في مثل هذا اليوم 6 أكتوبر 1838م، ولد محمود سامي البارودي شاعر ورئيس وزراء مصر، في دمنهور لأبوين من أصل شركسي وكان أجداده ملتزمي إقطاعية إيتاي البارود بمحافظة البحيرة ويجمع الضرائب من أهلها، وكان والده ضابطا في الجيش المصري برتبة لواء وعُين مديرا لمدينتي بربر ودنقلة في السودان ومات بالسودان وابنه محمود لم يزل في السابعة من عمره.
وتلقى البارودي دروسه الأولى فى مدرسة المبتديان وكانت خاصة بالأسر المرموقة وأولاد الأكابر فتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ النحو والصرف، ودرس شيئا من الفقه والتاريخ والحساب، حتى أتم دراسته الابتدائية عام 1851م وفى عام 1852م انضم إلى المدرسة الحربية فالتحق بالمرحلة التجهيزية من المدرسة الحربية وانتظم فيها يدرس فنون الحرب وأظهر شغفًا بالشعر العربي حتى تخرج من المدرسة الحربية عام 1855 برتبة "باشجاويش" والتحق بالجيش السلطاني.
التحق البارودى بالعمل بوزارة الخارجية وسافر إلى الأستانة عام 1857م، وتمكن أثناء إقامته هناك من إتقان التركية والفارسية ومطالعة آدابهما، وحفظ كثيرًا من أشعارهما، وأعانته إجادته للغة التركية والفارسية على الالتحاق بقلم كتابة السر بنظارة الخارجية التركية وظل هناك نحو سبع سنوات بين 1857-1863م.
وعندما سافر الخديوي إسماعيل إلى العاصمة العثمانية بعد توليه العرش ليقدم آيات الشكر للخلافة ، ألحق البارودي بحاشيته ، فعاد إلى مصر في فبراير 1863م، وعينه الخديوي إسماعيل معيناً لأحمد خيري باشا على إدارة المكاتبات بين مصر والأستانة.
وفي يوليو عام 1863م انتقل من معية الخديوي إلى الجيش برتبة بكباشي ، وأُلحقَ بآلاي الحرس الخديوي وعين قائدالكتيبتين من فرسانه ، وفي أثناء ذلك اشترك في الحملة العسكرية التي خرجت سنة 1865م لمساندة الجيش العثماني في إخماد الفتنة التي نشبت في جزيرة كريت، واستمر في تلك المهمة لمدة عامين أبلى البارودي بلاء حسنًا.
وبعد عودة البارودي من حرب كريت تم نقله إلى المعية الخديوية ياور خاصًا للخديوي إسماعيل، وقد ظل في هذا المنصب ثمانية أعوام، ثم تم تعيينه كبيرًا لياوران ولي العهد "توفيق بن إسماعيل" في يونيو 1873م ومكث في منصبه سنتين ونصف السنة، عاد بعدها إلى معية الخديوي إسماعيل كاتبًا لسره (سكرتيرًا)، ثم ترك منصبه في القصر وعاد إلى الجيش.
واشترك فى حروب الدولة العثمانية ضد روسيا ورومانيا وبلغاريا والصرب ومنحته الدولة العثمانية رتبة لواء تقديرا له على مجهوداته فى هذه الحرب وكان أحد المشاركين فى ثورة عرابى عام 1881م ضد الخديوي توفيق.
وأسندت إليه رئاسة الوزارة الوطنية في 4 فبراير 1882 حتى 26 مايو 1882 بسبب أستقالته احتجاجا علي قبول الخديو توفيق مطالب إنجلترا وفرنسا بإبعاد أحمد عرابي عن مصر.
وتم نفيه مع زعماء الثورة العرابية في 3 ديسمبر عام 1882م إلى جزيرة سرنديب (سريلانكا) حيث ظل في المنفى لأكثر من سبعة عشر عاماً يعاني الوحدة والمرض والغربة عن وطنه ، فسجّل كل ذلك في شعره النابع من ألمه وحنينه.
وفي المنفى شغل البارودي نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها ، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية ليعرفوا لغة دينهم الحنيف، وإلى اعتلاء المنابر في مساجد المدينة ليُفقّه أهلها شعائر الإسلام.
وطوال هذه الفترة قال قصائده الخالدة، التي يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله وأحبابه وأصدقائه وبعد أن بلغ الستين من عمره ساءت صحته، واشتدت عليه وطأة المرض وضعف بصره فقرر عودته إلى وطنه مصر للعلاج ، فعاد إلى مصر يوم 12 سبتمبر 1899م.
ترك العمل السياسي، وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم ، ويسمعون منه ، وكان على رأسهم شوقي وحافظ ومطران ، وإسماعيل صبري، فتأثروا به ونسجوا على منواله ، فخطوا بالشعر خطوات واسعة ، وأُطلق عليهم "مدرسة النهضة" أو "مدرسة الإحياء" توفي البارودي في 12 ديسمبر 1904م.