تحتفل الكنيسة الكاثوليكية اليوم بالقديس جيوفاني ليوناردي ، الذي ولد فى إقليم توسكانا فى وسط إيطاليا عام 1541م لعائلة متواضعة من المزارعين .
القديس جيوفاني ليوناردي، مؤسس رهبنة أم المسيح ، والذي أسهم في إنشاء مجمع حبري للإرساليات، مجمع " نشر الإيمان" وفي ولادة معهد نشر الإيمان الأورباني، الذي نشّأ، عبر مر العصور، آلاف"، الكهنة - عدد كبير منهم شهداء – لتبشير الشعوب.
إن مثال صورة القديس جيوفاني المشعة، هو مثال لجميع الكهنة. ألحقه والده في إحدى الدورات العادية في الصيدلة في لوكا، ليصبح صيدلياً في المستقبل. ولنحو عقد من الزمن، كان الشاب جيوفاني ليوناردي يقظاً ودؤوباً وحاضراً، ولكن عندما حصل على الاعتراف الرسمي الذي كان سيؤهله لفتح صيدلية، بحسب قانون لوكا، بدأ يفكر إذا ما حانت الساعة لتنفيذ المشروع الذي كان دائماً في قلبه.
بعد تفكير ناضج، قرر سلوك درب الكهنوت. وهكذا ترك الحانوت وانصرف الى التنشئة اللاهوتية، وسيم كاهناً واحتفل بقداسه الأول يوم عيد الميلاد من عام 1572. ولكنه لم يتخلى عن اهتمامه للصيدلة، بل إنه شعر بأنه بواسطة الصيدلة سيتمكن من إتمام دعوته، أي أن ينقل للبشر – من خلال الحياة المقدسة – "دواء الله"، الذي هو يسوع المسيح المصلوب والقائم، "مقياس كل شيء".
وانطلاقاً من مبدأ أن كل الكائنات البشرية تحتاج الى هذا الدواء أكثر من أي شيء آخر، عمل القديس جيوفاني ليوناردي ليكون اللقاء مع المسيح أساس وجوده. كان غالباً يردد: "من الضروري أن نبدأ من جديد انطلاقاً من المسيح".
كانت أولوية المسيح بالنسبة إليه أساس الحكم والعمل، والمحرك الرئيسي للنشاط الكهنوتي، في وقت انتشرت فيه حركة التجدد الروحي في الكنيسة بفضل المؤسسات الدينية الجديدة، وبفضل شهادة قديسين مثل كارلو بوروميو، فيليبو نيري، اغناطيوس دي ليولا، جوزيبي كالاسانسيو، كاميلو دي ليليس ولويجي كونزاغا.
كرس نفسه بحماس للعمل بين الشباب من خلال جمعية العقيدة المسيحية، وجمع حوله مجموعة من الشباب ومعهم، أسس في سبتمبر 1574، جمعية الكهنة المصلَحين من قبل العذراء الطوباوية، والتي أصبحت فيما بعد رهبنة خدام أم الله. وكان يطلب من رسله ان يضعوا نصب أعينهم "شرف، وخدمة، ومجد يسوع المسيح المصلوب"، وكونه صيدلي معتاد على تحديد الجرع، كان يضيف: "ارفعوا قلوبكم لله أكثر من ذلك بقليل، ومعه تعاطوا مع الأشياء".
إن صورة هذا القديس المشعة تدعو المسيحيين عامة، والكهنة بنوع خاص، الى التوق الى "غاية الحياة المسيحية" التي هي القداسة، كل بحسب وضعه. فقط من الأمانة للمسيح، ينبع تجدد الكنيسة الحقيقي. خلال تلك السنوات، مرحلة العبور الثقافي بين القرنين السادس عشر والسابع عشر، بدأت ملامح الثقافة المعاصرة المستقبلية بالظهور، متميزة بالفصل بين الإيمان والعقل، الذي أدى الى تهميش الله، موهماً الإنسان بأنه سيد ذاته، وبأنه قادر على العيش "كما لو كان الله غير موجود". إنها أزمة الفكر الحديث، والتي تظهر غالباً بشكل النسبية.
لقد عرف جيوفاني ليوناردي الدواء الحقيقي لهذه الشرور الروحية، ولخصه بالقول: "المسيح أولاً"، المسيح في القلب، وهو محور التاريخ والكون. وكان يشدد بالقول بأن ما تحتاجه البشرية هو المسيح لأنه هو "مقياس حياتنا". لا يوجد محيط لا تمسه قوته؛ لا يوجد شر لا يجد الشفاء فيه، ولا توجد مشكلة لا تجد الحل فيه. "المسيح أو لا أحد"! هذه هي وصفته لكل نوع من الإصلاح الروحي والاجتماعي.
إن ليوناردي فهم بأن كل إصلاح يتم داخل الكنيسة وليس ضدها أبداً. وفي هذا المجال كان القديس جيوفاني ليوناردي مثالاً رائعاً. إن كل إصلاح يطال بالطبع الهيكليات، ولكن عليه بدرجة أولى أن ينحفر في قلوب المؤمنين. وحدهم القديسون – رجال ونساء يقودهم الروح القدس، مستعدون للقيام بخيارات جذرية وشجاعة على ضوء الإنجيل – يجددون الكنيسة ويسهمون في بناء عالم افضل. ، فليساعدنا مثال القديس جيوفاني ليوناردي في عملنا الإرسالي في خدمة الكنيسة. أجرى بمحبته وحكمته تجديداً فى مختلف الجمعيات الرهبانية ، وذلك بأمر من البابا كليمنس الثامن . فصار أحد رموز التجديد الكاثوليكي . فى عصره . رقد فى الرب فى روما يوم 8 أكتوبر عام 1609م ، جراء إصابته بمرض الطاعون . أعلن تطوبيه البابا بيوس التاسع عام 1861م . وثم أعلن قداسته البابا بيوس الحادى عشر فى 17 أبريل عام 1938م . من أقواله : " من اراد إصلاح الأخلاق فى مجتمع ما ، يجب عليه أن يطلب أولاً مجد الله ، الذى منه تأتى كل الخيرات . ثم يجعل المصلح نفسه أمام من يجب إصلاحهم مثل مرآة لجميع الفضائل . وهكذا يجذب إلى الإصلاح بلينه وصبره ولا يرغم أحداً إرغاماً.