الاعتدال الخريفي والربيعي هما يومان يتساوى فيهما طول النهار مع طول الليل، أي اثنتي عشرة ساعة لكل منها، ولكن الفلك يقول غير ذلك ويعتبر تلك المقولة مغلوطة علمية أساء الناس فهم مقصودها، أو ربما لم يعرفوا تفصيلها ومضمونها، حيث تدور الأرض حول الشمس ومحورها مائل بمقدار 23.5 درجة، وهذا الميلان هو أساس تغير الفصول الأربعة، وهو سبب وجود ما يعرف بمدار السرطان ومدار الجدي، وهو كذلك سبب اختلاف طول الليل والنهار بين الصيف والشتاء، كما أنه هو سبب وجود الدائرتين القطبيتين الشمالية والجنوبية، وبسببه توجد ما تعرف بالمناطق المدارية والمناخ المداري والمناخ الاستوائي وغيرهما من المناخات.
وباختصار، يمكن القول بأنه لولا ميلان محور الأرض هذا ما ظهرت الحياة على الأرض بشكلها الذي نعرفه، أو ربما لم تظهر قط، ولا أحد يدري على وجه التأكيد السبب الذي أدى بالأرض منذ نشأتها إلى أن تميل بهذه الدرجة، هل ضربها كويكب فأمال محور دورانها؟ وهل هو ذات الكويكب الذي اقتطع منها جزءا تشكل منه القمر فيما بعد (كما تقول أفضل نظريات تشكل القمر)؟ المؤكد لنا هو أن في ذلك حكمة بالغة لا نعلم سببها لكننا نرى آثارها وأهميتها.
ويمكن تعريف يومي 21 مارس و23 سبتمبر بأنهما يوما الاعتدال، أو بالأصح انعدال محور الأرض، فلا يعود مائلا، وذلك بالنسبة لجميع سكان الكرة الأرضية، أو بالنسبة لمشاهد ينظر إلى الأرض من ناحية الشمس، سواء بسواء، فالأرض أثناء دورانها حول الشمس تميل بنصفها الشمالي نحو الشمس في الصيف، وبنصفها الجنوبي في الشتاء، وسبب ذلك هو ميل المحور الذي ذكرناه آنفا لكنها في الربيع والخريف تعتدل قبل أن تبدأ بالانتقال من الصيف إلى الشتاء أو العكس، وهذا هو مفهوم الاعتدال.
وفي ذلك اليوم المسمى يوم الاعتدال تعبر الشمس فوق خط الاستواء فلا تكون مائلة لا شمالا ولا جنوبا، ومن هنا تعلمنا أن نقول بأن الليل والنهار يتساويان على الكرة الأرضية، أما الحقيقة فهي أن عبور الشمس فوق خط الاستواء يومي الاعتدالين ينصف اليوم إلى اثنتي عشرة ساعة نهارا واثنتي عشرة ساعة ليلا على وجه التقريب لا الضبط.
ويعرف طول النهار بأنه المدة بين شروق الشمس وغروبها في اليوم نفسه، وطول الليل بأنه المدة بين غروب الشمس مساء وبين شروقها صباحا في اليوم التالي، وغير أن تعريف شروق الشمس علميا وفقهيا هو شروق الحافة العليا من قرص الشمس فوق الأفق الشرقي (وليس شروق مركز القرص)، وأما غروب الشمس فهو غروب الحافة العليا من تحت الأفق الغربي، وهذا يعني أن طول النهار يزيد دوما عن طول الليل بفارق دقائق هي مدة شروق نصف قرص الشمس صباحا، ومدة تأخر غروب نصف قرصها مساء، وهاتان المدتان تستغرقان في أقل ظروفهما ثلاث إلى أربع دقائق، مما يزيد من طول النهار على الليل.
وإذا علمنا بأن هناك ظاهرة أخرى تعرف باسم ظاهرة انكسار الأشعة في الغلاف الجوي وتؤدي بالشمس لأن ترى مشرقة قبل وقتها بحوالي دقيقتين وأن ترى غائبة أيضا بعد وقت غروبها المحسوب بحوالي دقيقتين أخريين، أدركنا بأن طول النهار عند خط الاستواء لا يمكن أن يكون مساويا لطول الليل، بل يفوقه بست إلى ثماني دقائق، وذلك على مدار أيام العام، وهذا يعني في المفهوم العلمي أن الليل والنهار لا يتساويان عند خط الاستواء، إنما يتساويان مجازا بتقريب الوقتين فقط.
وإذا استخدمنا أي مرجع فلكي أو موقع على شبكة الإنترنت لحساب أوقات شروق الشمس وغروبها عند خط الاستواء، وجدنا فارقا مقدراه ست إلى ثماني دقائق على الدوام لصالح طول النهار كما أسلفنا أعلاه، وغير أن المدن التي تقع شمال خط الاستواء وجنوبه لا ينطبق عليها هذا الأمر، بل تمر عليها أيام يتساوى فيها طول الليل بالنهار اثنتي عشرة ساعة لكل منهما، لكن تلك الأيام هي أيام تقع حول يومي الاعتدالين المشهورين.
وفي النصف الشمالي من الكرة الأرضية على سبيل المثال، يتساوى الليل بالنهار في عمان ودمشق وبغداد والقاهرة ومسقط يوم 16 مارس ويوم 27 سبتمبر، ويتساويان في مكة المكرمة يوم 14 مارس ويوم 28 سبتمبر، وفي الخرطوم وصنعاء يتساويان يوم 12 مارس، ويوم 30 سبتمبر، وأخيرا في الجزائر وتونس والرباط يوم 16 مارس ويوم 26 سبتمبر، مع وجود فارق مقدراه دقيقة أو دقيقتان لبعض المدن المذكورة بسبب عدم تطابق خطوط عرضها بشكل كامل.