رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه من الضروري للولايات المتحدة أن تطلق "الدولار الرقمي" للأسباب الصحيحة الداعية لذلك وليس من أجل مواجهة الصين التي أعلنت أنها بصدد إطلاق "اليوان الرقمي" فحسب.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة يساورها قلق تجاه كل ما يتعلق بالصين، مثل التوسع في قدرتها العسكرية ومكاسبها التكنولوجية السريعة وانخراطها مع الدول النامية، مضيفة أن المسئولين في الولايات المتحدة، إلى جانب الكثير من النقاد، يحذرون من أن إطلاق البنك المركزي الصيني لـ"اليوان الرقمي" هذا العام يمثل آخر الإشارات على أن الولايات المتحدة تتخلف عن الركب.
وأوضحت أن أعضاء الكونجرس الأمريكي من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) يتفقون – من بين قضايا قليلة لا يختلفون عليها – على وجود حاجة ماسة لتشريع جديد يضمن ألا يتخلف الدولار الأمريكي أكثر عن ركب "سباق فضاء الأصول الرقمية".
وبحسب المجلة الأمريكية، فإن إصدار "دولار رقمي" هو في حد ذاته الهدف الصائب، أما اختزال هذا الهدف في إصداره من أجل مواجهة الصين فقط فإنه يعد أمرا خاطئا؛ موضحة أن التحدي الحقيقي الذي يواجه دور الولايات المتحدة المركزي في النظام النقدي العالمي ليس الصين، وإنما العملات الرقمية المحلية المشفرة غير المنظمة مثل "دوجكوين"، مضيفة أن التخطيط لإطلاق دولار رقمي قائم فقط على مواجهة الصين، يخاطر بالتغاضي عن نقاط القوة التي تجعل الدولار جذابا إلى اليوم، وعن فرص التقنيات الجديدة لمضاعفة نقاط القوة هذه.
ولفتت "فورين بوليسي" إلى أن أحد الأصول الفردية مثل عملة "دوجكوين" قد لا يشكل تهديدا في حد ذاته، إلا أن مجموعة سريعة التوسع من الأصول الرقمية البديلة و"العملات المستقرة" - العملات المشفرة المدعومة بعملة رئيسية أو معدن ثمين – توشك أن تزعزع أسس النظام المالي العالمي، إلى جانب تداعيات مهمة على استقرار السوق والنمو الاقتصادي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، مؤكدة أنه حتى لو لم يكن هناك بديل صيني تم طرحه بالفعل، يجب على واشنطن أن تضغط بشدة لتطوير دولار رقمي يستفيد من مكانة الدولار الورقي كعملة احتياطية عالمية في إطار الثورة التكنولوجية الحالية.
وأوضحت "فورين بوليسي" أن الدولار الرقمي ليس أموالا كتلك المتواجدة في الحسابات المصرفية، والتي هي في الواقع سجل لالتزامات البنك تجاه عملائه، بل هو تمثيل مشفر للأموال التي يصدرها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اليوم في شكل نقود واحتياطيات بنكية، مشيرة إلى أن ابتكار "البلوك تشاين" لهذه الأموال الرقمية يسمح بتحريكها بسرعة وبتكلفة زهيدة مثل البريد الإلكتروني ولكن مع خصوصية وأمان التحويل المصرفي، دون وسيط.
وذكرت "فورين بوليسي" أن أبسط أسباب حاجة الولايات المتحدة لدولار رقمي هي أنه من الصعب تخيل الدولار كعملة احتياط نقدي، بينما يتخلف عن الموجة الرئيسية التالية من التطور المالي.
وأضافت أن الولايات المتحدة تستمد فوائد هائلة من الوضع المهيمن للدولار: فمن الناحية الاقتصادية، يشمل ذلك الإيرادات من السندات المالية - أرباح الاحتياطي الفيدرالي من إصدار الدولار لتلبية الطلب العالمي الواسع النطاق على العملة الأمريكية - وخفض تكاليف الاقتراض للحكومة الأمريكية، ومن الناحية السياسية، بات من الواضح أن القدرة على معاقبة المجرمين والإرهابيين والحكومات المارقة أداة سياسية مهمة، كما تظهر العقوبات المالية ضد روسيا.
وأشارت إلى أن أحد الأسباب الداعية لضرورة التحرك بسرعة لإصدار دولار رقمي لا تتعلق بالحفاظ على مزايا النظام الحالي بقدر ما تتعلق بتعزيز القيم التي تعتز بها الولايات المتحدة وحلفاؤها، حيث تعكس جاذبية الدولار، مثل أي عملة أخرى، قوة نظامه السياسي والاقتصادي. ويختار الناس الاحتفاظ بالدولار لأن الولايات المتحدة لديها نظام يتمتع بسجل حافل بالمصداقية في حماية الحقوق والممتلكات الفردية.
ولفتت إلى أن اليوان الرقمي الصيني أثار تساؤلات حول كيفية تشديد السيطرة السياسية من خلال تتبع المدفوعات، موضحة أنه على النقيض من ذلك، فمن شأن الدولار الرقمي الجدير بالاهتمام أن يؤكد في الواقع على حماية الخصوصية (خاصة للمدفوعات الخاصة الصغيرة)، والشمول المالي (خاصة للأسر الأشد فقرًا)، والابتكار (خاصة للشركات المبتدئة في مجال التكنولوجيا المالية).
وترى "فورين بوليسي" أنه يمكن للدولار الرقمي الجديد، على سبيل المثال، أن يحمي الخصوصية بشكل أفضل لأنه يفرض قوانين ضد غسيل الأموال، فبدلا من تقديم معلومات شخصية حساسة بصورة غير آمنة لمزود خدمات مالية مع كل حساب جديد، يمكن تخزين إثبات الهوية بشكل ثابت في سلسلة الكتل المعروفة بـ"البلوك تشين"، حيث يمكن التحقق منها بشكل آمن. كما أن الدولار الرقمي من شأنه أيضا تحسين الشمول المالي، لأسباب ليس أقلها أنه لن يتطلب حسابا مصرفيا لإجراء مدفوعات غير نقدية.
واختتمت "فورين بوليسي" بأن خبراء مجلس الاحتياطي الفيدرالي يعملون بجد على تصميمات محتملة للدولار الرقمي، إلا أن رئيس البنك الفيدرالي جيروم باول أشار الأسبوع الماضي إلى أنه ليس قريبا من اتخاذ قرار بهذا الشأن، وهو محق بلا شك في أنه من الأفضل "فهم الأمور بشكل صحيح بدلا من أن تكون في الطليعة. إلا أن الولايات المتحدة بعيدة بالفعل عن أن تكون الأولى في هذا المجال، لكنها أيضا ستكون خسارة فادحة إذا كانت الأخيرة بالفعل".