الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

جذور الفكر التكفيري وأثره الممتد من باكستان إلى العالم.. الزميلة «هناء قنديل» تحصل على درجة الماجستير بتقدير امتياز بعد رصدها حركة الأفكار المتطرفة داخل خلايا إرهابية عالمية

هناء قنديل- الباحثة
هناء قنديل- الباحثة والصحفية مع أسرتها
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
  • جامعة الزقازيق تواجه الإرهاب بدراسة تاريخية تحت عنوان «الفكر التكفيري لتنظيم الجماعة الإسلامية في باكستان»
  • «ترخيص الشهادة».. أكبر منحة قدمها المودودي للجماعات المتطرفة
  • داعش وطالبان وغيرهما.. جماعات جاءت من رحم «الحاكمية» التي أنهكت المسلمين
  • دولة العقيدة.. البديل الإخواني لدولة المواطنة

رغم التأثير الكبير الذي أشاعه مُنظر التطرف الهندي أبو الأعلى المودودي (1903-1979) في أتباعه وأنصاره من جماعات وحركات إسلامية متشددة، فإنه لم يحظ بأي قدر من التعليم الأكاديمي أو المؤسسي، فقط تلقى دروسًا من أبيه في علوم اللغة العربية والقرآن الكريم والحديث وفق ما جاء في أطروحة الماجستير للباحثة والزميلة الصحفية هناء عاطف عبدالكريم قنديل.

الزميلة هناء قنديل مع أسرتها

رسال ماجستير، حملت عنوان: (الفكر التكفيري لتنظيم الجماعة الإسلامية في باكستان: دراسة تاريخية 1947-2013)، ناقشتها الباحثة بكلية الدراسات العليا الآسيوية بجامعة الزقازيق، حيث منحتها لجنة الحكم والمناقشة، بعضوية أ.د عبدالراضي عبد المحسن، عميد كلية دار العلوم السابق بجامعة القاهرة (مشرفًا ومناقشًا)، وأ.د فتحي العفيفي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الزقازيق (مناقشًا)، أ. د عزمي زكريا، أستاذ الفلسفة كلية الآداب جامعة القاهرة فرع الخرطوم (مناقشًا)، درجة الماجستير بتقدير ممتاز.

ووفقا لرسالتها، تساءلت هناء قنديل عن مدى نجاح المودودي في نقل أي أفكار منضبطة في الوقت الذي لم يتلق فيه أي تعليم معتمد، لتصل في النهاية إلى أن المودودي أنتج الكثير من الأفكار المنحرفة التي لا تعتمد على أي أساس علمي سليم، إذ أن تكوينه العملي يتسم بالضحالة والارتجالية، وهو ما انعكس على أفكاره المتعلقة بفهم القرآن والسنة والتي اتسمت بالخلل الكبير.

جانب من المناقشة

آفة التطرف.. أخطر ما يواجه المجتمعات

تشرح "قنديل" خلال رسالتها انتباه العالم إلى خطورة التطرف والإرهاب بوصفها آفة تواجه المجتمعات، وقد لحقت التهمة بالمجتمع الإسلامي نتيجة هذا التطرف الذي تزعمته جماعات الإسلام السياسي.

وترى "قنديل" أن الإرهاب والتطرف، وفقا لما ذكرته في رسالتها، كانَ سببًا رئيسًا في شنِّ هجمةٍ واسعةٍ ضدَّ الدينِ الإسلامِّي الحنيفْ، تتهِمَهُ بالعنفِ والدعوةِ إلى القتلْ، فإنه يبدُو من الأهمية بمكانٍ إعادةُ استقراءِ تاريخِ الجماعاتِ الإسلاميةِ، بحثًا في أصولِهِا، وغوصًا في ظروفِ تأسِيسِها، من أجلِ تحليلِ أفكارِها، وتفكيكِ جذورِ أدبيَّاتِها، وما طرحَهُ مُنظِّرُوها من نظريَّاتٍ، وصولًا إلى تفكيكِ هذا الفكرِ، وإثباتِ انحرافِه عن جادَّةِ الصوَّابْ.

كما لفتت إلى أن تَوافُرَ الحدِ الأدْنَى من المعرِفَةِ بتَارِيخِ جماعاتِ الإسلامِ السياسيِّ، كفيلٌ بالكشفِ عنْ حقيقةٍ مُهمَّةٍ، مفادُها أنَّ جماعةَ الإخوانِ المسلمينَ في مصرَ، والجماعةَ الإسلاميةَ في باكستانْ، هما المصدرُ الرئيسُ للفكرِ الذي أسستْ عليهِ جميعُ تيَّارَاتِ التطرفِ والغُلُوِّ أيديولوجياتِها، مُرَوِّجَةً لجاهليةِ المجتمعْ وكُفرِهِ، وضرورةِ فرضِ الحاكميةِ عليهِ عن طريقِ الجهادِ المزعومْ.

وتقول "قنديل": إن الإمساكَ بطرفِ الخيطِ الذي نُسِجَتْ منهُ هذهِ الصورةُ القاتمةُ، يتطلبُ التأطيرَ الفكريَّ لهذا التيَّارْ، وهو ما لا يُتَصَوَّرْ حدُوثَهَ دون إجراءِ دراسةٍ مستفيضةٍ للظروفِ التاريخيةِ التي نشَأَ فيهَا هذا الفكرْ ووجدَ الحاضنةَ التي مكنتهُ من النموْ.

وشددت الباحثة في الإسلام السياسي، على ضرورة الانتباه إلى أن جماعة الإخوان الإرهابية والجماعة الإسلامية التي أسسها المودودي في باكستان قد أثرا في تفكير بقية جهاديي العالم وبقية الحركات،  وكان أبو الأعلى المودودِي، بمثابةِ الطَّوْقِ الذي تشبثتْ بهِ الجماعاتُ المتطرفةُ ـ ومنها جماعةُ الإخوانِ ذاتِهاـ  لتضعَ من خلالِه خُطَطَ عملَها، تحقيقًا لأهدافَها متدَثِّرَةً برداءٍ مزخرفٍ، تَدَّعِي فيهِ السَّعْيَ لاستعادةِ قوةِ الإسلامِ ومكانتِه، في حينِ أنَّ حقيقتَها كانتْ فرضَ مفاهيمَ بعينِها، لتحقيقِ غايةٍ خفيَّةِ لهذه الجماعاتِ وهي بسطُ الهيمنةِ على المجتمعاتِ الإسلاميةِ.

هناء قنديل

الانحرافات الفكرية لجماعات التطرف

الأثر الممتد عبر بقية الجماعات، دفع الباحثة هناء قنديل إلى ضرورة إلقاءِ الضوءِ على الظرفِ التاريخيِّ الذي نشأتْ فيه الأفكارُ المؤسِسَةُ للفكرِ المتطرفِ، وبيانِ الأبعادِ السياسيةِ والاجتماعيةِ التي أدتْ إلى ظهورهِ وانتشارهِ حتى صارَ دستورًا تعتنقْهُ الجماعاتُ الإسلاميةُ المتطرفةُ كافةً.

ووفقا للباحثة فإن دراسةُ الجماعةِ الإسلاميةِ الباكستانيةِ، تُعد ضرورةً علميةً لتفكيكِ جذورِ التطرفِ والإرهابِ الذي يعاني منه العالمُ الإسلامِّيُ، ويستخدِمْهُ الغربُ لتنفيذِ مخططاتِه، في ضوءِ تنامي دورِ حركاتِ الإسلامِ السياسيِّ في الحياةِ اليوميةِ بالعالمينِ العربـيِّ والإسـلاميِّ، سواءٌ على الصعيدِ الرسميِّ أو الشعبيِّ، ما يشيرُ إلى ضرورةِ إلقاءِ الضوءِ على انحرافِ أنصار جماعاتِ الإسلام السياسي، وخاصةً تنظيمُ الجماعةِ الإسلاميةِ عن القيم النبيلة المرجوةِ من الإسلامِ، في سبيل تمسكِهم بالحاكميةِ أسلوبًا يستهدفون من ورائِه الوصولَ إلى الحكم.

تكمنُ قضيةُ هذهِ الدراسةِ، بحسب تصورات الباحثة، في فَرَضِيَّةِ أنَّ حركاتِ الإسلامِ السياسِّي المعاصرةِ، تنتهجُ أساليبًا وآلياتٍ متناقضةً، خلال سعيها لفرضِ التغييرِ الذي يتفقُ مع أيديولوجيتها على المجتمعاتِ، متخذةً من فكرةِ الحاكميةِ المعتمِدَةُ على الإفتاءِ بتكفيرِ المجتمعِ ووجوب قتالِهِ ليقبلَ التغييرَ منهجًا وحيدا.

هناء قنديل مع نقيب الأطباء بالشرقية

دراسة جماعات الإسلام السياسي.. تحديات عصرية

من التحديات العصرية وجود مزيد من الدراسات والأبحاث التي تتعمق في فكر جماعات الإسلام السياسي من أجل معرفة طريقة مواجهتها والتصدي لها، ومنع وصول أفكارها التخريبية إلى التغلغل داخل المجتمعات، وكان من أبرز أهداف رسالة الباحثة هناء قنديل هو التعرفُ إلى الأساليبِ والمناهجِ التي تتبعُها حركـاتُ الإسلامِ السياسيِّ منذُ نشأتِها، لفهمِ أسبابِ ومنهجيةِ وأهدافِ الخطابِ السياسيِّ المعلنِ من قبلِ تلك الحركاتِ في طريقِها نحو إقامةِ دولتهِمْ الإسلاميَّةٍ.

بالإضافة إلى بيان مصادرِ فكر حركاتِ الإسلامِ السياسيِّ المعاصرِ، لتأكيدِ وَحْدَةِ مصادرِ الأفكارِ التكفيريةِ، وأنها مستمدةٌ من عقلِ واحدٍ. وكشفُ أبعادِ الفكرةِ المرتبطةِ بالحاكميةِ، التي نظَّر لها، ووضع أسسها أبو الأعلى المودودي، واستغلَّها مطيةً إلى الحكمِ، وبسط سيطرةِ فئةٍ تدعي لنفسها فهم الإسلام ومراد الله من خلقه دون غيرهم. 

وتدرك الباحثة الحاجة الملحة إلى دراسةِ وتحليلِ التناغم بينَ فكـرِ حركاتِ الإسلامِ السياسي النظريِّ، وممارساتِها لهذا الفكرِ على أرضِ الواقعِ، سعيا نحو صناعةِ التغييرِ الذي يفككُ فكـرَ تلكَ الجماعاتِ، ويمنعُ ارتكابَها المزيدَ من الجرائمِ تحتَ تأثيرِ المعتقداتِ الدينية. دراسةُ الأصولِ التاريخية للحركاتِ الدينيةِ المتطرفةِ، وبيانِ أهدافِها على مستوى الفتراتِ الزمنيَّةِ المختلفة، بالإضافةِ إلى معرفةُ العلاقةِ بين تلك الجماعاتِ وبعضها البعضِ. لتعرُّضُ لتصورِ تلك الجماعاتِ للواقع المجتمعيِّ. معرفةُ خصائِصِ الجماعاتِ وخلفيَّاتِها التاريخيةِ والثقافية.

جانب من المناقشة

تعتمد الباحثة في دراستها على مثال تجريبي يتمثل في  أقدمِ الحركاتِ في العالمِ الإسلامي، وهي الجماعةُ الإسلاميةُ الباكستانية، التي أسَّسها أبو الأعلى المودودي، كحزب سياسي ديني. 

ويتضمنُ هذا استعراضُ علاقةِ الجماعةِ الإسلاميةِ بالجهادِ العالميِّ، وما يرتبطُ بهِ من قضايا، وصولًا إلى رسم صورةٍ صحيحةٍ لتأثيرِ فكرِ هذه الجماعةِ على العالم الإسلامي، وما أدَّى إليه من تغييبٍ تامٍ للأفكارِ الساميةِ وأهمَّها على الإطلاقِ فكرةِ تقبُّل الآخرْ.

تعتقدُ الباحثةُ أنَّ البنيةَ النظريَّةَ التي وضعها المودودي، وتلقفَها قطب وطوَّرها لتناسبَ الشرقَ الأوسطَ، جاءت في الأساسِ لتتعارضَ مع فكرةِ الديمقراطيةِ التي تأسست في الهندْ، وذلك ردًّا منه على ما رآهُ من تعنتٍ ضدَّ الأقليةِ الإسلاميةِ هناك، الأمرُ الذي دفعهُ للاعتقادِ بأنَّ الديمقراطيةَ وفقَ النموذجَ الهندِّيَ الاضطهادِيَّ للمسلمينَ، يجبُ أن تجدَ ما يقفُ في وجهِها، وليسَ أفضلَ لدى المسلمينَ، من النزوعِ إلى الاحتماءِ بالقوةِ الإلهيةِ، والتفكيرِ في تأصيلِ فكرةِ الحاكمية.

الزميلة مع عدد من القيادات الشعبية بمحافظة الشرقية

التلاقي الكبير لتطوير "الجاهلية" و"الحاكمية"

في عدة نتائج توجز الباحثة هناء قنديل ما توصلت إليه خلال دراستها، حيث بدأت التعريف بالمودودي منظر الجماعات المتطرفة، وما حصل عليه من دراسات معتمدة ومنهجية، ثم ركزت على فكرة الحاكمية المنتج الأكثر أهمية الذي قدمه المودودي وتقلفه سيد قطب من بعده في وضع تصوراته لطريقة بناء وتأسيس أي مجتمع إسلامي

وترى الباحثة أن أتباع المودودي، من منظري الجماعات الأخرى، ولا سيما جماعة الإخوان، لم يكونوا بحاجة لأكثر من رداء فقهي يغلفون به أفكارهم غير المنهجية، ويبررون به عنفهم تجاه المجتمع، فإنهم وجدوا ضالتهم فيما قدمه لهم المودودي من منهج منحرف.

الدكتورة هدى درويش العميد السابق لكلية الدراسات الأسيوية والدكتورة أسماء عبد العظيم المتحدث الإعلامي لمحافظة الشرقية

التلاقي الكبير بين جماعة الإخوان الإرهابية والجماعة الإسلامية للمودودي تمثل في شخص منظر التطرف الأشهر سيد قطب، حيث وصفته الباحثة بـ"حارس أفكار المودودي الأمين"، وعن التشابه بين الظروف التاريخية بين مصر والهند تقول الباحثة: كانت كل من الهند ومصر خاضعتين للاحتلال البريطاني، وهو ما ولد داخل كل منهما الرغبة في الانتقام، وإيجاد فقه ومنهج يمكنهما من معاقبة الأنظمة التي تواطأت مع الاحتلال ـ من وجهة نظرهما ـ وبالتالي يتعين طردها من الحكم.

وبحسب "قنديل" فإن المودودي وقطب، لم يجدا أفضل من فكرة تكفير المجتمعات باعتبارها مجتمعات جاهلية، يتوجب فرض الحاكمية عليها بالقوة المسلحة؛ موضحة أن الظرف التاريخي الذي نشأ فيه فكر المودودي، ومن بعده سيد قطب، كان له أثر في المنهج الذي قدماه للأتباع، فخرج انتقاميا يرسخ للانقسام والتفرقة، وتقسيم الناس إلى فسطاطين أحدهما معه وهؤلاء المسلمون حقا، والآخر ليس معه وهؤلاء الكفار الذي يحل دمهم.

ولا تفصل الباحثة بين الجماعتين المشار إليهما، وتعدهما وجهين لعملة واحدة، ووفقا للرسالة فإنه على الرغم من العيوب الواضحة في فكر أبي الأعلى المودودي، والتي يجب أن يتوقف عندها أي عالم يريد أن يأخذ عن أفكاره، فإن هذا لم يحدث من أتباع جماعة الإخوان، ليس فقط لإجازة منظرها الأكبر سيد قطب لأفكار المودودي، ولكن لأن الجماعة وجدت في هذه الأفكار ضالتها، التي تؤطر لجميع جرائمها، وتلبسها الرداء الشرعي، الذي يسلب عقول الأتباع، ويجعل غايتهم التي يقتلون، ويقتلون لأجلها سامية تدفعهم دفعا إلى الجنة حيث مراتب الشهداء.

جانب من الحضور

ولعل أبرز خدمة قدمها المودودي للإخوان وغيرها من الجماعات الإرهابية المتطرفة، هي أنه منحهم، "ترخيص الشهادة"، إذ من أين كان سيأتي قيادات الجماعات المتطرفة كافة، أن يقنعوا أتباعهم بأنهم سينالون مراتب الشهداء، بالقتل والتفجير، لو لم تكن أفكار المودودي التي تجعل من إقامة الدولة الإسلامية المعتمدة على فتاوى متشددة، وأفكار انغلاقية، هدفا يستحق الجهاد، والقتال، ضد المجتمعات التي وضعها فكر المودودي في قالب الكفر المبيح للدماء. 

يتضح من الحاكمية، بحسب دراسة هناء قنديل، أن منتجيها أرادوا استغلال حقيقة أن أحكام الله هي التي يجب أن تسود وتتحكم في سلوك البشر، من أجل تكريس أنهم الوحيدون أصحاب الفهم الصحيح بهذه الأحكام، وبالتالي هم الأحق بقيادة المسلمين، وحكمهم، فيكونوا بذلك كمن قال قولة حق، وهي أنه يجب أن يُحكم المسلمون بأوامر الله ونواهيه، لكنهم أرادوا بها باطلا، وهذا الباطل هو أن يكون هذا الحكم من خلالهم وحدهم، وغير مسموح لغيرهم أن يعمل عقله، فيخرج بفهم مختلف عما يطرحونه ويروجون له.

وهنا يجب الانتباه، وفق رؤية الباحثة، إلى أنه من بين أسرار الحاكمية، التي دفعت جميع تيارات العنف المتأسلمة إلى تلقيها بالترحاب، أن إقرار الفكرة يستلزم إيجاد تفسير للكليات والمشتبهات، في التنزيل الإلهي، والسنة النبوية، وهو ما يمنح هذه الجماعات إلى احتكار التفسيرات، بحيث يقدموا للناس صورة واحدة للإسلام، تتفق مع أهدافهم وطريقتهم في الحياة، وقطع الطريق على أفكار غيرهم واجتهاداتهم في فهم المراد الإلهي، ليكونوا بذلك قد أحكموا قبضتهم على حياة الناس، من جهة تولي الحكم باعتبارهم الأمناء على تطبيق مبدأ الحاكمية لله، ومن جهة أخرى تسيير الناس كالقطعان العمياء وراء تفسيراتهم، وفتاواهم، دون فرصة للمناقشة أو النقد، لكونهم يقدمون الأمر على أنهم أصحاب التفويض الإلهي على الأرض. 

وترى الباحثة أن نظرية المودودي، وما تآزر معها من فهم قدمه سيد قطب، كان الدافع الرئيس لتوليد فكرة التكفير، التي اختزل فيها أنصار الإرهاب والتطرف آيات الجهاد، في تفسيرات عقيمة، صنعت من هذه الآيات التي تضع الدستور الإسلامي في حالات الحرب، مبررا لتكفير وقتل المسلمين دون جريرة، مما أزهق أرواح عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء، وأدى إلى اتهام الإسلام بنقائص ليست فيهم، ولا في دينهم.

وتصل الباحثة هناء قنديل إلى أن خروج الجماعات الإرهابية مثل: داعش، وطالبان، والجماعات الراديكالية بشكل عام، جاء من رحم فكرة الحاكمية، التي أنهكت الإسلام خلال القرن الماضي، ووضعت المسلم في خانة المتهم المشغول دائما بالسعي وراء رد الاتهام بالإرهاب والتطرف عن نفسه، حتى تقبل القوى العالمية التعامل معه، وترك الفرصة له ليتبوأ مكانته التي يستحقها.

 

دولة العقيدة البديل الإخواني لدولة المواطنة

ولاقت أفكار المودودي عن الحاكمية والتكفير، حفاوة واهتماما بالغين من قبل جميع منظري الجماعات المتطرفة، إلا أن سيد قطب منظر جماعة الإخوان الأكبر، كان أكثر هؤلاء تعاطيا مع هذه الأفكار، فصنع منها نهجا سارت عليه جماعته موغلة في العنف والإرهاب لما يتجاوز الثمانين عاما.

واتفق المودودي وقطب في عدد من المبادئ الفكرية، التي يتماهى فيها كل منهما داخل الآخر، حتى أنه يصعب معرفة هي من بنات أفكار أيهما، لولا السبق الزمني للأول على الآخر، ولعل مما نلمسه واضحا في أفكار كل منهما أنهما أحسنا صياغة الأفكار الضرورية لتسيير المنهج العقائدي الذي يدينان به، فأزاحا العقبات الفكرية التي يمكن أن تعرقل هيمنة عقيدتهما على عقول التابعين لهما، بإهدار الأفكار والمبادئ الصحيحة التي يبنى عليها الإنسان وجدانيا، ومنها فكرة الوطنية.

مبتعدا عن فكرة الوطنية ونقيضا لها، هكذا قرر كل من المودودي وقطب، فمن أجل استباحة تخريب المجتمعات وقتل أفرادها، كان لازما عليهما أن يجدا بديلا لفكرة الوطنية، التي نشأت عليها المجتمعات، لأن أي مؤمن بوطنه، ومحب لترابه، سيرفض الانخراط في أفكار تكفر أفراد هذا الوطن، كما سيقف بالمرصاد لمحاولات تخريبه بالقتل خارج إطار الشرع والقانون.

لقد أنتج فكر المودودي وسيد قطب ما يطلق عليه "الدولة الفكرية"، بديلا للدولة الوطنية التقليدية، مما كان له أثر كبير في جمع التكفيريين من جميع أنحاء الدنيا على هدف واحد، وهو إنشاء مجتمع عالمي يعتمد على جمع أنصار الفكرة الواحدة أيا كانت جنسياتهم، وفرض قانون واحد على الجميع في أحادية فكرية لم تكن أبدا مطلوبة في الدنيا التي جبلت على الاختلاف.