في بداية حديثه عن انتصار أكتوبر المجيد، يعود العميد درويش حسن درويش، قائد لواء مشاة سابق وزميل أكاديمية ناصر الذي شارك في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، يعود بالذاكرة إلى حرب الاستنزاف حيث يقول: "تخرجت من الكلية الحربية بدفعة 55 في يوليو 1969، وفور التخرج لم نأخذ سوي يومين أجازة قبل الانضمام إلى وحداتنا بالجيش الثاني الميداني، برتبة الملازم توليت قائد فصيلة مشاة في اللواء 16 التابع للجيش الثاني الميداني، المتمركز على الخط الدفاعي الأول على قناة السويس، بمنطقة القنطرة وشمالها وكان أمامنا 4 نقاط حصينة بخط بارليف بالقنطرة -المنطقة الحيوية- التي تتحكم في محاور عمق سيناء وحدودنا مع العدو الاسرائيلي".
يضيف العميد درويش لـ"البوابة نيوز": عند وصولي إلى القيادة باللواء 16 لم أستطع الالتحاق مباشرة إلى الكتيبة لاشتباكها وقتها مع العدو الاسرائيلي لمدة يوم وليلة، ثم التحقت بالكتيبة المتمركزة على الخط الأمامي لخط بارليف وكنت قائد فصيلة مكونة من 35 إلى 40 جندي مقاتل بالدعم المكون من مدافع ماكينة ورشاشات ومدفعية خفيفة ضد الدبابات وقذائف الهاون، وكنا ندافع على مسافة 300 إلى 500 متر في مواجهة العدو.
ويواصل درويش: كانت الاشتباكات تهدأ بالنهار وتنشط ليلًا، حيث كان العدو الإسرائيلي ينتج جميع أشكال النيران سواء مدفعية أو طيران أو هاون أو رشاشات ثقلية للتأثير على معنوياتنا وعزيمتنا القتالية وإزعاج قواتنا المصرية، وكنا نتبادل الأماكن ما بين التقدم لأداء مهامنا القتالية ثم العود للخلف وتدخل كتيبة أخري تتولى المهام، لنداوم على التدريب لما سيحدث في الحرب المستقبلة مثل تجهيز القوارب للعبور ثم العبور بها في موانع مائية شبيهة بقناة السويس ثم مهاجمة خط بارليف وذلك عبر عدة ميادين للتدريب مشابهة لخط بارليف بأماكن بالمحسمة والبعالوه بنطاق الجيش الثاني.
وكان المجندون على كفاءة عالية واحترافية فى القتال حيث كانوا خليط من الصعايدة والفلاحين الذين التحقوا بالتجنيد منذ 1967 ولم يخرجوا، وكانوا تواقين للقتال ولا يجول فى خواطرهم سوء الثأر وإزالة وصمة النكسة واستعادة الأرض، كما كنا نداوم على تغيير مواقعنا ولا نمكث أكثر من شهر تجنبًا للإصابة المجندين بأي صفات سلبية أو دفاعية وإنما كنا نغرس العقيدة القتالية والهجومية باستمرار بل نداوم على التدريب لعبور الموانع المائية ومهاجمة النقاط الحصينة للعدو حتى توقف القتال مع اتفاقية روجرز اغسطس 1970 الذى تم استغلاله في تحسين المواقع الدفاعية.
ساعة الصفر.. و9 أكتوبر أسرنا 35 اسرائيليا
وعن يوم العبور العظيم يقول عميد "درويش حسن درويش" إنه في يوم 6 أكتوبر، وبالتحديد في الساعة 12ظهرًا، علمنا أن الحرب ستبدأ بعد عودة الضربات الجوية لضرب أهداف في عمق العدو ثم التمهيد النيران للمدافع ثم نتحرك كجنود مشاة تحت ستر نيران المدفعية الساعة 2.20 ظهرًا عبور أول موجة.
ويضيف لـ"البوابة نيوز": بالفعل بدأنا كسلاح مشاة بتجهيز الشدة أو "الجلية" وبه احتياجاتنا لمدة 72 ساعة لأننا سنعبر على قوارب ثم نتسلق ساتر ترابي ثم نترجل ونقاتل ولن تصل لنا امدادات قبل 48 ساعة على الأقل بعد مد الجسور وعبور الدبابات ثم الامدادات، وبمجرد عودة أول سرب للطيران ليفزع الجنود بحالة فرحة ولم تلتزم بالتوقيت المحدد وعبرت الموجات الأولى في الساعة 2.10 ظهرا لنتسلق الساتر الترابي لخط بارليف بارتفاع 20 متر بزاوية 45 درجة ما يقارب عمارة بارتفاع 7 أدوار وكان الفرد يحمل احتياجاته وسلاحه وألغام وأخرين من يحمل مدافع بي 10 أو الماكينة الرشاش المضادات للدبابات وكانت أحمال وأثقال عالية ولكن مع التدريب والإرادة كانت لا تمثل لنا أي عبء، وبالفعل تسلقنا الساتر الترابي ووطأة أقدامنا سيناء بالضفة الشرقية لقناة السويس.
ويواصل "درويش": كنت وقتها برتبة "نقيب" بالسرية الثانية من الكتيبة 18 باللواء 16، وكانت خطتنا تعتمد على تجنب النقاط الحصينة لخط بارليف في منطقة الدفرسوار وشمالها عند البحيرات الُمرة ونعبر من شمالها وندفع بقوة تحاصرها بحيث نحاصرها ونقطع عنها أي امدادات أو دعم تمهيدًا للاستيلاء عليها، وبالفعل في 9 أكتوبر هاجمنا هذه النقاط المحاصرة لمدة 3 أيام رغم أنها كانت تستطيع الدفاع لمدة شهر كامل، وعبر تشكيلات من الدبابات والمشاة واستولينا على النقطتين وأسرنا 35 جندي وضابط وطبيب من نقاط الدفرسوار الشمالية والجنوبية وكنا أول مرة نري جنود وضباط العدو ووقتها انتاب الجنود حالة من الثأر والانتقام ولكننا تمالكنا غضبنا وأسرناهم أحياء تمهيدًا لتسليمهم للمخابرات الحربية لاستجوابهم والاستفادة من معلوماتهم.
ويواصل "درويش": كانت تخصص لنا المهام كمدرعات ومشاة تباعًا ومهام بشكل يومي عن طريق عقد هجوم على 4 إلى 5 كيلومتر ثم تطوير المهام بحسب أوامر القيادة العليا للقوات المسلحة، وكنا نواجه الدبابات ونمنع أي مدرعات للعدو والسيطرة على مساحات بعمق سيناء يصل إلى 12 إلى 15 كيلومتر وكسر وتعرية كذب " الجيش الذى لا يقهر".