ثمة تغيرات طرأت خلال العقود السابقة علي المجتمعات العربية، أحدثت خللًا وحالة من عدم التوازن المُجتمعي، رد البعض اسباب تلك التغيرات على انها نتاج تأثرها بشكل كبير بالثقافات الغربية،لاسيما وان التطور في تكنولوجيا الاتصالات ساعد على إحداث تلك التغيرات بسرعة فائقة، انتقلت خلالها المجتمعات العربية من مجتمعات محافظة تحكمها أعراف وتقاليد موروثة، ومتأثرة بالأديان السماوية التي اختص بها الله مناطق الشرق فقط، الي مجتمعات منفتحة دون تدرج في الانفتاح ودون وعى،لدرجة انها فقدت القدرة على التمييز بين الطيب والخبيث، وحتى علي استيعاب تلك التغيرات السريعة.
ولذلك ظهرت اعراض التغيرات على المجتمعات بسرعة فائقة،انتقل "الفيروس" الى كافة المناطق الجغرافية دون تفريق بين الحضر والريف، والساحل والبادية، وكان اهم ملامح اعراض المرض انحدار المجتمعات اخلاقيًا، وانتشار الفسق والرذيلة، وانتشار ثقافة القبح والترويج لها، كما انتشرت خلال السنوات السابقة ظاهرة ارتفاع نسب الطلاق ،حتى اضحت ظاهرة تهدد الأمن المجتمعي، لدرجة تجعلنا يجب ان نقف ونتأمل ونبحث في أسباب وتداعيات تلك الظاهرة علي تقويض الاسرة والمجتمع.
يُحمل البعض مسؤولية تفكك الاسرة الي المرأة والبعض الأخر يحملها الي الراجل، لكن في حقيقة الامر انها مسؤولية جماعية مشتركة يتحملها الراجل والمرأة علي السواء، كما تتحملها أيضا الاسرة الصغيرة والعائلة الكبيرة التي انشغلت بهموم ومشقه الحياة على حساب تربية الابناء واعدادهم لتكوين اسر جديدة كسُنة من سُنن الكون، اعداد الصبى ليصبح رجل المستقبل يتحمل مسؤوليته كاملة امام الاسرة وامام المجتمع، واعداده وتأهيله حتى يصبح زوج صالح، واب مسئول وقائد يقود سفينة الاسرة الي بر الأمان، وكذلك إعداد الانثى منذ الصغر لكي تصبح هى الأخرى مسؤولة عن إدارة منزل، وإدارة حياة زوجية،تكون فيها زوجة وام منتجة لأسرتها ومجتمعها، حكيمة تستطيع ان تضفي السعادة على ابنائها وزوجها، انثى لديها القدرة على تربية أجيال المستقبل، كما يجب أيضًا الا نعفي الدولة من المسئولية عن تفكيك الاسرة المصرية.
فالدولة فى طريقها للنهوض بمجتمعاتها والعمل على تلبية مطالب الدول الديمقراطية خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة وتمكينها، قامت الدول بنقل التجربة الغربية دون ضوابط ودون مراعاة مدى ملامتها مع المجتمعات الشرقية التي تحكمها عادات وتقاليد واعراف،فسارعت إلى سن تشريعات وقوانين معظمها في صالح المرأة، لاشك انها قوانين محمودة تحافظ علي حقوق المرأة وتحافظ علي كيانها في المجتمع،الا ان بعض النساء أساءوه استخدام تلك التشريعات وتلك الصلاحيات التي حصلوا عليها، فبمجرد حدوث أي مشاكل اسرية حتى وان كانت بسيطة يمكن حلها بالحوار، نجد ان بعض النساء تلجأ وبسرعة الي القضاء واقسام الشرطة لأخذ حقوقها، سواء مطالبتها بالطلاق للضرر او تنازلها عن حقوقها ومطالبتها بالخلع،،و بالتالي أوجدت حواجز نفسية تحول دون اتمام أي مصالحة او أي تقريب لوجهات النظر مع الطرف الأخر.
فيجب ان نعظم من دور الاسرة ودور المدرسة وكافة المؤسسات المهتمة بالثقافة والوعي على الاهتمام بالشباب ذكور واناث دون تفريق، واعدادهم اعداد جيد يليق بمكانة وتاريخ امتهم العريقة، اعدادهم لتحمل المسئولية المجتمعية والوطنية،والقدرة على مواجهة التحديات والمشاكل التي يمكن ان تواجههم.
مع الاهتمام بتعظيم وتعزيز ثقافة الجمال حتى تستطيع تلك الاجيال ان ترفض القبح وأن تفرق بين الغث والسمين.
كما يجب غرس القيم الإنسانية النبيلة في نفوسهم ( الصدق، الأمانة، الإخلاص، الإيثار، التقدير، العطاء،التضحية.....) الخ..
ولتحقيق كل ما سبق يجب شحذ الجهود والهمم من قبل كافة مؤسسات الدولة لتبنى وتنفيذ مشروع قومي لبناء الانسان، واعطاءه أولوية اولي، وتسخير كافة الامكانيات لتحقيقه، بناء انسان علميا وثقافيا ونفسيا وذهنيا، بناء انسان قادر علي المشاركة في عملية التنمية الحقيقية وقادر على ادارة مؤسسات الدولة، انسان مُحصن لديه قدرة علي مواجهة التحديات والتهديدات التي تواجه اُمته، والصمود امام المحن والخطوب،انسان لديه مناعة ضد كافة أنواع الحروب النفسية التي تمارس عليه.
و في النهاية يمكن تفعيل كافة ما سبق من خلال الاستفادة من تكنولوجيا الاتصالات الحديثة وتوظيف أدوات العولمة لصالح الدولة في بناء الانسان المصري، ونشر الوعي القومي بين كافة اطياف المُجتمع، وتسخير أجهزة الدولة المعنية بالوعي (الاعلام، الثقافة، التربية والتعليم الخ..) للمشاركة فى اتمام هذا المشروع ووضعه على اولاويات اهدافها القومية.