الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

الكنيسة القبطية تساهم فى مؤتمر المناخ بتنظيم حملات رفع الوعى البيئى وزراعة مليون شجرة.. خطة لتدريب المواطنين.. وصلاة يومية من أجل البيئة والزرع والمناخ والأرض والنيل

البابا تواضروس الثاني
البابا تواضروس الثاني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ماهر عزيز: نحذر من تصحر مساحات شاسعة من الأراضى وجفاف بعض الأنهار وحدوث مجاعات

درزاق السريانى: تقدم العلوم والاكتشافات العلمية كلما زادت بُعدًا عن التفسيرات الدينية

نبيل محروس: مع الكنيسة والدولة لزراعة الأشجار والحفاظ على البيئة

في القداس الإلهي للكنيسة القبطية تتم الصلاة:
تفضل يا رب
الزروع والعشب ونبات
الحقل في هذه السنة باركها
يقول الشماس:
أطلبوا عن الزروع
والعشب ونبات الحقل
في هذه السنة لكي
يباركها المسيح إلهنا لتنمو وتكثر إلى أن تكمل بثمرة
عظيمة ويتحنن على
جبلته التي صنعتها يداه
ويغفر لنا خطايانا

تعليم الكنيسة والمشكلة البيئية

يقول د. رازق سرياني، رئيس «مكتب العلاقات المسكونيّة» في مطرانيّة السريان الأرثوذكس، والناشط في مجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالمي: تبدو المشكلة البيئية أنها مشكلة ثقافة، ولكنها مشكلة تتعلق بفقدان قدسية الطبيعة في ثقافتنا البشرية، والقدسية تعني أن الطبيعة ليست مقدسة بمفردها، ولكنها كذلك عندما يتم ربطها مع مَن هو مقدس أي الله. عندها تصبح شيئًا على الإنسان أن يعامله باحترام. إذا فقدنا هذا الشكل من الاحترام، عندها تكون الطبيعة معرضة للدمار.

يرجح البعض أن العديد من المشاكل البيئية التي تحدث في العالم هي نتيجة الثقافة التي انتشرت في أوروبا وأمريكا الشمالية خلال القرون الماضية، وقد اعتمدت هذه الثقافة على النسخة الغربية من المسيحية، والتي أثرت شكلًا وقالبًا على التفكير المسيحي الغربي، ولكن ليس بالضرورة أن تكون المسيحية كديانة وتعليم تمثل هذا الفكر أو أن كل الكنائس متفقة على هذا النهج، بل هي ممارسات من أفراد وجماعات كنسية. لنعاين عدد من هذه الظواهر الثقافية التي ساهمت في خراب البيئة.

ويضيف د. رازق سرياني: لعدة قرون، اعتبر الغرب نفسه مركز الإنسانية والأكثر أهمية في الكون. وأطلق يد الإنسان في الطبيعة ليعتبره «سيدًا» عليها ومهيمناً على كل الخليقة، كون الطبيعة أحد الموارد الاقتصادية التي تؤدي الى رخاء ورفاهية الإنسان، ومع تقدم الزمن، تعاملت البشرية مع الطبيعة على أنها «آلة» شأنها شأن أي آلة أخرى تكون معرّضة للإهمال أو الإصلاح أو التعديل أو حتى الاستبدال. لاحقًا، بدأ الغرب ينظر إلى احتياجات ومشاعر الآخرين في مناطق أخرى في العالم، لكن بقيت النظرة ضعيفة لا تتجاوز حدود دائرة المصلحة الذاتية.

قلة احترام الطبيعة
ويتابع د رازق سرياني: «إننا نلاحظ أنه كلما تقدمت العلوم والاكتشافات العلمية والتكنولوجية، كلما زادت بُعدها عن التفسيرات الدينية. بدأ العالم ينظر الى الكون على أنه (شىء)، وصار العلم ينظر إلى الطبيعة على أنها (آلة ضخمة) مؤلفة من جزيئات يمكن التلاعب بها وتغيير مصفوفاتها، ورغم كل التقدم العلمي الهائل الحاصل في العالم، والذي توصّل الإنسان إليه، إلا أنه أخفق في عدد من المسائل وأهمها أنه اختزل الله ليحوّله إلى (مراقب عظيم) لا دخل له في حركة العالم اليومية، وتم تجاهل العلاقة الوطيدة بين الأشياء ومكونات الكون، وتخلت الأبحاث العلمية عن الأخلاق والأحكام العامة التي وضعها الله لهذا الكون، وكأن الله يقول للإنسان: (هذا الكون أسلـّمه لك على شكل رقعة تركيب وإذا اكتشفت كيف يعمل فسأهديك جائزة)».

هناك مسلك لحل المشكلة البيئية ألا وهو النظرة المسيحية للموضوع. تعتبر المسيحية الخليقة شيئًا مقدسًا لأنها ترتبط بعلاقة مع الله، ولا يمكننا لوم الله ولهذا فعلى الإنسان احترام الخليقة دون الوصول إلى مرحلة عبادتها لأنها في حد ذاتها ليس لها طبيعة إلهية.

ويختتم د. رازق سرياني: «للكنيسة دور كبير وهام لتلعبه في الصراع للحفاظ على الأرض من الدمار البيئي. إذ لا يعتبر تدمير البيئة خطرًا فقط على البشر، بل خطيئة ضد الله الخالق، ومسئولية الكنيسة تجاه البيئة تنبع من مسئوليتها الإيمانية تجاه خليقة الله، ورغم أن تجاوب الكنائس مع أزمة البيئة كان بطيئًا الى حد ما، إلا أن عددًا من أصوات القادة الكنسيين ارتفعت لتحذر من الأخطار المحدقة بالطبيعة والأرض».

مؤتمر الأمم المتحدة
مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ الذى سيعقد فى مدينة شرم الشيخ نوفمبر المقبل، فى الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر، يتضمن عددًا من الفعاليات والجلسات وجدولًا يتيح مساحة للتفاعل الجاد والمشاركة، تركز على تعزيز التنفيذ ورفع الطموح بشأن عدد من القضايا المتعلقة بتغير المناخ.

وخصصت مصر عددًا من الأيام  للمناقشات خلال الأحداث الجانبية وحلقات النقاش وموائد مستديرة والأحداث رفيعة المستوى، بهدف استكمال عملية المفاوضات الرسمية، من أجل زيادة التفاهم بين أصحاب المصلحة، وتحقيق التنفيذ السريع لاتفاق باريس.

تعد مصر من أكثر الدول المتضررة من آثار التغيرات المناخية، نظرًا لوقوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي  أكثر بؤرة عالمية مهددة باحترار مضاعف عن بقية العالم، وفق الدراسات الدولية.

الكنيسة المصرية لها دور مهم في ذلك، ظهر بوضوح في الفترة الأخيرة، عندما تبنى قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عددًا من المبادرات لمواجهة آثار تغير المناخ، بجانب دعمه المستمر لقضية المناخ، وأشار البابا إلى أن قضية التغيرات المناخية التي يشهدها العالم بأكمله تحتاج إلى أن تتضافر جهود الجميع، وأن يتعاون كل الأطراف لحماية البيئة من آثار التغيرات المناخية.

كما تم اتفاق بين وزارة البيئة والكنيسية لتوثيق التعاون بشأن حملات رفع الوعى البيئي لدى المواطنين، والتدريب لحماية البيئة، استكمالًا للدور الذي تقوم به الكنيسة في هذا الشأن.

وكذلك أطلقت الكنيسة القبطية برعاية قداسة البابا تواضروس الثاني، مبادرة ومسابقة في آن بين الكنائس والإيبارشيات، لزراعة الأشجار داخل الكنائس وخارجها، من أجل مواجهة تغيرات المناخ، حملت اسم «مبادرة في مسابقة».

وقالت الكنيسة في بيانها آنذاك، إن مبادرة زراعة الأشجار بجميع الكنائس والإيبارشيات، جاءت من منطلق حرص الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الشديد بشأن قضية التغيرات المناخية.

أعلنت بطريركية الأقباط عن تخصيص 12 جائزة بقيمة 250 ألف جنيه تقدم للكنائس الفائزة بحسب أعداد الأشجار المزروعة والنامية والتنسيق الجمالي لها.

وتركت البطريركية حرية اختيار نوع الأشجار المزروعة للكنائس المشاركة وفق مناسبتها للبيئة الخاصة بالمكان، لكنها أيضًا أكدت أنها تفضل زراعة أشجار الزيتون والرومان والتوت.

وكان للمتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية القمص موسى إبراهيم في تصريحات صحفية تعليقًا مهمًا عن دور الكنيسة في مواجهة التغير المناخي، حيث أكد أن الكنيسة تتعاون مع وزارة البيئة وفروعها في جميع المحافظات، وكذلك مع إدارات الطاقة الحيوية، والأحياء، والمجالس المحلية، ووزارة الموارد المائية والشركة القابضة لمياه الشرب، وشركة الصرف الصحي، لتوعية المواطنين بالبيئة وطرق حمايتها والتغير المناخي وطرق مواجهته.

وقال القمص موسى إن التغير المناخي من أكبر التحديات التي تواجه العالم، خاصة على المستويين البيئي والزراعي، فهو يهدد استقرار الأمن الغذائي ويقوض سبل العيش ويزيد من احتمالات النزاعات والصراعات لتوفير الاحتياجات الأساسية لحياة البشر.

من جهته قال نبيل محروس، رئيس مجلس الأمناء لمؤسسة أزرع شجرة: «انطلاقًا من مبادرة 100 مليون شجرة برعاية  الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، تم التنسيق مع عدد من الكنائس لتنفيذ المبادرة ولنشر الوعى البيئى بين شعب الكنيسة المصرية، وكذلك عن طريق عدد من الورش لتدريب الشباب على مشروعات ريادة الأعمال في المشروعات الخضراء صديقة للبيئة، وكذلك تدريب السيدات على زراعة النباتات الطبية والعطرية وزراعة الأسطح لتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال المطبخ الأخضر صديق للبيئة».

وأضاف: «وتم التنسيق ما بين المؤسسة والكنيسة لتنفيذ زراعة الأشجار المثمرة التي لها هوية قبطية، مثل شجرة الجميز شجرة مريم كي يتم زراعتها في مسار رحلة العائلة المقدسة التي بلغ عددها لـ27 منطقة جغرافية، هذا الرقم يتناسب مع (Cop27) مؤتمر التغيرات المناخية بشرم الشيخ»، مشيرًا إلى أنه تم تقديم مقترح لمبادرة كنيسة خضراء صديقة للبيئة لتشجيع الكنائس على زراعة الأشجار المثمرة في النطاق الجغرافى لها، حيث تم عمل مسابقة بين الإيبارشيات لمن يستطيع زراعة 1000 شجرة مثمرة، ومن هنا كان للكنيسة المصرية دور كبير في المساهمة في تنفيذ مبادرة 100 مليون شجرة لنشر الوعى البيئى.

ويقول خبير البيئة والطاقة د.ماهر عزيز، إن التغيرات المناخية هي ظاهرة تتسبب عن زيادة متوسط درجة حرارة جو الأرض، التي تتسبب بدورها عن زيادة  تركيزات غازات الدفيئة في جو الأرض.

فالأنشطة البشرية التي ترتكز علي التصنيع، وتوليد واستخدام الطاقة، والنقل علي الطرق، والحراجة والزراعة، وإنتاج كميات ضخمة من المخلفات، تسفر عن زيادات متواصلة في تركيزات غازات الدفيئة في جو الأرض، وبلغ الارتفاع في متوسط درجة حرارة جو الأرض عام 2021 مقدار 1.2  درجة مئوية، مما زاد في حدة وتكرارية الأحداث المناخية المتطرفة «أي غير المألوفة وغير العادية»، فازدادت شدة وعدد مرات الأعاصير والفيضانات والموجات الحرارية العالية، وتحرك أحزمة المطر الذي أسفر عن تصحر مساحات شاسعة من الأراضي وجفاف بعض الأنهار، وحدوث مجاعات من جراء نقص الغذاء في أماكن عديدة من العالم ، فضلا عن ارتفاع متوسط سطح المياه في البحار، وتغول المياه على الكثير من المناطق الشاطئية والدول الجزرية الصغيرة.

وإذا أراد العالم أن يحمي كوكب الأرض من الآثار المدمرة للتغيرات المناخية عليه أن يسارع بخفض غازات الدفيئة، حتي تتوقف الزيادة في درجة حرارة جو الأرض عند 1.5 درجة مئوية، أو تنعدم هذه الزيادة عند 2 درجة مئوية كأضعف الإيمان. لكن الأمر ليس سهلًا ولا هينًا، لأن تحولًا ضخمًا في عالم الطاقة نحو المصادر غير الاحتراقية للوقود يجب أن يتم على نحو عاجل؛ وتحولًا كبيرًا في التكنولوجيا في جميع المجالات نحو التقنيات الأخفض في غازات الدفيئة يتعين إحرازه قبل حلول عام 2035.

ويتطلب ذلك على أقل تقدير تمويلات ضخمة تبلغ حوالي 800 مليار دولار سنويًا حتى عام 2035 لجهود خفض غازات الدفيئة، وما لا يقل عن حوالي 100 مليار دولار سنويًا لجهود التكيف والتعايش مع الآثار السلبية الناتجة عن تغير المناخ خاصة في الدول النامية الفقيرة.

وهذا الوضع الحرج على حافة الخطر للعالم أجمع هو الذي يتعين على دول العالم أن تتخذ حياله القرارات الفعالة لإنقاذ الحياة على كوكب الأرض في القمة العالمية للمناخ في مؤتمرها السابع والعشرين في شرم الشيخ في نوفمبر المقبل.