أكدت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية أن إنتاج الكهرباء في العالم مرتبط بالحالة التي سيكون عليها مناخ العالم في السنوات القليلة القادمة، سواء أكانت كهرباء مولدة بصورة تقليدية أو مولدة من سدود الأنهار أو حتى كهرباء نووية.
أشارت إلى أن انعقاد مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغيرالمناخ (كوب 27) في شهر نوفمبر المقبل يأتي في وقت تشتد فيه تحديات التغير المناخي عالميا مقارنة بذي قبل، وهو ما يجعل دول العالم على المحك ما بين ضياع بيئتهم أو إنقاذها، لافتة إلى أن أكثر من 60% من كهرباء العالم تعتمد في إنتاجها على المياه.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن خبراء المنظمة الدولية للأرصاد الجوية تأكيدهم أن مشروعات الطاقة في معظم دول العالم باتت مهددة بضغوط كبيرة كنتيجة مباشرة للتغيرات المناخية الراهنة إذا لم يلتفت العالم إلى إصلاحها، والتعامل معها بكل الجدية الواجبة، وهو ما قد يترتب عليه إذا ظل العالم متغافلا عنها حدوث تراجع إمدادات الطاقة الكهربائية على المستوى العالمي في الأعوام القادمة وعودة 60 في المئة من سكان العالم تقريبا إلى عصور ما قبل الكهرباء.
كما نقلت الصحيفة البريطانية عن دراسة للمنظمة الدولية للأرصاد يعود تاريخها إلى العام 2020 قدرت فيها حجم الإنتاج العالمي من الكهرباء بما لا يقل عن 87 في المائة من مصادر حرارية ونووية والهيدروليكية وجميعها مصادر تعتمد على المياه في تشغيلها وإدارتها بما في ذلك تبريدها مثلما هو الحال في الكهرباء النووية، فيما يعتمد اقتصاد العالم بنسبة 13 في المائة فقط على الكهرباء المولدة من طاقة الشمس والرياح.
وفي حالة حدوث عجز عالمي في إمدادات المياه سيكون صعبا على مشروعات إنتاج الكهرباء الحرارية والنووية والهيدروليكية مواصلة العمل وإنتاج الطاقة الكهربائية، وأشارت دراسة المنظمة العالمية للأرصاد إلى أن ثلث الكهرباء التي يستهلكها العالم تقريبا تأتي من المحطات الكهربائية التي تعمل بالبخار الناتج من المراجل والغلايات العملاقة التي يتم ملؤها بالمياه ويدير البخر الناتج عنها توربينات التوليد.
وكشفت الدراسة كذلك عن أن 15 في المائة من الكهرباء التي يستهلكها العالم يتم توليدها من المحطات النووية وجميعها محطات تحتاج أجسام مفاعلاتها إلى تبريد دائم بالمياه المتجددة، ودون تلك المياه المتجددة سيتحول الأمر من إنتاج طاقة للحياة والتنمية إلى "كارثة نووية محققة تبيد الأخضر واليابس".
وبالنسبة للمحطات الهيدروليكية، ذكرت الدراسة أنها تلبي 11 في المائة من احتياجات العالم من الكهرباء، مضيفة أن تشغيلها يعتمد في الأساس على تدفق التيارات المائية المستمر من المساقط المائية والنهرية لإدارة توربينات التوليد، مشيرة إلى أن ما يشهده العالم من جفاف لبعض الأنهار أو انحسار لمناسيب ارتفاعها نتيجة التغيرات المناخية وأثرها على الإيراد المائي للأنهار من مياه الأمطار سيكون إعلان وفاه لتوربينات الكهرباء في كثير من سدود العالم.
واستطردت دراسة المنظمة الدولية للأرصاد قائلة: إن قرابة ربع مشروعات سدود العالم التي تنتج الكهرباء والتي تقع على أحواض انهار أو بحيرات نهرية باتت تعاني من تهديدات "متوسطة الخطورة" أو "عالية الخطورة" نتيجة انخفاض المناسيب الناتج عن تراجع الإيرادات المائية للأنهار وأحواضها في العالم.
من جهتها، نبّهت دورية "ووتر جورنال" العالمية، وهي دورية علمية متخصصة في شئون المياه، أنه بحلول العام 2050 ستكون نسبة لا تقل عن 61 في المائة من سدود العالم التي تنتج الكهرباء الهيدروليكية تعانى من عطش محقق، أو من انهيارات محققة نتيجة الفيضانات النهرية وارتفاع المناسيب، أو من كلا التهديدين معا.
وأكدت "ووتر جورنال" على أن نسبة 2% من مشروعات السدود الخاصة بتوليد الكهرباء الهيدروليكية الجاري إنشاؤها تواجه تهديدات حقيقية من خطر فيضانات عارمة قد تعلو عليها وتطيح بتوربيناتها تماما مما يشكك في جدوى إقامتها في ظل استمرار حالة الاحتباس الحراري لغلاف الأرض، وأن 40% من تلك النوعية من سدود توليد الكهرباء مقامة بالفعل على رواد أحواض انهار تتهددها الفياضانات المدمرة.
على صعيد متصل، تؤكد تقارير ودراسات المنظمة الدولية للأرصاد أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لمناخ كوكب الأرض؛ السيناريو الأول الأكثر تشاؤما هو ارتفاع درجة حرارة غلاف الكوكب بواقع 5ر3 درجة مئوية بنهاية القرن الحالي، والسيناريو الثاني الأكثر تفاؤلا هو ارتفاع درجة حرارة غلاف كوكب الأرض لأكثر من 5ر1 درجة مئوية، ويبقى السيناريو الثالث لحرارة الغلاف الجوى منحصرا بطبيعة الحال فيما بين هذين التقديرين.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الدراسات العلمية الصادرة عن المنظمة الدولية للمناخ والأرصاد الجوية كانت قد كشفت عن أن حرارة غلاف كوكب الأرض قد ارتفعت بواقع 1ر1 درجة مئوية على الأقل منذ العام 1840.
وفي مقابلة مع "فاينانشيال تايمز"، قال البوفيسير جيروفرى أوبرمان الخبير في مجال الطاقة والمناخ بمنظمة الأرصاد الجوية ورئيس الرابطة الدولية لعلماء المياه ورئيس الصندوق العالم للحفاظ على الحياة البرية إنه يتمنى أن تحقق الإرادة العالمية نجاحا في الحد من زيادة حرارة غلاف الأرض بحلول العام 2050 برغم ما يتهدد العالم من أخطار الجفاف والمجاعات.
وأضاف أوبرمان أن الدراسات المستندة إلى تصوير فضائي وخرائط جوية تؤكد جميعها حدوث تراجع في مناسيب ارتفاع مياه الأنهار في الصين وفي أوروبا والمكسيك، واعرب عن أمله في أن تتدارك حكوماتهم تلك التهديدات قبل أن تصل إلى حد تهديد مشروعات توليد الكهرباء المقامة عليها، تلك المشكلة قد تحدث كذلك ولنفس السبب لمشروعات كهرباء أمريكية مقامة على روافد نهرية في "أريزونا وتكساس ونيفادا ومونتانا وكاليفورنيا وأركانسوس وأوكلاهوما"؛ حيث يقطع تلك الولايات جميعا نهر الميسيسيبى أطول أنهار العالم.
وقد دفع ذلك إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى اعتماد 500 مليون دولار أمريكي بصورة عاجلة للإنفاق منها خلال الأعوام الخمسة القادمة على أعمال رفع مستوى تأمين محطات توليد الكهرباء الهيدروليكية المقامة على مسارات وروافد وأحواض نهر الميسيسيبى، كما دعت الإدارة الأمريكية الحالية مجتمعات الأعمال والمؤسسات الاقتصادية الكبرى إلى توجيه جانب من إنفاقها المجتمعي على مشروعات دعم صمود الولايات المتحدة في مواجهة التغيرات المناخية الكبرى القادمة.
وبحسب الفاينانشيال تايمز، فقد دفعت الاحتمالات المتصاعدة لجفاف الأنهار في الصين نتيجة ارتفاع حرارة الجو والجفاف خلال الصيف الماضي إلى توقف توربينات التوليد الكهربائي النهرية في إقليم سوشهان بصورة جزئية وممتدة وهو ما استتبع على فوره إرجاء البدء في مشروعات استثمارية كانت مؤسسات يابانية وأمريكية عملاقة منها تويوتا وابل وفوكسكوم تنوى إقامتها في الإقليم بسبب خوف تلك المؤسسات من انقطاعات الكهرباء فيه.
في المقابل ستواجه دولا مثل كندا وأوغندا وروسيا وزامبيا وغانا وفنزويلا والهند تحديات من نوع آخر لمشروعات توليد الكهرباء المقامة على أحواض انهار تمر بأراضيها ألا وهو ارتفاع مناسب مياه تلك الأنهار بصورة قد تفوق قدرة سدود توليد الكهرباء على الصمود أمامها ومن ثم حدوث انهيارات جزئية أو كلية لتلك السدود وتوقف ما بها من توربينات لتوليد الكهرباء بما سيجعل الأمر برمته "كارثة كهرباء محتملة".