الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عالم متعدد الأقطاب وشتاء الجحيم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عزيزى القارئ إذا كنت مهتم بالشأن الدولى والعالمى فإني أدعوك لأن تتوقف عن احتساء القهوة ونحن نقرأ سويًا ما بين السطور الأحداث العالمية، أما اذا كنت غير مهتم فأنا أدعوك أيضًا لمعرفة ما يجري لأنه سيؤثر على مستقبلك ومستقبل أبنائك فنحن على مشارف مرحلة جديدة فى تاريخ العالم، حقبة جديدة بنظام عالمى متعدد الأقطاب ذات أسس وأيدلوجيات مختلفة وهيكلة في بنية النظام العالمي الجديد.
فى كل أبواق الأعلام العالمية والمحلية لا حديث يعلوا فوق صوت الغاز وأزمة الشتاء القادم فى أوروبا وعودة أستخدام الفحم مرة أخرى وأرتفاع مستوى التضخم العالمي،  من القراءة الأولى تستطيع أن تجد الهدف الروسي هو معاقبة قيصر موسكو للقارة العجوز لأصطفافهم خلف الولايات المتحدة الأمريكية فى فرض عقوبات عليها بعد العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا وان مساعي روسيا هي تراجع أوروبا فى تلك العقوبات والاستسلام لسياسة الأمر الواقع في التقدم الروسي داخل الأراضي الأوكرانية.
لكن مع تأمل ما بين السطور ستجد أن الهدف الروسي أبعد من ذلك بكثير، فبوتين يسير فى درب لتغيير خريطة أوروبا السياسية بالكامل.  
عزيزي القارئ تأمل معي تلك الاستراتيجية التي نخطو إليها  :
• منعت روسيا تدفق الغاز وبعض المواد الغذائية وغيرها من اساسيات الحياة إلى القارة العجوز.
• ارتفاع مستوى التضخم وأزمة اقتصادية عنيفة تنهش العائلة الاوروبية.
• عودة استخدام الفحم وتشغيل المحطات النووية لتوليد الطاقة.
• ازمة امداد للفحم التي تستورد أوروبا 54% منه من موسكو بقيمة 4 مليار يورو سنويًا وقد صدّرت روسيا 238 مليون طن من الفحم إلى أوروبا في العام 2021.
• ارتفاع اسعار الكهرباء والغاز بأكثر من 200% من السعر قبل الحرب الروسية الاوكرانية.
• مِنْ ثَمَّ تأليب الشعوب الاوروبية ضد أنظمتهم السياسية الحاكمة.
• زيادة شعبية التيارات اليمينية وإعادة احياء ظاهرة القومية والشعبوية من جديد. 
• وصول الأحزاب اليمينية والشعبوية المتطرفة للحكم.
• بدأ الهجرة من أوروبا إلى افريقيا خاصة من كبار السن إلي دول شمال افريقيا لعدم تحملهم قسوة الطقس.
• تغيير سياسة اوروبا فى الاصطفاف خلف امريكا وعودة ركائز العلاقات الاوروبية الروسية مرة أخرى بعد أن يستبدل المواطن الاوروبي التيارات السياسية الحاكمة الي تيارات شعبوية يمينية قومية. 
من هنا يبدأ نظام عالمى جديد كما اعلن قيصر روسيا بأنه "الان يجري استبدال النظام العالمي احادي القطب" وأن الطريق نحو عالم متعدد الأقطاب سيتصدر أجندة أعمال المنتدى الاقتصادي فى روسيا هذا العام كما أكد على انه  يتم تشكيل مراكز سياسية واقتصادية قوية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ فى اطار "الطريق الى عالم متعدد الاقطاب".
ديناميكية التغيير 
- فى مشهد لم يراه الاوربيين منذ حقبة الحكم الشيوعي والحرب العالمية الثانية يقف طوابير من الاوربيين فى عدة دول امام مناجم الفحم لتخزينة خوفًا من الشتاء القاسي وفقر الطاقة، مع بداية الشتاء ستبدأ المعركة الحقيقية، سيناضل المواطن الاوروبى من أجل البقاء، ستبدأ رحلات الهجرة من اوروبا الى افريقيا بعد ان كانت هي بوصلة المهاجرين فلم يتمكن قادة القارة العجوز من تأمين سوي 67% فقط من احتياجهم للطاقة لذا لم تجد أوروبا سوى العودة الى استخدام الفحم كوقود بديل عن الغاز الروسي الذي تناقص توريده الى بعض الدول وانقطع امداده تمامًا عن دول اخرى، وبرغم اعلان اوروبا مرارًا وتكرارًا بإستغنائها عن الوقود الاحفوري واستخدام الطاقة النظيفة وتسريع وتيرة خروج محطات الطاقة التي تعمل بالفحم وتنفيذ خطتها الطموحة بان تصبح القارة محايده مناخيًا بحلول عام 2050 إلا ان لا بديل لهم الان سوى عوده استخدام الفحم المدمر للبيئة.
- تضاعفت اسعار الكهرباء بنسبة 200% فى فرنسا وبعد ان كانت المنتج الأول للكهرباء فى اوروبا اصبحت الان تستورد الكهرباء من المانيا، والسبب فى ذلك لا يعود فقط لانقطاع توريد الغاز من روسيا بل تاّكل 12 محطة نووية بسبب موجات الحر القياسية وارتفاع درجات حرارة في الانهار التي تعتمد عليها المفاعلات النووية فى عملية التبريد، بخلاف عمر تلك المحطات النووية التي يرجع بعضها الى عام 1973، والان لا يعمل سوى 24 مفعل نووي من اصل 56 كما اعلنت عودة تشغيل المحطات التي تعمل بالفحم بعد ان اغلقت، لذا فإن فرنسا مقبلة على شتاء قاسي وارتفاع غير مسبوق فى اسعار الكهرباء.
- أما المانيا أكبر اقتصاد فى اوروبا وأكبر مستهلك للطاقة وتعد موطنًا ل7 من أكثر 10 محطات للطاقة تلويثًا فى أوروبا قام وزير الاقتصاد "روبرت هابيك" بجولات الى اسرائيل ودول الخليج للبحث عن بدائل للغاز الروسي، ثم أعلنت اجراءات طارئة وصفتها بالخطوة المريره وهي إعادة استخدام الفحم.
- ايطاليا اعلنت حالة التأهب الشديدة وقامت بتقنين استخدام الغاز على بعض الصناعيين المحددين وبدأت فى مضاعفة الانتاج في المحطات التي تستخدم الفحم. 
- أما النمسا فقد قررت ايضًا العودة لأستخدام الفحم برغم ان اغلقت "ميلاخ" أخر محطة طاقة تعمل بالفحم فى 2020.
- هولندا ايضًا قامت بتفعيل مرحلة "الإنذار المبكر" لخطة من 3 أجزاء لمواجهة أزمة الطاقة، وقامت بمضاعفة الانتاج فى محطات الطاقة التي تعمل بالفحم.
الازمات تظهر انانيه البشر - ماذا يحدث بعد العودة لأستخدام الفحم ؟
- سنوات نتغنى ونتشدق بخطورة الفحم ومطالبات ووعود بالاستغناء عنه فيما يسمى "الحياد الكربوني" ومع العودة لاسخدامة نقتل اي فرصه لانقاذ الكوكب من دمار محتم، كثافتة 2.2 من كثافة الغاز الطبيعي بمعني ان مع حرق الفحم يتم توليد ضعف مقدار ثاني أكسيد الكربون الذي ينتج من الغاز الطبيعي، كما يمثل 44% من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون على مستوي العالم، كوكتيل مميت ينتج بعد تشغيل محطات الطاقة بالفحم (ثاني أكسيد الكبريت، وثاني أكسيد النيتروجين، والزئبق وجسيمات دقيقة) وتنبعث الى الهواء ويتدهور ليس فقط البيئة لكن تلك الانبعاثات تشكل خطر جسيم على صحة الانسان ففي عام 1952 توفى 4 الاف نسمة فى انجلترا نتيجة "الضباب" الذي نتج عن حرق الفحم وعادم الديزل.
لذلك لا يتوقع نشطاء المناخ فى العالم ان اعتماد واقرار"التخلص التدريجي" ستصبح سهلة فى قمة المناخ "كوب 27" فى شرم الشيخ.
البعض يرى الحل في الطاقة المتجددة والبعض الاخر في الطاقة النووية
رغم انهيار محطات الطاقة النووية فى السابق مثل كارثة فوكوشيما وتيشرنوبيل إلا ان يري البعض ان حل الازمة الحالية فى مزيد من الاستثمار فى الطاقة النووية بحجة ان الطاقة المتجددة تعتمد على الشمس وهبوب الرياح لكن الطاقة النووية تستطيع توليد كهرباء فى اى وقت.
بينما يرى اخرين من بينهم الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش":الذي قال"إن الطريق الحقيقي الوحيد لأمن الطاقة، واستقرار أسعار الطاقة، والازدهار وكوكب صالح للعيش يكمن فى التخلي عن الوقود الأحفوري الملوث، وخاصة الفحم، والطاقة المتجددة هي خطة السلام فى القرن الحادي والعشرين".
أزمات تتفاقم وأسعار ترتفع وسلع تختفي وطاقة أصبحت نادرة ومستقبل غير معلوم، من الطبيعي ان ينظر المواطن الاوروبي فى ذلك الوقت لمصلحته ومصلحة بلادة مما سيزيد من شعبية واستحواز التيارات اليمينية والقومية على الساحة السياسية الاوروبية فقد تعددت الاسباب لصعود التيار اليميني والقومي فى اوروبا الذي سيغير الخريطة السياسية للقارة فقد أجبر رئيس الحكومة الايطالي على الاستقالة نتيجة دعمه لأوكرانيا وعدم انحيزاه لمصلحة الشعب الايطالي ثم حدث زلزال سياسي أصاب القارة بأكملها وهو فوز حزب أخوة ايطاليا اليميني فى الانتخابات التشريعية فى ظل تنامي أزمة الطاقة مما يعني أن ايطاليا هي البداية وسوف تلاحقها دول اخري فى صعود التيار اليميني، بعد صعود التيار اليميني فى ايطاليا هناك مخاوف كثيرة لخروج ايطاليا من الاتحاد الاوروبى مثلما فعلت بريطانيا، فايطاليا هي ثالث اكبر اقتصاد وثاني اقوي الجيش داخل الاتحاد الاوروبى، لذلك هناك مخاوف شديدة خاصة وان هناك الكثير من الايطاليين الذين ينادون بالانفصال من الاتحاد الاوروبى.
سوف يستمر صعود التيارات اليمينية فى اوروبا وسوف تشهد القارة العجوز شتاء مميت وسوف يحتد الصراع مع روسيا بشدة حتى نصل الى نقطة نهاية أما بحل جذري او تدمير كل شئ.... عليهم ان يتوقففوا قليلًا ويعيدوا حسابتهم وأن يضعوا مصلحة مواطنيهم أولا ومصير هذا الكوكب ثانيًا وألا فلن نترك فرصه للحياة لأبنائنا.