تشهد فرنسا منذ ثلاثة أسابيع أزمة نقص في الوقود بعد توقف محطات الوقود عن العمل بسبب إضراب نظمه عمال المصفاة التابعة لشركة "توتال" الفرنسية.
وأمام التذمر الكبير، دعا الرئيس إيمانويل ماكرون المواطنين إلى "الهدوء " والتحلي بـ"المسؤولية" والصبر وعدم الهلع إزاء هذه المشكلة التي ظهرت في بعض المناطق الفرنسية.
كما دعا ماكرون أيضا عمال مصفاة شركة "توتال" بالتحلي بـ"المسؤولية" رغم مطالبهم المشروعة المتعلقة برفع الأجور من أجل وضع حد للأزمة.
وقال ماكرون خلال الندوة الصحافية الختامية لقمة براغ الأوروبية: "أتفهم القلق الذي ينتاب العديد من مواطنينا بخصوص نقص الوقود. أريد من هنا أن أبعث رسال أدعو فيها إلى الحفاظ على الهدوء والتحلي بالمسؤولية. كل المطالب المتعلقة بالأجور مشروعة لكن لا ينبغي أن تمنع الآخرين من العيش أو من التنقل".
وتسبب الإضراب بنقص حاد في الوقود في المحطات التابعة لشركة "توتال" النفطية. فعلى سبيل المثال، توقفت مصفاة مدينة لوهافر (شمال غرب فرنسا) والتي تعتبر من بين أكبر مصافي شركة "توتال" عن العمل إثر نداء إلى الإضراب دعت إليه نقابة "الكونفدرالية العامة للعمال" التي تطالب برفع أجور موظفي القطاع. مواقع أخرى في فرنسا وتابعة لنفس الشركة أوقفت عملها ودخلت في إضراب. الشيء ذاته بالنسبة للمصفاة التابعة للشركة الأمريكية "إكسون موبيل"
وقد أمرت الحكومة الفرنسية عمال مصافي النفط المتوقفة في فرنسا للعودة إلى العمل، في محاولة لكسر إضراب أدى إلى نقص في البنزين والديزل. في المقابل، واصل عمال مصافي النفط الفرنسية المضربون تحركهم الاحتجاجي في تحد للحكومة. وتسبب التحرك النقابي المطالب بزيادة الأجور، في شل ستة من سبعة مصافي للوقود في فرنسا، ما أدى إلى نقص في البنزين والديزل فاقمه تهافت السائقين على شراء هذه المواد.
وبعد قرار انسحاب الاتحاد العام للعمال، الذي يقود إضرابا منذ أسابيع في شركة "توتال إنيرجيز" للطاقة، من المحادثات مع الحكومة وشركة توتال حول زيادة الجمعة الماضية، تضاعفت مخاوف تقويض آمال إنهاء أزمة عطلت الحياة اليومية مع نفاد الإمدادات في محطات الوقود. وخرجت ست مصافي فرنسامن أصل سبعة ومستودع واحد عن الخدمة، بعدما رفض العمال العرض المالي الذي قدمته الشركة الرائدة في قطاع المحروقات. ويؤثر هذا الإضراب على الاقتصاد مع تعطل العديد من القطاعات من سائقي الشاحنات إلى والموظفين وحتى رجال الشرطة والممرضات والحرفيين والمزارعين الذين يخشى بعضهم ألا يكون قادرا على زراعة الحبوب الشتوية.
ورغم العرض الذي قدمته مجموعة "توتال إنيرجيز"، قرر عمال مصفاة فرنسية ومستودع للوقود في الستة مواقع تابعة للشركة تمديد إضرابهم، ما يفاقم المخاوف حيال إمدادات البترول قبيل احتجاجات أوسع مرتقبة مطلع الأسبوع الحالي.
في المقابل، وصل الإضراب الى مصفاتين تابعتين للمجموعة الأميركية "إيسو إيكسونموبيل".
وأدت الإضرابات إلى تكدس طوابير طويلة خارج محطات الوقود وأثارت قلق كافة قطاعات الاقتصاد، من العاملين في الرعاية الصحية إلى المزارعين.
وأجبرت حكومة الفرنسية بعض العمال المضربين على العودة إلى عملهم هذا الأسبوع وفتح مستودعات الوقود، في خطوة أثارت حفيظة النقابات لكن المحاكم أيدتها.
فيما أفاد "الاتحاد العام للعمال" اليساري المتشدد الذي أطلق التحرك قبل ثلاثة أسابيع بأن العمال "توتال إنيرجيز" قرروا تمديد إضرابهم ولا أمل في التفاوض العقيم.
وقرر موظفون في موقعين آخرين، تمديد تحركهم.
ودعا معارضو ماكرون اليساريون إلى مسيرات للاحتجاج على التضخم. كما دعا "الاتحاد العام للعمال" إلى إضراب كبير غدا الثلاثاء من شأنه أن يعطل حركة النقل العام على مستوى البلاد.
ويواجه الاتحاد خطر إثارة حفيظة السكان في بلد يعتمد نحو 75% من الموظفين على مركباتهم الخاصة للوصول إلى أماكن عملهم، إذ بلغت نسبة التأييد للإضراب 37% فقط، وفق استطلاع لمجموعة "بي في أيه" نشر الجمعة.
المطالب الشرعية
ويطالب الاتحاد بزيادة أجور موظفي "توتال إنيرجيز" بنسبة 10% بأثر رجعي للعام 2022 بأكمله خصوصا بعدما حققت شركة توتال انرجي صافي أرباح خلال نصف العام فقط مقداره 10 مليار يورو بينما منحت العمال زيادة قدرها 3% فقط.
ويقول المضربون بأن المجموعة الفرنسية قادرة على تحمل كلفة ذلك بكل سهولة، مشيرون إلى ارتفاع صافي الأرباح التي حققتها أسعار الطاقة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا وقادرة على دفعها مليارات اليوروات كأرباح للمساهمين.
وحضت "توتال إنيرجيز" موظفيها على العودة إلى عملهم "في ضوء التوقيع على اتفاق أغلبية بشأن الرواتب" مع نقابتين أخريين ولكن بزيادة أقل من المطلوبة.
وذكرت "إيسو-إيكسونموبيل" أن إعادة إطلاق الإنتاج في مصافيها ستستغرق ما بين أسبوعين إلى ثلاثة.
وزير الاقتصاد يحذر
هذا وحذر وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير اليوم الإثنين ( 17 أكتوبر 2022 ) من أن "وقت المفاوضات انتهى الآن"
مشيرا إلى أنه يعتبر الإضراب الراهن للكونفدرالية العامة للشغل "غير مقبول" و"غير منطقي"
في حين أن ممثلا للكونفدرالية العامة للشغل قال إن العمال واصلوا الإضراب الاحتجاجي عبر عدة مصاف ومستودعات تابعة لشركة "توتال إنرجيز" مطالبين برفع أجورهم بشكل يعكس الزيادة في التضخم حسبهم. بدوره، رجح وزير النقل كليمان بون ألا يعود الوضع في محطات الوقود إلى طبيعته قبل أسبوع، وقال: "ما زلنا نعاني"
من جانبه، قال وزير النقل الفرنسي كليمان بون إنه من المحتمل ألا يعود الوضع في محطات الوقود الفرنسية إلى طبيعته قبل الأسبوع المقبل. وأضاف "ما زلنا نعاني".
فحتى مع استمرار استخدام السلطات الفرنسية للقوة العمومية لإخراج الإمدادات من المستودعات المتضررة من الإضراب، فسيتطلب الأمر وقتا لعودة فرنسا إلى حالتها الطبيعية.
الرئيس الفرنسي يتدخل مجددا
وبينما يجدد المضربون في مصفاة توتال إنرجي حصار ستة مواقع، أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية أنه يريد الخروج من الأزمة "بأسرع ما يمكن". وقرر عقد اجتماع بعد ظهر اليوم الاثنين 17 أكتوبر مع الحكومة وقال بأن الحكومة يجب أن تقف إلى جانب كل مواطنينا الذين يكافحون والذين سئموا هذا الوضع". ويجتمع ماكرون حاليا بالوزراء المعنيين بأزمة الوقود بعد ظهر اليوم "لتقييم الوضع".
فيما أشارت كاثرين بيريت، أمينة نقابة الكونفدرالية العمالية، صباح اليوم الاثنين إلى أن "مستويات الإضراب وصلت، ما بين 60 و80٪ من الموظفين الذين يديرون المصافي وبالتالي فهم الأغلبية الغاضبة".
لكن متى ينتهي نقص الوقود في محطات البنزين الذي لا يزال يشل 70٪ من المحطات فرنسا؟
أشار هذا الوزير المفوض بالنقل العام كليمان بون،:"سنرى تحسينات خلال هذا الأسبوع، ولكن لن يعود الوضع إلى طبيعته قبل الأسبوع المقبل".