الجماعة أنكرت نسف محكمة الاستئناف وحادث الجبل وتفجير فندق الملك جورج
بعد سنوات كشفه تلاميذه: الإخوان فجروا قنابل فى جميع أقسام البوليس بالقاهرة لإرهاب الحكومة
محاولة نسف محكمة الاستئناف كانت لإحراق أدلة تورط الجماعة
إخوان مصر وإخوان فلسطين تشاركا فى خداع السلطات المصرية
عندما صدر قرار حل الجماعة بتاريخ ٨ ديسمبر سنة ١٩٤٨ أرفقت به مذكرة تفسيرية تورد بعضا مما ارتكبته الجماعة من أعمال إرهابية، ورد مرشدها العام – آنذاك – حسن البنا بمذكرة مضادة على طريقة «ومن خدع الحرب أن يضلل المسلم عدو الله بالكلام حتى يتمكن منه فيقتله» وهي أحد تعبيرات البنا الشهيرة، ولكن فضيلة المرشد لم يدرك ساعتها أن بعضا من رجاله سوف يأتون في زمن لاحق فيذكرون الحقيقة كاملة ليضعوه بعد رحيله بسنوات عديدة في مأزق الاتهام بالكذب.
جاء في المذكرة التفسيرية حول حوادث إلقاء قنابل على عدد من أقسام الشرطة بالقاهرة ما يلي: «كما وقعت بتاريخ ٢٤ ديسمبر سنة ١٩٤٦ حوادث إلقاء قنابل انفجرت في عدة أماكن بمدينة القاهرة وضبط من مرتكبيها اثنان من جماعة الإخوان قدما لمحكمة الجنايات فقضت بإدانة أحدهما في الجناية ٧٦٧ لسنة ١٩٤٦ قسم عابدين».
وفي معرض رده على هذا الاتهام يقول البنا: «والشخص الذي أدين في قضية الجناية رقم ٧٦٧ لسنة ١٩٤٦ قسم عابدين بمناسبة حوادث ٢٤ ديسمبر ١٩٤٦ لم يثبت أنه أمر بهذا من قبل الإخوان أو اشترك معه فيه أحد منهم ». وقد كانت هذه الحوادث شائعة في ذلك الوقت بين الشباب بمناسبة الفورة الوطنية التي لازمت المفاوضات السابقة.
ولقد حدث بالإسكندرية أكثر مما حدث بالقاهرة، وضبط من الشباب عدد أكبر وصدرت ضدهم أحكام مناسبة، ولم يقل أحد إنهم من الإخوان المسلمين فتحمل الهيئة تبعة هذا التصرف الذي لاحق فيه ولا مبرر له « محمود عبد الحليم - الإخوان المسلمين – أحداث صنعت التاريخ – الجزء الثاني – طبعة دار الدعوة الإخوانية – ص٥٣».
وبعد أربعين عامًا بالتمام والكمال يأتي واحد من تلاميذ البنا وعضو من أعضاء النظام الخاص ليكذبه صراحة. يروي «محمود الصباغ» في كتابه (حقيقة التنظيم الخاص) الحقيقة كاملة فيقول: « كان لابد للنظام الخاص وقد تطورت الأمور إلى هذا الحد أن يُري كلًا من الحكومة والإنجليز أن محاولتهما لتقنين احتلال الإنجليز لمصر لن تمر دون قتال مسلح فعمد إلى تفجير قنابل في جميع أقسام البوليس في القاهرة يوم ٣/١٢/١٩٤٦م بعد العاشرة مساءً».
وقد روعي أن تكون هذه القنابل صوتية، بقصد التظاهر المسلح فقط دون أن يترتب على انفجارها خسائر في الأرواح، وقد بلغت دقة العملية أنها تمت بعد العاشرة مساء في جميع أقسام البوليس، ومنها أقسام بوليس الموسكي والجمالية والأزبكية ومصر القديمة ونقطة بوليس السلخانة.
ولم يضبط الفاعل في أي من هذه الحوادث، فاشتد رعب الحكومة من غضبة الشعب، وفكرت كثيرًا قبل إبرام ما عزمت عليه، ثم توالى إلقاء القنابل على أقسام بوليس عابدين والخليفة ومركز إمبابة « محمود الصباغ - حقيقة التنظيم الخاص – دار الاعتصام، الطبعة الأولى ١٩٨٩ – ص٢٧٨ ».
تفجير الملك جورج ومراوغة البنا
وتمضي المذكرة لتذكر حادثًا آخر ولكن هذه المرة مع اختلاف الزمان والمكان، ففي عام ١٩٤٧ حاول الإخوان المسلمون تفجير فندق «الملك جورج» بالإسماعيلية، تقول مذكرة حل الجماعة « وثبت في تحقيق الجناية رقم ٤٧٢٦ لسنة ١٩٤٧ أن أحد أفراد جماعة الإخوان قد ألقى قنبلة بفندق الملك جورج بتلك المدينة فانفجرت وأصيب من شظاياها عدة أشخاص كما أصيب ملقيها نفسه بإصابات بالغة ».
ويرد البنا في ثقة « الجناية رقم ٤٧٢٦ لسنة ١٩٤٧. ثبت أن الذي اتهم فيها غير مسئول عن عمله، وسقط الاتهام ضده، وما زال في المستشفى إلى الآن. فما وجه الاستشهاد بها في مذكرة رسمية؟ وهل تكون هيئة الإخوان مسئولة عن عمل شخص يتبين أنه هو نفسه غير مسئول عن عمله؟!» محمود عبد الحليم – مصدر سابق صـ ٥٤.
وهذه المرة نلجأ لرجل آخر من تلاميذ البنا هو « صلاح شادي » رئيس جهاز الوحدات الذي يذكر في كتابه "حصاد العمر" ص٨٩، "والتقى أمرنا داخل قسم الوحدات على القيام بعملية إرهاب داخل فندق الملك جورج، وكلفنا الأخ رفعت النجار من سلاح الطيران بالقيام بهذه العملية بأن يحمل دوسيهًا له مادة ناسفة يشعلها ثم يتركها في ردهة الفندق إلى جوار الحائط خلف ستارة مدلاة على حائط الردهة ثم ينهض بعد ذلك ويمضي خارج الفندق".
ويضيف "شادي":« جرى التنفيذ على أحسن وجه، ولكن ظهر للأخ رفعت عند مغادرته المكان أحد رجال المخابرات من الحراس الإنجليز، الذي أثار شكوكه هذا الدوسيه المتروك، فتوجه الحارس ليمسك به، في حين أصر الأخ رفعت على إنجاز التفجير، فعاد إلى الدوسيه وأمسكه بيديه، ومنع اقتراب أي شخص منه حتى يتم التفجير في أثناء إمساكه به وليكن ما يكون» صلاح شادى –مصدر سابق- ص ٩٠.
وشاءت الأقدار أن يصاب المنفذ في الحادث ويقبض عليه، ولما كانت التهمة ثابتة عليه فإن صلاح شادي يعترف صراحة « وأحضرنا له بعض الإخوة المحامين الذين دفعوا بأن قدراته النفسية والعقلية لا تضعانه في مستوى المسئولية الجنائية». وهو ما ذكره البنا في المذكرة بالحرف، في الوقت الذي يعلم فيه أسرار القصة كاملة.
حادث الجبل
هكذا عرف به في أدبيات الإخوان، حيث اعتادت كوادر النظام الخاص على التدريب على استخدام الأسلحة في منطقة جبل المقطم، وتذكر مذكرة حل الجماعة أنه « في ١٩ يناير سنة ١٩٤٨ ضبط خمسة عشر شخصًا من جماعة الإخوان المسلمين بمنطقة جبل المقطم يتدربون على استخدام الأسلحة النارية والمفرقعات والقنابل وكانوا يحرزون كميات كبيرة من هذه الأنواع وغيرها من أدوات التدمير والقتل».
ويرد البنا: «هؤلاء الخمسة عشر الذين ضبطوا بعضهم من الإخوان ومعظمهم لا صلة له بالإخوان أصلًا. ولقد برروا عملهم بأنهم يستعدون للتطوع لإنقاذ فلسطين حينما أبطأت الحكومة في إعداد المتطوعين وحشد الجماهير، وقد قبلت الحكومة منهم هذا التبرير وأفرجت عنهم النيابة في الحال. فما وجه إدانة الإخوان في عمل هؤلاء الأفراد خصوصًا وقد لوحظ أنه نص في قرار النيابة بأن الحفظ لنبل المقصد وشرف الغاية « محمود عبد الحليم –مصدر سابق صـ ٥٤».
ويأتي عام ١٩٨٧ وينكشف المستور ففي كتابه «النقط فوق الحروف» يشرح « أحمد عادل كمال» أحد أقطاب النظام الخاص في جماعة الإخوان المسلمين قصة حادث الجبل بالتفصيل يقول: « كلفنا بالبحث عن مكان مناسب بجبل المقطم يصلح للتدريب على استخدام الأسلحة والمفرقعات. فكان جبل المقطم فهو لا يحتاج إلى إجازات أو سفر، والمطلوب أن يكون المكان موغلًا في الجبل ميسور الوصول إليه بالسيارة، وأن يكون صالحًا كميدان ضرب نار، وأن يكون مستورًا عن العين، وأن يكون به ما يصلح أبراج مراقبة للحراسة.
وبدأ التدريب في ذلك الموقع بمعدل مجموعتين في اليوم الواحد، مجموعة تذهب مع الفجر حتى العصر وأخرى تذهب مع العصر وتعود مع الفجر، وكان الذهاب والعودة يتم بسيارة ستيشن واجن، وكان الترتيب ألا ترى مجموعة الأخرى، وأن يكون هناك بصفة دائمة في مكان مرتفع من يرقب المجال حول الموقع بمنظار مكبر، هذا الحارس كان في استطاعته أن يرى أي سيارة قادمة بسرعة قبل أن تصل بثلث ساعة على الأقل.
وكانت هناك حفر معدة ليوضع بها كل السلاح والذخيرة ويردم عليها لدى أول إشارة وبذلك تبقى المجموعة في حالة معسكر وليس معها ممنوعات قانونية.
ويضيف كمال « واستمر ذهاب المجموعات وعودتها بمعدل مرتين كل يوم ولمدة طويلة حتى صنعت السيارة مدقًا واضحًا مميزًا في الجبل.. وحتى لفتت نظر الحجارة في محاجر الجبل بأول الطريق. وبلغ الخبر إلى البوليس ونحن لا نشعر.
وكان مسئول التدريب يدرب مجموعة هناك، ومن تكرار التدريب في أمن وسلام فقد تغاضى عن حذره فتجاوز عن وضع الحارس مكانه ولم يشعر والمجموعة معه إلا بقمم الجبل حوله قد ظهرت من فوقها قوات البوليس شاهرة سلاحها وتطالبهم بالتسليم وهم منهمكون في تدريبهم، كان ذلك يوم ١٩/١/١٩٤٨ ونشرت الصحف الخبر».
ونأتي إلى النقطة الهامة في شهادة كمال حيث يؤكد « وحتى هذه الحالة كان هناك إعداد لمواجهتها. أجاب إخواننا المقبوض عليهم بأنهم متطوعون لقضية فلسطين، وهى إجابة كان متفقًا عليها، وفى نفس الوقت كانت هناك استمارات بأسمائهم تحرر في مركز التطوع لقضية فلسطين، كم تم اتصال بالحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العربية العليا وشرحنا له الوضع على حقيقته، وكان متجاوبًا معنا تمامًا، فأقر بأن المقبوض عليهم متطوعون من أجل فلسطين وأن السلاح سلاح الهيئة. وبذلك أفرج عن الإخوان وسلم السلاح إلى الهيئة العربية العليا».
هكذا تشارك إخوان مصر بقيادة البنا وإخوان فلسطين بقيادة مفتي القدس أمين الحسيني، في خداع السلطات المصرية التي أفرجت عن الشباب لنبل المقصد وشرف الغاية، ولم يكتف البنا بذلك ولكنه راح يسجلها نقطة لصالح جماعته ببجاحة يحسد عليها، كما يفعل الآن أحفاده.
وينهي عادل كمال شهادته بالقول: ومع ذلك فقد كان للحادث أثر بعيد. ذلك أنه عثر مع المسئول عن المجموعة - رحمه الله- على كشف اشتهر فيما بعد بأنه «كشف الجبل» يحوي مائة اسم من أسماء إخوان النظام الخاص وأرقامهم السرية مرتبين في مجموعات، هي المجموعات التي كان مزمعًا تدريبها تباعا من منطقة جنوب القاهرة. ولم يعلم أحد من المسئولين عن النظام في حينها شيئًا عن «كشف الجبل»، ولم يذكره المسئول، ولكن ذلك الكشف ظهر بعد ذلك في القضايا وكان من قرائن الاتهام القوية، فضلًا عن أنه كَشَفَ الأسماء التي احتواها (أحمد عادل كمال – النقط فوق الحروف – طبعة الزهراء للإعلام العربي – الطبعة الأولى – ١٩٨٧).
نسف محكمة الاستئناف
في هذه العملية قام عدد من كوادر الجهاز الخاص بمحاولة لنسف محكمة استئناف القاهرة والتي كان يحفظ فيها أوراق ما عرف بقضية «السيارة الجيب» التي كان على رأس المتهمين فيها «مصطفى مشهور» (أحد قادة النظام الخاص، ومرشد الجماعة الخامس فيما بين عام ١٩٩٦ وعام ٢٠٠٢).
وحكاية السيارة الجيب معروفة، حيث تم ضبط سيارة محملة بأسلحة وقنابل كان النظام الخاص يستخدمها في التدريبات، بالإضافة إلى بعض الأوراق التي تحتوي على خطط واستراتيجيات الجماعة، وقد أنكر البنا- في بيان وزع على الصحفيين آنذاك- أن يقوم أحد الإخوان بهذه الفعلة الشنيعة.
ولكن السنوات تأتي بما لم يكن يشتهي البنا، يقول محمود الصباغ حول هذا الحادث فى كتابه (حقيقة التنظيم الخاص): «وبعد نجاح السرية في هذا العمل الفدائي، نظر السيد فايز في كل ما تنسبه الحكومة إلى الإخوان من جرائم باطلة، مدعية أنها تستند في كل ما تدعيه إلى حقائق صارخة في المستندات والوثائق المضبوطة في السيارة الجيب، وكان يعلم يقينًا بكذب هذه الافتراءات».
ودليل ذلك ما ذكره عبدالمجيد أحمد حسن بعد أن قرر الاعتراف على زملائه، واستندت إليه المحكمة في براءة النظام الخاص مما وجه إليه من اتهامات – ولم يساوره شك في أن الحكومة قد زورت وثائق وقدمتها للنيابة لتدين الإخوان بما ليس فيهم من جرائم واتهامات باطلة، فقرر حرق هذه الأوراق وكون سرية لهذا الغرض بقيادة الأخ شفيق أنس.
وقد رسمت الخطة على النحو الذي ظهر في تحقيقات القضية المسماة زورًا وبهتانًا قضية محاولة نسف المحكمة، وحقيقتها أنها كانت محاولة حرق أوراق قضية السيارة الجيب وتمكن شفيق أنس من أن يضع حقيبة مملوءة بالمواد الحارقة معدة للانفجار الزمني بجوار دولاب حفظ أوراق قضية السيارة الجيب، إلا أن قدر الله قد مكن أحد المخبرين من ملاحظة شفيق، وهو يترك الحقيبة ثم ينصرف نازلًا على درج المحكمة، فجرى مسرعًا وحمل الحقيبة وجرى بها خلف شفيق، الذي أسرع في الجري حتى لا تنفجر الحقيبة على سلم المحكمة أو وسط حشود الداخلين في بهوها، ولما خرج إلى الميدان حذر المخبر من الحقيبة، فتركها فانفجرت في ساحة الميدان دون إحداث خسائر تذكر، وقبض على شفيق «محمود الصباغ» – مصدر سابق – صـ٤٥١.
وإلى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله.