تنشر “البوابة نيوز”، نص كلمة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، خلال تولية وتنصيب المطران مار أفرام إيلي وردة مطران إيبارشية القاهرة والنائب البطريركي على السودان، في كاتدرائية سيدة الوردية – حيّ الظاهر، القاهرة، والتى جاءت حسب التالي:
"إخوتي أصحاب النيافة والسيادة الأحبار الأجلاء
الكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة الأفاضل
المؤمنين والمؤمنات بالرب.
استمعنا جميعاً إلى كتاب التولية الذي فيه سمَّينا وولَّينا وأعطينا السلطة الكنسية لسيادة أخينا الجليل مطرانكم الجديد مار أفرام إيلي وردة، كي يقوم بمهام رسالته الأسقفية.
اليوم عيد الوردية المقدسة، سلطانة الوردية مريم العذراء التي سُمِّيَت بهذا الاسم في القرن السادس عشر، وعلى اسمها دُشِّنَت هذه الكاتدرائية، نهنّئ الجميع بهذا العيد، ولا سيّما أخوية سيّدة الوردية في هذه الكاتدرائية.
كما تحتفل مصر العزيزة اليوم بذكرى 6 أوكتوبر، ذكرى الانتصار وسلام الشجعان، نطلب منه تعالى أن يحفظ هذا البلد العزيز مثالاً مُشعّاً في منطقة الشرق الأوسط.
نشكر بشكل خاص أخانا صاحب السيادة مار يعقوب أفرام سمعان، الذي تولّى تدبير هذه الأبرشية منذ شغور كرسيها بوفاة المثلَّث الرحمات مار اقليميس يوسف حنّوش الذي افتقدناه وهو في عزّ عطائه.
"إحفظ الوديعة التي أُعطِيَت لك"، هذا ما سمعناه من مار بولس وهو يطلب من تلميذه تيموثاوس أن يتذكّر أنّ الأسقفية، وإن كانت كرامة، فلا تعني منصباً أو شرفاً، كما يظنّ البعض، إنّما هي وديعة.
الأسقفية هي دعوة، نعم للكرامة، ولكن لكرامة "العمل الصالح"، لكرامة إتمام الرسالة التي وصلت إلينا من الرب يسوع عن طريق الرسل. الكرامة تعني أنّ المطران مستعدٌّ أن يقوم بهذه الرسالة مهما صعبت الأحوال، ومهما كانت التحدّيات كثيرة، كما سمعنا من الإنجيل المقدس: "الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف".
على الذي يشتهي الأسقفية أن يتحمّل مسؤولياتها، في الخدمة المتجرّدة، وفي الشهادة للرب يسوع حتّى الاستشهاد. ونحن نعلم أنّ أعداداً لا تُحصَى من أساقفة الكنيسة وآبائها ظلّوا أمناء للمعلّم الإلهي حتّى الاستشهاد حبّاً به. وسيّدنا مار أفرام إيلي وردة لبّى بحرّيته الكاملة الدعوة للخدمة في هذه الأبرشية وفي مصر العزيزة على قلوبنا، مسلّماً ذاته للرب، كما خدم كنيسة الانتشار في رعية مار أفرام في باريس وفي العديد من إرساليات فرنسا طوال 15 سنة.
نعم نتذكّر أنّنا أبناء وبنات أجيال عديدة من الشهداء والمعترفين، وسيدنا المطران الجديد يتذكّر أيضاً أنّ أجداده اضُطرُّوا وأُرغِموا على الهجرة من بلاد نشأتهم، وأنّ هناك الكثيرين من الذين سُفِكت دماؤهم من أجل الرب.
المطران مار أفرام إيلي، بقبوله الخدمة الأسقفية لأبرشية القاهرة، يعلم أنّه دُعِيَ للكرامة الأسقفية، أي للرسالة الأسقفية، إذ قد لبّى نداء الرب ليكون راعياً صالحاً حقيقياً، يخدم بمحبّة ووداعة وتواضع، ويبذل نفسه عن الإخوة والأخوات الموكَلِين إلى خدمته.
هذا ما نعلمه وما تعلّمناه من الذين نقلوا إلينا البشرى.
على المطران الجديد مار أفرام إيلي أن يتذكّر أنّه عندما رشّحه بطريرك كنيستنا، وهو الأب والرئيس للكنيسة الخاصة وراعيها، وعندما انتخبه آباء المجمع المقدس، عليه أن يتذكّر أن يظلّ ويبقى أميناً:
أولاً، للرب الذي دعاه وهيّأه لهذه الخدمة، لذا عليه أن يتّكل كلّياً على النعمة الإلهية التي تقوّيه. فلا يكتفي فقط بحمل الصليب على صدره، والصليب هو لنا الخلاص والفخر، "ܨܠܺܝܒܳܐ ܐܳܬܳܐ ܕܫܰܝܢܳܐ ܨܠܺܝܒܳܐ ܢܺܝܫܳܐ ܕܙܳܟ̣ܽܘܬܳܐ"، هذا ما نرتّله في صلواتنا الفرضية بالسريانية: "الصليب هو آية الأمان، الصليب هو علامة الانتصار". فيحمل الصليب على صدره بقبوله أن يحمل صليبه وصلبانه على كتفيه، ويعتزّ بأنّه يتبع الرب على طريق الصليب.
وأضاف كما عليه أن يتمسّك بحقائق الإيمان الموحاة، ويتخلّق بالأخلاق الإنجيلية دون انتقاص ولا مساومة، ويدافع عن العائلة، الكنيسة البيتية، وعن قدسية الحياة من المهد إلى اللحد.
ثانياً، عليه أن يبقى أميناً لكنيسته السريانية التي عانت الكثير من المآسي على مدى القرون والأحقاب، لكنّها ظلّت شاهدةً للرب حتّى الاستشهاد، كما الآباء والأجداد في القرن المنصرم ومنذ سنوات، إن كان في تركيا أو في العراق وسوريا، وأيضاً نتذكّر الشهداء الذين سُفِكَت دماؤهم هنا في أرض مصر الغالية. عليه أن يتذكّر أنّ كنيسته تحتاج إليه كي تبقى ناصعةً نقيّةً، عروساً للختن السماوي.
وأخيراً وليس آخراً، عليه أن يبقى أميناً لهذا الشعب الطيّب الذي استقبله اليوم، والذي دُعِيَ لكي يخدمه بالأمانة، هذه الأبرشية بكهنتها ومؤمنيها فَرِحَة أن تستقبل راعيها الجديد، وتأمل أن يكون لها الأب المتفاني، والأخ الوديع والمتواضع القلب، والصبور والرائد للمحبّة بين المؤمنين في أبرشيته. عليه أن يعامل الجميع بالاحترام والتقدير والمساواة، عاملاً بالشعار الذي اتّخذه لخدمته الأسقفية، قول هوشع النبي: "أريد رحمةً لا ذبيحة" (هوشع 6: 6).
وها نحن بمشاركتنا وحضورنا هذا الاحتفال الكنسي المعبِّر، نَعِدُه بصلواتنا من أجله، واثقين بأنّه سيسعى لإتمام رسالته وخدمته بهذه الأمانة المطلوبة منه بحسب قلب الرب".