طرحت مشكلة اكتظاظ القاهرة بالسكان نفسها منذ زمان بعيد، لذلك رأى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الاتجاه للصحراء لتعميرها عن طريق إنشاء "مدينة نصر"، فأصدر لذلك القرار الجمهورى رقم 815 لسنة 1959، لإنشائها كمدينة جديدة مستقلة، وفي الوقت نفسه مكملة للقاهرة.
وقد قرر نقل المنشآت الحكومية والوزارات من قلب القاهرة إلى مدينة نصر بالإضافة إلى بناء عناصر جديدة كالمنظمة الأوليمبية، ومنطقة السوق الدولية والمعارض، وقد كان إنشاؤها مشروعاً قوميا كبيراً يمكننا أن نشبهه اليوم بإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة.
وقد قام بتخطيط المدينة الأستاذ الدكتور سيد كريم مخطط المدن الأول فى مصر والمنطقة، وهو من أوائل الداعين لإنشائها فى الخمسينيات، وهو أستاذ العمارة بجامعة القاهرة، ويعتبر بجانب ذلك فهو مفكر له العديد من المؤلفات فى مجالات الثقافة العامة.
وتعدّ "مدينة نصر" أكبر أحياء القاهرة من حيث المساحة، حيث تمتد على مساحة تقارب 250 كيلو مترًا مربعًا.
قصة إنشاء الكنيسة
على الرغم من تخصيص أماكن لدور العبادة فى تخطيط المدينة، لكن لم تتخذ فعلياً أى خطوة من قبل الدولة لإنشاء كنيسة للأقباط لتكون جاذبة هم للسكن أسوة بباقى الخدمات التى تم توفيرها للمدينة الحلم منذ بدايتها.
بطبيعة الحال سكن المدينة الشاسعة الاتساع الأقباط كغيرهم من المصريين، وكان من بينهم مهجرون من مدن القناة ونازحين من الصعيد من طبقات مختلفة بالاضافة للقادمين من القاهرة، ولم يكن لهم جميعاً مكان يصلون فيه، فكانوا يصلون ويجتمعون بكنيسة مارمرقص بمصر الجديدة، التى كانت ترعاهم ويرسل لهم كاهنها القمص انطونيوس أمين أتوبيسات لجمع الأهالى والأطفال لحضور القداسات ومدراس الأحد.
فى نهاية الستينيات حلم قداسة البابا كيرلس السادس بأن يكون للأقباط كنيسة فى المدينة الجديدة، فبحث عن اى قبطى من أبنائه يكون عاملاً بشركة "مدينة نصر" لينير له الطريق، ووصل بالفعل إلى الأستاذ أنور أمين المحامى الذى كان مدير الشئون القانونية لشركة مدينة نصر للإسكان والتعمير، وذلك عن طريق الخادمة الآنسة/ إيلين فهمى، فدعاه ليصلى معه القداس الإلهى بالكاتدرائية المرقسية بالأزبكية، وفى نهاية القداس واثناء توزيع البابا للقمة البركة، طلب البابا من الاستاذ أمين الانتظار جانباً، رغم عدم لقائهم من قبل!
جلس معه فى مكتب بالدور الثانى فى البطريكية وصارحه برغبته فى بناء كنيسة بالمدينة الجديدة وسأله عن كيفية الحصول على أرض بها فأشار إليه بكتابة خطاب من قداسته لرئيس شركة المدينة لطلب تخصيص أرض لبناء كنيسة، وقام الأستاذ أمين بكتابة صيغة الخطاب التى أعجبت البابا وقام بإرسالها فى خطاب رسمى فى اليوم التالى للشركة، فى نفس الوقت قام أقباط "مدينة نصر" بتشكيل منهم لمتابعة موضوع الأرض مع شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير بمعاونة الأستاذ أمين.. وكان من قادتهم الصيدلى الشاب صفوت هلال الذى كانت اجتماعات اللجنة تعقد أحياناً فى صيدليته بالمدينة.
مراحل البناء
استلمت لجنة الكنيسة كتاب موافقة إدارة الحج والشئون الدينية بوزارة الداخلية على طلب البطريركية بإقامة كنيسة بمدينة نصر بأصدار القرار الإدارى رقم 33 لسنة 1970 بتاريخ 25 / 3 / 1970 القاضى بتخصيص جزء من أرض القطعة رقم 101 بالمنطقة الأولي لإقامة كنيسة عليها.
وفى 12 / 3 / 1970 أرسل البابا كيرلس السادس" طلباً الى السيد وكيل وزارة الداخلية لأستصدار القرار الجمهورى ببناء الكنيسة . وبعدها بعام رحل عن عالمنا فى 9 مارس 1971، فأكمل قداسة البابا شنودة الثالث المسيرة من بعده واستلم ملف الكنيسة بكل اهتمام.
فى 1 / 8 / 1972 تمت إقامة أول قداس فى الكنيسة، وصلاه ابونا/ ميصائيل السرياني، الأنبا ميصائيل اسقف برمنجهام فيما بعد.
وفى 16 / 12 / 1971 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 3052 لسنة 1971 بالترخيص ببناء الكنيسة.
وفى 25 / 3 / 1972 تم أستلام الأرض من شركة مدينة نصر وفور استلام الأرض تم بناء سور يحدها من الأربع جهات وغرفة للحراسة.
وفى 17/ 4 /1972 أصد قداسة البابا شنودة قرار بتشكيل لجنة بناء كنسية السيدة العذراء بمدينة نصر.
وفى 25 / 4 / 1972 تم أول اجتماع رسمى للجنة الكنيسة، وتم التعاقد خلاله علي التصميمات المعمارية لمشروع الكنيسة مع مكتب المهندس/ سليم كامل والدكتور/ كامل عوض، وهما من صمما الكاتدرائية المرقسية بالعباسية. ثم تم تقديم التصميمات لشركة مدينة نصر فى 21/ 12/ 1972 لاعتمادها، وهو ما تم بعد أربعة أيام.
وفى 27 / 7 / 1972 قام قداسة البابا "الأنبا شنودة الثالث" مع عدد من الاساقة والكهنة بإرساء حجر الأساس للكنيسة فى حفل كبير، حضره عدد من رجال الدولة وأعضاء مجلس الشعب وجمع غفير من المواطنين، وذلك فى سرادق بأرض الكنيسة يتسع لـ 1500 شخص، وهى أول كنيسة يرسي قداسته حجر الأساس لها بعد جلوسه على كرسى مارمرقس الرسول. وقد كان قداسته شديد الاهتمام بها وكثيراً ما زارها على مر السنوات، وكتب عنها فى مجلة الكرازة خلال السبعينات والثمانينات طالبا من الاقباط التبرع لبنائها واصفاً إيها بالمشروع القبطى الكبير.
وفي 10 مايو 1973 كان الاحتفال بمرور 16 قرنا على نياحة بطلال الإيمان "البابا اثناسيوس الرسولى" فطلب الأب فليمون محروس راعى الكنيسة من البابا السماح بأضافة اسم البابا اثناسيوس لأسمها، وفى 6 / 10 / 1973 وافق البابا على ذلك لتصبح "كنيسة السيدة العذراء والقديس أثناسيوس الرسولي" فكانت أول كنيسة تنال بركة إسم هذا القديس العظيم.
وشهد يوم 17 / 4 / 1974 صدرت موافقة منطقة الإسكان والتشييد بمحافظة القاهرة رقم 189 لسنة 1973 بالترخيص ببناء الكنيسة وفي مايو 1974 أسند إعداد التصميمات الإنشائية للمشروع إلي مكتب الخادم العبقرى الدكتور ميشيل باخوم وشريكه الدكتور أحمد محرم.
وفي بداية عام 1975 تم التعاقد مع شركة المشروعات الاهلية لصاحبها المهندس توما ميخائيل، لتنفيذ الأعمال الخرسانية والإنشائية والتشطيبات وقد تم العمل وفقاً للمراحل الآتية :-
المرحلة الأولي: الأعمال الخرسانية للأساسات وتمت عام 1978 .
المرحلة الثانية: إنشاء الدور الأرضي والكنيسة الملحقة به وقد أفتتحها قداسة البابا شنودة الثالث مساء السبت عشية أحد الشعانين 18 / 4 / 1981 وتستخدم باقي المساحة منة لمختلف الأنشطة والخدمات بصفة مؤقتة.
المرحلة الثالثة: الأعمال الخرسانية للكنيسة العلوية والتي تشغل الدور العلوى بأكملة وقد تمت هذة الأعمال في أواخر عام 1986.
المرحلة الرابعة: أعمال التشطيبات وتشمل البياض الداخلي و الخارجي والبلاط ونجارة الأبواب والنوافذ والحجاب والدكك والكهرباء والكريتال والرخام الداخلي والخارجي والصوتيات ورسومات الأيقونات ( من سنة 1987 - حتى سنة 1991 )، كذلك توجد مجموعة ايقونات قبطية رائعة بالكنيسة من رسم الفنانة بدور لطيف وزوجها الفنان يوسف نصيفرسماها بين عام 1998و2002.
في عام 1990 تم إنشاء منارة الكنيسة وهى منفصلة عن جسد الكنيسة.
ثم التعاقد علي إقامة السلم الرئيسى والمداخل للكنيسة الرئيسية بالدور العلوى بما يتناسب و حجمها في 16 / 10 / 1990
وقام قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث بتدشين مذابح الكنيسة يوم 24 / 11 / 1991
المرحلة الخامسة: من 1997- 2000 م الأنتهاء من تشييد المعمودية الجديدة وتشطيب كنيسة الأنبا أنطونيوس وفصول وقاعات التربية الكنسية والحضانة الجديدة وقاعة المناسبات ومدرج البابا شنودة الثالث وقام قداسة البابا شنودة بتدشين المعمودية فى 8 / 3 / 2001.
وفي عام 2015 تم البدء فى إنشاء مبنى خدمات الكنيسة الجديد المكون من عشرة طوابق، لاستيعاب الزيادة السكانية بشعب الكنيسة وزيادة أحتياجاته الخدمية.