في إطار برنامج "المصالحة" الذي تنظّمه المندوبية العامة للسجون في المملكة المغربية، منذ عام 2017، والذي يستهدف الراغبين في مراجعة أفكارهم بين المدانين في قضايا التطرّف الديني، أصدر الملك محمد السادس، السبت 8 أكتوبر الجاري، عفوًا عن تسعة سجناء محكومين في قضايا الإرهاب بعد مراجعة مواقفهم الفكرية، وفق بيان صادر عن وزارة العدل.
وأضاف البيان، أنّ الملك محمد السادس أصدر عفوًا بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف عن مجموعة من المحكومين في قضايا الإرهاب أو التطرف، بعدما أعلنوا بشكل رسمي تشبثهم بثوابت الأمّة ومقدّساتها وبالمؤسسات الوطنية، وبعد مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية، ونبذهم للتطرف والإرهاب.
وشمل العفو الملكي ما تبقى من العقوبة السجنية لـخمسة متشددين سابقين، والتخفيض من العقوبة السجنية لأربعة آخرين.
تحييد خطر حاملي الفكر المتطرف
ويقوم المغرب بمحاولات مختلفة لتحييد خطر حاملي الفكر المتطرف داخل السجون وخارجها، ومن ذلك عفو الملك في الأعوام الأخيرة عن عدد من المعتقلين على ذمة قضايا إرهاب، حيث كشفت أرقام رسمية أنّ عدد السجناء على خلفية قضايا التطرف والإرهاب في سجون المغرب بلغ 842 سجينا، غالبيتهم من المنتمين إلى تنظيم داعش.
وكان لافتا إطلاق الدولة برنامج "مصالحة"، يشرف عليه مختصون وكوادر دينية، ويستهدف سجناء مدانين في قضايا التطرف والإرهاب، ويرتكز على ثلاثة محاور، هي المصالحة مع الذات، ومع النص الديني، ثمّ مع المجتمع، وذلك كله بهدف البحث عن مداخل لمراجعات ذاتية يقوم بها المعتقلون السلفيون للاندماج في البيئة الاجتماعية بعد الإفراج عنهم.
وقد طبقت المندوبية العامة لإدارة السجون لإعداد السجناء للاندماج، بشراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان في العام 2017، برنامج "مصالحة" الذي يسعى إلى "أنسنة" وتحسين ظروف الاعتقال، وتأهيل السجناء لإعدادهم للإدماج في المجتمع.
ويعمل البرنامج على محاربة التطرف العنيف بالاعتماد على التربية الدينية، والمواكبة النفسية، وتنظيم ورشات عمل تعنى بالقانون ونشر ثقافة حقوق الإنسان، وتقديم تأطير سياسي - اقتصادي، وذلك في سياق السعي لتمكينهم من الخروج من دائرة التطرف ونبذ العنف بكل أشكاله عبر المصالحة مع الذات، والمصالحة مع المجتمع، والمصالحة مع النصّ الديني.
تفكيك أكثر من ألفي خليّة للمتشدّدين
ومنذ عام 2002 اعتقل أكثر من 3500 شخص، وجرى تفكيك أكثر من ألفي خليّة من المتشدّدين، حسب أرقام رسميّة، ووجهت إليهم اتهامات مختلفة بالانتماء إلى "تنظيمات إرهابية"، والتخطيط لعمليات تزعزع الأمن.
وكان مدير مديرية العمل الاجتماعي والثقافي بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج (حكومية) إدريس أكلمام، قال في تصريحات سابقة: إنّ المملكة المغربية احتجزت منذ 20 عامًا 4412 شخصًا في سجونها بقضايا تتعلق بالتطرف، وأكد الإفراج عن 3566 منهم لأسباب مختلفة، مع إبقاء 842 سجينًا حاليًّا غالبيتهم من تنظيم داعش الإرهابي 767سجينًا، بنسبة 91.10%، متبوعين بسجناء "السلفية الجهادية" 75 سجينًا، بنسبة 8.90%.
وبلغ عدد المعتقلين المحكومين بالإعدام 17 سجينًا بنسبة 3.62%، أمّا عدد السجناء المحكومين بالمؤبد، فقد وصل إلى 23، بنسبة 4.90%، ويقضي 22 سجينًا عقوبة تتراوح بين 20 و30 عاما، و85 سجينا حُكموا بعقوبات تتراوح بين 10 و20 عاما.
ومنذ 16 مايو 2003، شهد ملف محاربة التطرف والإرهاب في البلاد تحولات عدّة؛ بدءًا من اعتقال المئات من السلفيين ثم إطلاق سراح الكثير منهم، وتحديدًا شيوخ ما يُسمّى "السلفية الجهادية"، مرورًا باتباع سياسية جديدة لمحاربة التطرّف، وصولًا إلى حملات أمنية استباقية أسفرت عن تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية.
وتستند أفكار العنف إلى تأويل حرفي لبعض نصوص القرآن والأحاديث المنسوبة إلى النبي محمد منزوعة من سياقاتها التاريخية، وبما لا يتوافق غالباً مع تأويلات أخرى معتدلة يزخر بها تاريخ المسلمين.
يُذكر أنّ حوالي 1662 مقاتلا مغربيا قد التحقوا بالتنظيمات المتطرفة منذ اندلاع الحرب في سوريا، وفق أرقام سابقة نشرتها وكالة الصحافة الفرنسية.