قبل أن تقرأ هذا المقال أضع لك ملحوظة مهمة، هذا رأيي ولا أفرضه، ومن الممكن أن تراه من أكثر من جهة، ومن الممكن أن ترفضه من الأساس.. لكن ما يهمني أن تعرف أنه "لا تطبيل ولا تهليل ولا مغازلة". هو رؤية للواقع من وجهة نظري المتواضعة.
أنا أريد ألَّا أهدر الوقت أو التفكير في افتراضات غير واقعية لأمور لو تخيلنا، وهذا مجرد خيال أن تحدث ستأتي بنتائج أفضل مما هو موجود.
أولا: أنا لا أصدق من هم خلف الشاشات، مَن يتحدثون عن عناء الفقراء وهمومهم في تغريدات وهم في مغاطس ذهبية وعلى آرائك مرمرية.. فالحكمة أُخذت من لقمان وهو على حماره، ولم تؤخذ من قارون ومعه مفاتيح خزائن الأرض، والخبرة أُخذت من سلمان الفارسي بالمعايشة، ولم تؤخذ من النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق.
فحتى لا تكون وقودًا لتنفيذ أجندات لها أغراضها، ولا تكون محبًّا مدفوعًا بشعور غير عقلاني أو يقع تحت وطأة المصلحة.
تعالَ نجعل العقل حكمًا بيننا، قبل أن تشرع في هدم منزلك، أنت تفكر في تكلفة بنائه ومدَّتها، وتتفق مع مهندس، أي أنك تعد حسبة كاملة للأمر، لكن لا تشرع في الهدم ثم تفكر؛ لأنه في هذه اللحظة ستكون أنت وأسرتك في الشارع، هذا حال بيت واحد فما بالك لو كانوا ألف منزل أو عشرة آلاف أو مليون.. هذا بفرض اعتمادك على مهندس واحد سيستغلك ويملي عليك شروطه، إذن لا بد من اختيارات أخرى تكون متاحة لتنتقي من بينها ما يناسبك.
إذن الفكرة تبدأ من حساب التكلفة، وتعدد الاختيارات، وحساب السنوات التي ستعيش فيها مكدرًا بين الهدم والبناء.
هذا ونحن نتكلم عن بيت لا عن وطن.
أمام هذه الاحتمالات لديك بالفعل مهندس يقوم بعملية إحلال وتجديد على مراحل قطع فيها وقتًا وإن كانت التكلفة عالية إلا أنك وافقت ووثقت، وتغنيت أحيانا بما فعله في الغرف الأخرى، حتى جاء إلى غرفتك فتذمرت، وبدأت تفكر في في إيقاف المشروع، وتجاهلت من معك في المنزل، وتريد دفعهم لتأييد قرارك بالضغط أو بذكر العيوب وتجاهل المميزات.. هب أنك قررت التصويت أو الاستفتاء على هذا القرار وتظن أنك كفرد ستكسب جمعًا.
أي عقل هذا الذي يقبل من الأساس أن يختار بين معلوم ومجهول؟ أو يختار بين واقع ولو كان صعبا وبين خيال ولو كان ورديا.. بين قائم ومفترض؟
لا عقل ولا منطق سيقبل بذلك وخاصة إذا كانت هناك تجارب سابقة تؤكد فشل نظرية المجهول والخيال والمفترض..
في أي استفتاء أو تصويت سيكسب الواقع والمعلوم والقائم، سيذهب العقل إلى ترك الصورة تكتمل لإمكانية الحكم عليها، سيكون العقل مع ترك الفرصة للنهاية وخاصة إذا كان من يمثل الواقع عفيف اليد واللسان، أي أنه لا يقتطع من التكلفة العالية ويضع في جيبه بل يضعها في أركان المنزل.
حتى لو اختلفت معه في التقديرات فالحسابات تختلف بالمعطيات وليست كلها أمامك ولكن كلها أمام مسؤول البناء.
لذا وخلاصة ما أود قوله إذا لم يكن هناك خطة مكتملة وخط تسير عليه وبدائل تثق فيها فلا تتبع عاطفة زائفة ونبرة حنجورية عالية، فلقد تعبنا من الزج بنا في معارك وهمية، فقضيتنا الحفاظ على البيت أو بنائه لا هدمه.
في النهاية: هذا رأيي كشريك لك في المنزل سيدفع معك فاتورة القرار الخاطئ فأرجو أن تضعه في الحسبان حتى وإن لم يكن على هواك.. وحتى لا تتفاجأ أنك تقف وحيدًا في الاستفتاء.
أحيانًا يجب أن نصل إلى قناعة أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.