أعلنت وزارة الأوقاف، أن موضوع خطبة الجمعة القادمة 28 أكتوبر 2022م يأتي تحت عنوان: "حق الوطن".
وأكدت الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع الخطبة نصًّا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة عن عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية، إلى نص الخطبة:
إن حب الوطن فطرة إنسانية جليلة، وقيمة دينية عظيمة، وقد جسَّد نبينا (صلى الله عليه وسلم) معنى الحبِّ، والوفاء للوطن، حين أخرجه قومه من مكة المكرمة، فخاطبها قائلًا: (مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلْدَةٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ، مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ)، على أن حب الوطن يقتضي احترام عَلَمِه، ونشيدِه، وسائرِ مقوماته، والحفاظ على أمنه وأمانه واستقراره.
ومما لا شك فيه أن حب الوطن لا ينحصر في مجرد كلماتٍ تقال، أو مجرد شعاراتٍ ترفع؛ إنما هو سلوكٌ وتضحياتٌ، وحقوقٌ تؤدى، من أعلاها وأشرفها: التضحية في سبيل حمايته، فالوطن أحد الكليات الست التي أحاطها الشرع الحنيف بسياجات عظيمة من الحفظ والصيانة، وحمايةُ الأوطان من صميم مقاصد الأديان، وتُعدُّ التضحيةُ بالنفس أعلى مراتب التضحية، حيث يقول الحق سبحانه: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}، ويقول سبحانه: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ}، وقد بشَّر نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حُرَّاس الوطن وحماته الذين يضحون بأنفسهم دفاعًا عنه ببشريات عظيمة، حيث يقول نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ، عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (أَلا أُنَبِّئُكُمْ بليلةٍ أفضلَ من ليلةِ القدرِ؟ حارِسُ الحَرَسِ في أرضِ خَوْفٍ لعلَّهُ ألَّا يرجعَ إلى أهلِهِ).
كما أن الوطنية الحقيقية تقتضي المشاركة بإخلاص في بناء الوطن، من خلال إتقان العمل، وجودة الإنتاج؛ بما يؤدي إلى تقدم الوطن وازدهاره، فإن ديننا الحنيف لا يطلب من الناس مجرد العمل؛ إنما يطلب إتقانه وإحسانه، حيث يقول نبينا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ)، وقد قالوا: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل، وأصالته، ونبله، وشهامته؛ فانظر إلى مدى ولائه لوطنه، وحسن انتمائه له، وحنينه إليه، وعمله لأجله.
ومن حق الوطن على أبنائه التكافل والتراحم فيما بينهم، حتى تسود المحبة والمودة، ويعيش المجتمع كله حياة آمنة مستقرة، حيث يقول الحق سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ).
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك أن من آكد حقوق الوطن تعزيز قيم الولاء والانتماء، وتعميق الشعور بالمسئولية تجاه المال العام والمرافق العامة، وعدم فعل ما يضر بأبناء الوطن من الخيانة أو الغش أو الاحتكار أو الاستغلال؛ لذلك نهى نبينا (صلى الله عليه وسلم) عن تلك الأدواء الخطيرة، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): (الْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (لاَ يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أسعار الْمُسْلِمِينَ لِيُغَلِّيَهُ عَلَيْهِمْ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
على أننا نؤكد أن المتاجرين بأزمات الوطن كسبُهم خبيثٌ ممحوقُ البركة في الدنيا والآخرة، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ كَسَبَ مالًا حَرَامًا فَأعتقَ مِنْهُ، ووَصَلَ رحمَهُ؛ كَانَ ذَلِكَ إصْرًا عليهِ).
فما أحوجنا إلى القيام بحق الوطن، فالوطن لكل أبنائه، وهو بهم وبجهدهم وعرقهم جميعًا، كل في مجاله وميدانه، الجندي والشرطي في حفاظهما على أمن الوطن وأمانه، والطبيب في مشفاه، والفلاح في حقله، والعامل في مصنعه، والطالب باجتهاده في تحصيل العلم، وهكذا في سائر الصنائع والحرف والواجبات، حيث يقول سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.