلى 5.6٪ في سبتمبر، وفقًا لبيانات المعهد الوطني للإحصاء والإحصاء، ومع ذلك تسارع إرتفاع المنتجات الغذائية خلال عام واحد، حيث ارتفع التضخم من 7.9٪ في أغسطس إلى 9.9٪ في سبتمبر والتي استمرت في الزيادة على مدى عام واحد.
وفق ما أفاد المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء، أرتفاع معدل التضخم السنوي في فرنسا مدفوعًا بأرتفاع أسعار الخدمات والمواد الغذائية والسلع المصنعة، أما عن أسعار الطاقة فقد استمرت في التأثير في أرقام التضخم ولكن بشكل أقل قوة مقارنةً بالأشهر الأخيرة.
ويعزى هذا التباطؤ إلى "هبوط في أسعار الخدمات (+ 3.2٪ بعد 3.9٪) والطاقة (+ 17.9٪ بعد 22.7٪)"، على حد المعهد الفرنسي، لكن الزيادة في المنتجات الغذائية التي تخصص لها الأسر الأفقر حصة أكبر من دخلها تسارعت خلال عام واحد، وارتفعت، وظلت الزيادات في السلع المصنعة مستقرة، مع انخفاض معدل الزيادة السنوي من 3.5٪ إلى 3.6٪.
هبوط أسعار الطاقة
على مدار شهر واحد، أنخفض مؤشر أسعار المستهلك أخيرًا بنسبة 0.6٪، مقابل 0.5٪ خلال التقدير الأول الذي تم إجراؤه في نهاية سبتمبر، هذا الإنخفاض في مستوى الأسعار مقارنة بشهر أغسطس هو نتيجة خاصة لانكماش أسعار الخدمات (-1.5٪) "بسبب الانخفاض الموسمي الملحوظ أكثر من العام الماضي في أسعار بعض الخدمات المتعلقة بالسياحة".
انخفضت أسعار الطاقة من جانبهم للشهر الثالث على التوالي، لكن الانخفاض (-2.6٪) كان أقل وضوحًا مما كان عليه في أغسطس (-3.9٪)، على الرغم من دخول السعر المنخفض اعتبارًا من 1 سبتمبر بخصم مؤقت قدره 30 سنتًا. على لتر من الوقود في المضخة.ومع ذلك كانت الاسعار في الاشهر الستة للحرب الروسية الأوكرانية مضاعفة وأدت الى تذمر الفرنسيين بشكل كبير.
فقد ارتفعت أسعار الطاقة في الأشهر الأخيرة بسبب الحرب الروسية التي أثارت قلقًا في الأسواق العالمية، وإن كانت قد تراجعت قليلًا في الأسابيع الأخيرة بسبب مخاوف بشأن النشاط الاقتصادي في الصين خصوصًا. فقد ارتفعت أسعار الطاقة في فرنسا بنسبة 28.5% على أساس سنوي في يوليو بعد أن سجلت ارتفاعًا بنسبة 33.1%. أيضًا صعدت أسعار الخدمات إلى 3.9% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وكانت قد بلغت 3.3% الشهر الماضي.