شهدت أسعار السيارات زيادات متتالية خلال الفترة الأخيرة، بنسب غير مسبوقة على بعض الأنواع بسبب قلة المعروض، نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وقيود الاستيراد التي فرضها البنك المركزي للحفاظ على النقد الأجنبي.
صعود أسعار السيارات بشكل جنوني رغم شبه توقف الاستيراد منذ مارس الماضي، طرح العديد من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات، وكان أبرزها لماذا يرفع الوكلاء الأسعار رغم وقف الاستيراد، وكذلك من يتحمل مسئولية ارتفاع أسعار السيارات في مصر؟.
وتواصلت «البوابة»، مع عدد من الخبراء للإجابة على هذه التساؤلات، حيث يقول اللواء حسين مصطفي، خبير السيارات، والمدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات، إن الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار السيارات في مصر تنقسم إلى سببين الأول تتمثل في أزمات اقتصادية عالمية خارجة عن الإرادة المصرية.
وأضاف «مصطفي» لـ«البوابة»، أن الأزمات العالمية تتمثل في نقص الرقائق الإلكترونية التي أثرت على الإنتاج العالمي ويليها أزمة الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على سلاسل الإمداد العالمية سواء من روسيا التي تحتكر أغلب المعادن اللازمة للصناعات ومنها صناعة السيارات أو من أوكرانيا التي تنتج مكونات السيارات وأهما الضفائر وتحتكر غاز الأوزون اللازم لصناعة الرقائق الإلكترونية.
وأكد خبير السيارات، أن سلاسل الإمداد والإنتاج العالمي تأثرت بشكل كبير بحيث تراجع معدلات إنتاج السيارات عالميًا، فكانت تنتج المصانع عام 2018 نحو 96 مليون سيارة، بينما تراجع الإنتاج العالمي إلى 70 ألف سيارة في عام 2021.
وأوضح «مصطفي»، أن هذه المشاكل أثرت على أسعار السيارات عالميًا وأثرت أيضًا على كميات السيارات المتوفرة لدى المصانع نتيجة تراجع معدلات الإنتاج.
وأشار خبير السيارات، إلى أن الأسباب الأخرى التي أثرت على أسعار السيارات فهي داخلية وأولها توقف استيراد السيارات وقطع غيار خدمة ما بعد البيع، بشكل تام، منذ صدور قرار البنك المركزي بوقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية، والعمل بالاعتمادات المستندية.
وذكر «مصطفي»، أن هذا القرار أثر على حجم السيارات المعروضة للبيع في مصر وأصبح ما يُباع الذي تم استيراده ووصل إلى الموانئ قبل صدور القرار، لافتًا إلى أن هذا العدد يتناقص مما يؤدي إلى زيادة أسعار السيارات بشكل غير مسبوق في السوق المحلية.
وأكد المدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات، أن الدولة ليس في يديها السيطرة على تلك الأسعار في سوق حرة، خاصة وأنها بلغت سقفًا جنونيًا، وقدم نصيحة للمواطنين بعدم شراء سيارات بهذه الأسعار المبالغ فيها والتي ارتفعت بطريقة جنونية، إلا في حالة الضرورة فقط.
ويرى خبير السيارات، أن الحل الأمثل لهذه الأزمة يتمثل في تخصيص حصص استيرادية للوكلاء والمستوردين للسيارات وقطع الغيار حتى وأن كانت قليلة، لتوفير بعض السيارات في السوق المصرية المتعطشة بما لا يؤثر على الاحتياطي النقدي الأجنبي.
وتابع «مصطفي»، أن آلية تنفيذ هذا المقترح يعتمد على معرفة أو حصر مبيعات الوكلاء والمستوردين خلال فترة زمنية معينة - العام الماضي على سبيل المثال- وتخصيص مبلغ معين لتوزيعه عليهم بنسب مبيعاتهم عن العام الماضي، لافتًا إلى أن تخصيص المبلغ يتم توزيعه بنسبة وتناسب عن عدد المبيعات بهدف تشغيل المعارض والمصانع وعدم اللجوء إلى تسريح العمالة.
ومن جهة أخرى، قال خالد سعد، الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات، إن مصر تستورد سيارات سنويًا بقيمة 4 مليارات دولار، وإذا استمر الأمر على هذا الوضع كان ستصل إلى 8 مليارات دولار في ضوء الضغط الواضح على الدولار والأزمة العالمية الحالية، وهذا أمر صعب للغاية.
وأضاف «سعد»، أن عام 2022 شهد قلة الطلب على السيارات بنسبة 40%؛ وذلك لعدم توافر السيارات بسبب الظروف التي يشهدها العالم حاليًا؛ والتي تسببت في قلة توافر المنتج بشكل كبير، متوقعًا أنه بداية عام 2024 استقرار عالم السيارات بمصر؛ عند الاهتمام بتوطين هذه الصناعة محليًا.
وأوضح الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات، أن مصر تعمل في الفترة الحالية على العمل على توطين صناعة السيارات في مصر وهذا أمر ضرورى، من أجل تخفيف الضغط على العملة الصعبة، قائلًا: «إحنا كنا بنصدر عملة صعبة ونستورد سيارات، عاوزين نصدر سيارات وناخد عملة صعبة الفترة اللي جاية».
وأشار إلى أن هناك إقبالا من المواطنين على شراء السيارات، ولكن لا توجد سيارات في السوق في الوقت الحالي، في ضوء الضغط الكبير على صناعة السيارات في مصر: «لو استمرينا بالشكل ده واهتمينا بالصناعة المصرية، وضع صناعة السيارات سيعود بشكل طبيعي».
ومن جهته، قال منتصر زيتون، عضو شعبة السيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن الأسباب الرئيسية التي تسببت في ندرة السيارات واختفاء بعضها من السوق المحلية، تتمثل في قرار رقم 9 لسنة 2022 الذي اتخذته وزارة الصناعة والتجارة، وكذلك قرار البنك المركزي بوقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية، والعمل بالاعتمادات المستندية.
وأصدرت وزيرة التجارة والصناعة، قرارًا في شهر يناير الماضى، يحدد اشتراطات الإفراج عن سيارات الركوب من الفئة «M1» الواردة للاتجار حتى 7 مقاعد بخلاف السائق، والتى فرضت 5 شروط لاستيرادها، أبرزها تقديم المستورد لمصلحة الرقابة الصناعية المستندات التى تفيد استيفائه لأحكام القرار الوزارى للحصول على موافقة مسبقة لاستيراد هذه السيارات.
ومن ضمن الاشتراطات أيضًا، أبرزها وجود مراكز صيانة معتمدة طبقًا للتوزيع الجغرافى، وتوافر قطع الغيار الأساسية بجداول الصيانة الصادرة من الشركات المنتجة تغطى بحد أدنى 15% من عدد المركبات.
وأضاف «زيتون» لـ«البوابة»، أن الأزمة الرئيسية الحالية تتمثل في «تدبير العملة الصعبة»، وهي من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، لافتًا إلى أن الحكومة أعطت أولوياتها لتوفير السلع الاساسية بالكميات والأسعار المناسبة للمواطنين، وبالتالي تأثرت بعض القطاعات الأخرى ومنها السيارات، مشيدًا بهذا القرار، حيث أن توفير السلع الأساسية أهم من استيراد السيارات.
وذكر عضو شعبة السيارات، أن أسباب زيادة الأسعار بطريقة جنونية خلال الفترة الماضية تتمثل في زيادة الدولار أمام الجنيه، وزيادة تكلفة الإنتاج عالميًا، وارتفاع تكاليف الشحن عالميًا، علاوة على ارتفاع سعر المواد الخام المستخدمة في صناعة السيارات.
وتابع أنه مع وقف الاستيراد أدى إلى تفاقم الأزمة وصعود الأسعار بطريقة جنونية، مؤكدًا أن الوكلاء لديهم مخزون قليل ويتم توزيعه على على مدار الشهور فعلى سبيل المثال: «الوكيل اللي عنده 1000 سيارة في المخازن يطلع منهم كل شهر 10 أو 20 عربية ويرفع عليهم السعر، لتعويض جزء من تكلفة التشغيل، والموزع اللي كان بياخد 100 سيارة شهريًا دلوقتي بقى بياخد 3 سيارات فقط».
وفي السياق ذاته، أكد صلاح الكمونى عضو شعبة السيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن سوق السيارات المحلية تعاني بسبب القرارات الحكومية التي أسهمت في زيادة الأزمة المشتعلة عالميًا بسبب الحرب في أوروبا المندلعة منذ شهر فبراير الماضي، مشيرًا إلى أن قرار وزارة الصناعة والتجارة المصرية رقم 9 لعام 2022، تسبب في تقييد عمليات الاستيراد، لافتًا إلى أن الأزمة لا تتحملها الحكومة منفردة، لأنها أزمة عالمية، لكن تلك القرارات عمقتها.
وأضاف «الكموني»، أن أسعار السيارات ارتفعت بما لا يقل عن 25% منذ بداية عام 2022، مطالبًا بضرورة مراجعة ضوابط استيراد السيارات التى فرضت بموجب القرار رقم 9 لسنة 2022، التي تعد شروط تعجيزية إلي حد ما في عمليات استيراد السيارات.
وأكد أن شركات السيارات العالمية تواجه أزمة حقيقة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، نتيجة أن الشركات قلصت صادراتها إلى كل دول العالم، ولم تخص القاهرة وحدها بهذا القرار، مرجعًا ذلك إلى أزمة نقص الرقائق الإلكترونية ومستلزمات الإنتاج، وهو ما تعثرت معه سلاسل الإمداد نتيجة جائحة كورونا العالمية ثم الحرب الروسية في أوكرانيا.
كما أكد أن القرار رقم 9، عرقل عمليات الاستيراد والإفراج عن بعض الشحنات التى وصلت للموانئ المصرية بسبب عدم حصول بعض المستوردين على موافقات مسبقة تفيد التزامهم بضوابط الاستيراد التي نص عليها القرار و التي خنقت السوق المحلية مع ارتفاع حجم الطلب في ظل نقص المعروض من السيارات المستورَدة، وهو ما دفع الأسعار إلى الارتفاع بما يتراوح بين 15 و20 % علي أقل تقدير.
ولفت إلى أن الغرض من هذه الضوابط كان تحجيم واردات السيارات، وهو ما تم بالفعل حيث لا يمنح القطاع موافقات على استيراد المركبات الكاملة، خاصة ما يتعلق بالاعتمادات المستندية.
وأضاف أن القيود التى فرضت على استيراد السيارات أدت إلى اختفاء الكثير من الطرازات عن السوق، وبيع بعضها بـ«أوفر برايس» وهو نطاق سعري تسمح الشركات المصنعة للوكلاء بالبيع في حدوده، موضحًا أن الأزمة في أن هناك بعض الوكلاء في مصر يستخدمون نظام «أوفر برايس» بشكل خاطئ وهو ما دفع الأسعار للارتفاع بشكل جنوني، كما أصبحت المعارض لا تستطيع تلبية طلبات العملاء، مع الاستمرار فى تحمل أعباء وتكاليف التشغيل من رسوم خدمات ومرافق وأجور وتأمينات وغيرها.
ومن جهته، قال كريم سعد، مسئول المبيعات بإحدى شركات السيارات، إن السوق تشهد نقصًا كبيرًا في أنواع السيارات علاوة على اختفاء البعض الأخرى خاصة في ظل الضوابط الجديدة التي وضعتها الحكومة لتنظيم عملية الاستيراد، والحافظ على العملة الصعبة.
وأضاف «سعد» لـ«البوابة»، أن بعض الوكلاء يبيعون السيارات بـ«أوفر برايس» للموزعين لمحاولة تعويض جزء من الخسائر التي يتعرضون لها بسبب قلة المعروض، مما يجعل الموزع يبيع هو الآخر بـ«أوفر برايس» بقيمة كبيرة، للعملاء الراغبين في الشراء.
وأوضح مدير المبيعات، أن زيادة الأسعار الرسمية من قبل الوكلاء بهدف رفع قيمة الـ«أوفر برايس» على السيارات، لافتًا إلى أن هناك سيارات متاحة في السوق المصرية ولكنها بكميات قليلة جدًا، فضلًا عن أن قيمة الـ«أوفر برايس» يصل إلى نحو 200 ألف جنيه على السيارات الاقتصادية.
وأشار «سعد»، إلى أن بعض المواطنين يشترون رغم الارتفاع الجنوني للأسعار لعدة أسباب، أولها الخوف من مواصلة الص