تعيش جمهورية بوركينا فاسو، في غرب أفريقيا، حالة من الفوضى والاضطرابات، بسبب الانقلابات المتكررة، فبعد نحو تسعة أشهر من الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد، في يناير 2022، حينما أطاح اللفتنانت كولونيل هنري سانداوجو داميبا، بالرئيس المنتخب آنذاك، روش مارك كريستيان كابوري، شهدت «واغادوغو» انقلابًا جديدًا، في نهاية سبتمبر 2022، قاده النقيب إبراهيم تراوري، أسفر عن الإطاحة بالرئيس الانتقالي داميبا، المعروف بتقاربه مع الدول الغربية ولاسيما فرنسا، وهو ما يعكس تصاعد وتيرة التنافس الروسي الأوروبي في غرب أفريقيا.
تراجع النفوذ الأوروبي في غرب أفريقيا
الانقلاب الأخير فى بوركينا فاسو، يعتبر مؤشرًا على استمرار تراجع النفوذ الأوروبي في غرب أفريقيا، وهو ما يتضح من التظاهرات الشعبية الواسعة التي شهدتها البلاد لإظهار الدعم للانقلاب العسكري الأخير، وذلك بالتزامن مع تصاعد الحضور الروسي هناك، والذي كان يرتكز بالأساس على البعدين الشعبي والإعلامي.ورصدت تقارير زيادة ملحوظة في مستويات متابعة الصحف الروسية في العاصمة البوركينية «واغادوغو»، فضلًا عن ظهور عدد من الشخصيات العامة والحركات التي كانت مؤخرًا تطالب السلطات الانتقالية بتكرار تجربة جمهورية مالي وإنهاء التعاون العسكري مع أوروبا، وطرد قواتها من بوركينا فاسو، والعمل على تعزيز التعاون مع الجانب الروسي، للحصول على دعمها في مكافحة التنظيمات الإرهابية.
ويشار إلى نشاط حركة «بوركينا- روسيا»، والتي ترتكز على العلاقات الوثيقة التي كانت تربط واغادوغو بالاتحاد السوفييتي فترة الرئيس الأسبق، توماس سنكارا، في ثمانينيات القرن الماضي، فضلًا عن استعانة بوركينا فاسو بمجموعة فاجنر الروسية.
وتجدر الإشارة إلى تصريحات قادة الانقلاب، التي أبدت ميلًا نحو التقارب مع روسيا، إذ أكد النقيب إبراهيم تراوري، أن بلاده تتعامل مع روسيا لارتباطهم بعقد عسكري، كما ان بلاده تستخدم كثيرًا من العتاد العسكري الروسي.
تعزيز التقارب مع روسيا
ومن المرجح أن تعزز بوركينا فاسو، التقارب مع روسيا، ولكن دون أن يتم تحالف عسكري بشكل تام، وذلك تنفيذًا للتجربة المالية، ما يؤكد أن موسكو نجحت في إعادة صياغة استراتيجيتها، وتتمدد بشكل مطرد، مستغلة التراجع الأوروبي ولا سيما الفرنسي، ومن المنتظر أن تتخذ من وجودها في مالي مخلب قط للتمدد في دول أخرى، في الغرب الأفريقي وعلى رأسها تشاد والنيجر وبنين وتوجو.
جدير بالذكر أن بوركينا فاسو شهدت نحو تسعة انقلابات عسكرية منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960، وكان الانقلاب الأخير، بسبب الغضب الشعبي المتزايد لسوء الأوضاع الأمنية، لاسيما بعد العملية الإرهابية التي استهدفت قافلة إنسانية، قبل خمسة أيام فقط من الانقلاب، ونتج عنها مقتل نحو 11 جنديًّا، بالإضافة إلى أن النظام البوركيني لم يعد يسيطر سوى على 60% من أراضي الدولة.
ربطت بعض التقديرات بين المتغيرات الراهنة التي تشهدها بوركينا فاسو بصراع داخلي بين الأجنحة المختلفة بالمؤسسة العسكرية في البلاد، حيث أشارت هذه التقديرات إلى وجود خلافات داخلية في المجلس العسكري الحاكم في البلاد، منذ يناير الماضي.
وكان الكولونيل داميبا أعلن قبل أسبوع عن وجود مفاوضات جارية مع ما سماها «حركة المزاج بالجيش»، وذلك بسبب تهميشه لبعض عناصر المجلس العسكري، فضلًا عن رفضه الإفراج عن إيمانويل زوغرانا، قائد وحدة المامبا الخضراء، بالإضافة إلى رفض داميبا التقارب مع روسيا عكس باقي قادة المؤسسة العسكرية التي ترى أن التعاون مع موسكو يصب في صالح بوركينا فاسو، وأكبر دليل على ذلك هو محاولة الرئيس البوركيني اللجوء إلى قاعدة كابوسين العسكرية الفرنسية بالعاصمة واجادوجو بعد الانقلاب عليه، لحمايته، إذ لديها نحو 400 جندي في بوركينا فاسو، ضمن قوة سابر الخاصة، والتي تقوم بتدريب قوات الجيش البوركيني.