عقد المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، ندوة من خلال الإنترنت، لعرض ومناقشة مبادرة لنموذج جديد للاقتصاد الكلى فى مصر؛ ويعرض التطبيق الأول لهذا النموذج تحليلا مفصلا لاتجاهات التضخم خلال الشهور الأخيرة، يتم من خلاله محاولة تفسير وفهم السياسة النقدية كيف تعمل وتقييمها، والتنبؤات بالمؤشرات فى المستقبل، وهو ما لم يكن لدينا من قبل، حيث تتم الاستعانة بتفسيرات وتنبؤات الجهات الدولية حول الاقتصاد المصرى لعدم وجود نموذج خاص بمصر، وهو النموذج المحلى الأول من نوعه فى مصر والذى يترجم الطبيعة الخاصة للاقتصاد الصرى.
وقال عمر مهنا، رئيس مجلس إدارة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، إن هذا النموذج إسهام بحثي من المركز فى وضع نموذج جديد للاقتصاد الكلى المصرى، وهذه الندوة هى بداية لمجموعة من الأبحاث المتخصصة سيتم نشرها تباعا.
وعرض الفريق البحثى للمركز، طبيعة النموذج، ومنهجية عمله، والتطبيق الأول له هو تحليل وتفسير اتجاهات التضخم فى مصر خلال الفترة الأخيرة، وأسبابه ما إذا كانت ناتجة عن صدمات العرض أم الطلب، وجدوى السياسات التى تم اتخاذها لمواجهة هذا التضخم.
وأكد التحليل أن المشكلة الأكبر تكون ناتجة عن صدمات العرض لأنه فى هذه الحالة، تزيد الأسعار ويتراجع الإنتاج، لافتا إلى أنه فى حالة التضخم الناتج عن صدمة طلب مؤكدة فى هذه الحالة يتم رفع سعر الفائدة لامتصاص الصدمة، وهو ما يعنى أن معرفة أسباب التضخم تفرق فيه تقدير تداعيات الصدمة على الاقتصاد الكلى، والسياسات المقترحة والآثار المتوقعة على المدى الطويل.
وأشار التحليل إلى أن التوقعات بارتفاع الأسعار تتسبب فى مزيد من الارتفاع وطول مدة استمراره، وهو ما يتطلب من البنك المركزى مراعاة طريقة تكوين التوقعات لدى المواطنين والمؤسسات نظرا لتأثيرها على التعامل المستقبلى، لافتا إلى أن استمرار التضخم فى الارتفاع رغم رفع أسعار الفائدة نتيجة توقعات الناس، كما أن رفع البنك المركزى للفائدة ببطء يكون له أثر يعكسى يغذى التضخم.
وأوضح التحليل أن عودة التضخم لمستواه الطبيعي مرهونا بأن يكون سعر الفائدة الحقيقى موجبا، وارتفاع سعر الصرف الحقيقي، وهو ما يقلل تكلفة الإنتاج ونصل إلى الوضع الطبيعي عما قبل رفع الفائدة.
وشدد على أن السياسة النقدية التشددية تقلل التكاليف لكن الآثار الجانبية لهذا التشدد فى حالة صدمات العرض كبيرة، كما أن تكلفة الخروج من هذا التضخم الناتج عن صدمات العرض كبيرة جدا.
وانتهى التحليل بأن التضخم فى مصر فى فترة ما بعد الكوفيد كان ناتجا عن صدمات الطلب، ولكنه لم ينتهى واستمر وتحول إلى تضخم ناتج عن صدمات العرض، وقال: ان استخدام سعر الفائدة كحل وحيد لعلاج التضخم بغض النظر عن معرفه نوعه، أمر خاطئ يمكن أن يؤدى لخسائر كبيرة فى الناتج، ولابد أن يقتصر هذا العلاج عندما يكون التضخم ناتجا عن صدمات الطلب.
وأكد أن معالجة هذه الصدمات فى البيئة شديدة التعقيد يحتاج توافق السياسات المالية المالية والنقدية والعمل على زيادة المعروض من السلع والخدمات وزيادة التشغيل ينتج عنه تباطؤ طبيعى للتضخم وقوة طبيعية للعملة.
من جانبها أكدت الدكتورة عبلة عبداللطيف المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز، أن نتائج التحليل تظهر رسائل واضحة وهى أن التضخم الذى عانينا منه خلال الفترة الماضية غير مرتبط بالطلب، واستخدام سعر الفائدة ليس العلاج بل يسبب آثارا عكسية تتمثل فى تراجع الإنتاج، لافتة إلى أنه من النقاط الإيجابية خلال الفترة الأخيرة تغير السياسة النقدية واستخدام أدوات أخرى، مؤكدة الحاجة إلى العمل على زيادة الإنتاج لمواجهة التضخم.
وأشادت عبداللطيف، بالدور الذى لعبته وزارة التخطيط فى توفير البيانات اللازمة لتصميم هذا النموذج، والذى تم تجربته عدة مرات للتأكد منه من خلال مطابقة التحليل للنتائج على أرض الواقع، مشددة على أهمية توافر البيانات بشكل دورى منتظم وواقعى حتى يمكن تحليل هذه البيانات والاستعانة بها فى الدراسات المختلفة.
من جانبه أشاد أحمد كوجك نائب وزير المالية للسياسات المالية، بالنموذج الذى أعده المركز ونتائج التطبيق الأول لتحليل اتجاهات التضخم، مشيرا إلى ضرورة النظر فى موضوع فائض السيولة الهيكلى وتأثيره على التضخم واقتراح السياسات اللازمة للتعامل معه، مؤكدا فى الوقت نفسه أهمية تنوع أدوات السياسة النقدية بخلاف سعر الفائدة لمواجهة المشكلة.
وأشار نائب وير المالية إلى أهمية الإصلاحات الهيكلية لتعزيز العرض والإنتاجية، ولا يقتصر الأمر على السياسات النقدية والمالية وهو أحد التوصيات الهامة لمواجهة التضخم.
وأكد كوجك أهمية إتاحة البيانات، حيث أتاحت وزارة المالية قبل أيام تفاصيل الدين الحكومى المصرى بشكل دقيق، كما أنه من المقرر نشر مجموعة من البيانات الخاصة بالمالية العامة بشكل شهرى لمتابعة التنفيذ، مؤكدا أهمية الاستفادة من هذا النموذج الذى أعده المركز، كما يجرى العمل على نموذج شبيه بوزارة المالية لمعرفة السياسات والإجراءات للسيطرة على الفقر والحماية الاجتماعية بالتعاون مع المؤسسات الدولية والبنك الدولى.
من جانبه، قال هانى توفيق، رئيس مجلس إدارة المستثمرين الدوليين، إن السياسة النقدية فى السنوات الأخيرة كانت تستهدف سعر الصرف على حساب التضخم والبطالة، وتمت زيادة الفائدة الحقيقية فأصبحت الأعلى فى العالم، وتثبيت سعر الصرف، مشددا على ضرورة الحاجة إلى مناقشة السياسة المالية، فلا يمكن زيادة سعر الفائدة بمعزل عن الدين العالم، كما تساءل عن المعروض النقدى وطباعة النقود وأثرها على التضخم، وإلى أى مدى تم أخذه فى الاعتبار فى النموذج.
الدكتور أشرف العربى رئيس معهد التخطيط القومي، أشار بدوره إلى أهمية النظر إلى فائض السيولة الهيكلى وتأثيره على التضخم فى مصر، لأن معدل نمو السيولة أعلى بكثير من معدل نمو الاقتصاد، وفى ظل الإنفاق الضخم خلال الفترة الماضية على المشروعات القومية والبنية التحتية، مؤكدا أنه يرى أن التضخم الحالى فى مصر لا يرجع فقط لصدمات العرض كما أشار التحليل، ولكن أيضا إلى صدمات العرض والطلب مجتمعين.
وطالب العربي، بضرورة النظر إلى الأسباب الهيكلية الكامنة وراء التضخم، وعلاج مشكلة بيئة الاستثمار فى مصر وهيكل الصناعة ومساهمتها فى الناتج، وهيكل الصادرات ومحددات النمو الاقتصادى، وما هى طبيعة النمو وعوامله وهل هو مدفوع باستهلاك وزيادة واردات أم زيادة إنتاج وصادرات، وهو ما يجب أن ينظر إليه النموذج. وقال أن لدينا أعلى سعر فائدة حقيقية فى العالم ولكن سعر الفائدة سالبا وهو ما يعنى أنه يمكن زيادته.
وأعلنت الدكتورة عبلة عبداللطيف عن عزم المركز العمل على عدد من التطبيقات على هذا النموذج تباعا بهدف تحليل اتجاهات الاقتصاد الكلى خلال الفترة المقبلة، مؤكدة على أهمية تكامل السياسات وإجراء الإصلاحات الهيكلية اللازمة لمواجهة التضخم فى مصر بشكل فعال.