المولد النبوي الشريف من أكثر الاحتفالات، قربا من قلوب المسلمين في شتى أنحاء العالم، ولعل اهتمام المسلمين بالمولد النبوي بدأ منذ قرون عدة إجلالا وتقديرا من المسلمين بيوم مولد الرسول صلوات ربي وتسليماته عليه، ولعل أول احتفال منظم بالمولد كان في عصر الدولة الأيوبية فكان سلاطين الأيوبيين أول من وضعوا قواعد وحددوا احتفالا سنوي بالمولد النبوي الشريف.
وجاء احتفال المسلمين بيوم المولد النبوي الشريف اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان النبي يصوم يوم الإثنين ويقول "هذا يوم وُلدت فيه".
الاحتفال بالمولد النبوي عند الفاطميين
تاريخي يعد الفاطميون أوّل من احتفل بذكرى المولد النبوي الشريف، كما احتفلوا بغيره من الموالد الدورية التي عُدت من موسمها، إلا أنه في سنة 488 هـ أمر الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي بإبطال الاحتفال بالموالد الأربعة وهي المولد النبوي ومولد الإمام علي ومولد السيدة فاطمة الزهراء ومولد الإمام الفاطمي الحاضر.
الأيوبيين وعودة الاحتفالات بالمولد النبوي
وفي عهد الدولة الايوبية رجعت الاحتفالات بالمولد النبوي، وكان أول من احتفل بالمولد النبوي بشكل منظم في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي، الملك مظفر الدين كوكبوري، إذ كان يحتفل به احتفالًا كبيرًا في كل سنة، وكان يصرف في الاحتفال الأموال الكثيرة، والخيرات الكبيرة، حتى بلغت ثلاثمئة ألف دينار، وذلك كل سنة.
وكان يصل إليه من البلاد القريبة من أربيل مثل بغداد، والموصل عدد كبير من الفقهاء والصوفية والوعّاظ، والشعراء، ولا يزالون يتواصلوا من شهر محرم إلى أوائل ربيع الأول. وكان يعمل المولد سنة في 8 ربيع الأول، وسنة في 12 ربيع الأول، لسبب الاختلاف بتحديد يوم مولد النبي محمد.فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئًا كثيرًا وزفّها بالطبول والأناشيد، حتى يأتي بها إلى الميدان، ويشرعون في ذبحها، ويطبخونها. فإذا كانت صبيحة يوم المولد، يجتمع الناس والأعيان والرؤساء، ويُنصب كرسي للوعظ، ويجتمع الجنود ويعرضون في ذلك النهار. بعد ذلك تقام موائد الطعام، وتكون موائد عامة، فيه من الطعام والخبز شيء كثير.
وكان يصرف في الاحتفال الأموال الكثيرة، والخيرات الكبيرة، حتى بلغت ثلاثمئة ألف دينار، وذلك كل سنة. وكان يصل إليه من البلاد القريبة من أربيل مثل بغداد، والموصل عدد كبير من الفقهاء والصوفية والوعّاظ، والشعراء، ولا يزالون يتواصلوا من شهر محرم إلى أوائل ربيع الأول.
العثمانيين والاهتمام باحتفال المولد النبوي
وفي عهد الدولة العثمانية زاد الاهتمام باحتفال المولد النبوي الشريف، حيث كان لسلاطين الخلافة العثمانية اهتمام بالغ بالاحتفال بجميع الأعياد والمناسبات المعروفة عند المسلمين، ومنها يوم المولد النبوي، إذ كانوا يحتفلون به في أحد الجوامع الكبيرة بحسب اختيار السلطان، فلمّا تولّى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة قصر الاحتفال على الجامع الحميدي. فقد كان الاحتفال بالمولد في عهده متى كانت ليلة 12 ربيع الأول يحضر إلى باب الجامع عظماء الدولة وكبراؤها بأصنافهم، وجميعهم بالملابس الرسمية التشريفية، وعلى صدورهم الأوسمة، ثم يقفون في صفوف انتظارًا للسلطان فإذا جاء السلطان، خرج من قصره راكبًا جوادًا من خيرة الجياد، بسرج من الذهب الخالص، وحوله موكب فخم، وقد رُفعت فيه الأعلام، ويسير هذا الموكب بين صفين من جنود الجيش العثماني وخلفهما جماهير الناس، ثم يدخلون الجامع ويبدأون بالاحتفال، فيبدؤوا بقراءة القرآن، وثم بقراءة قصة مولد النبي محمد، ثم بقراءة كتاب دلائل الخيرات في الصلاة على النبي، ثم ينتظم بعض المشايخ في حلقات الذكر، فينشد المنشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي. وفي صباح يوم 12 ربيع الأول، يفد كبار الدولة على اختلاف رتبهم لتهنئة السلطان.
وفي العصر الحديث لا يزال المسلمين في شتى بقاع الأرض يحيون المولد النبوي الشريف، فمنهم من يحي المولد بالاقتداء بسنن رسول الله، ومنهم من يقين احتفالات السنوية، ولعل السمة الغالبة في معظم الدول الإسلامية هو أحياء الأخلاق الحميدة التي لطالما رسخها رسول الله، ولعل من أبرز ملامح الاحتفال في العديد من الدول هو شراء حلوى المولد التي باتت العلامة البارزة لقرب حلول المولد النبوي الشريف.