رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

49 عاما على نصر أكتوبر| المقاتل المصرى صانع البطولات.. و«الخداع الاستراتيجى» مُفتاح الانتصار

نصر أكتوبر المجيد
نصر أكتوبر المجيد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قبل ٤٩ عاما، كان المصريون على موعد مع أحد أهم الأحداث فى تاريخهم الحديث.. يوم أن حطم الجنود المصريون أسطورة «الجيش الذى لا يقهر»، وعبروا إلى الضفة الشرقية من قناة السويس، مُدمرين مواقع العدو الإسرائيلى، فى ٦ ساعات، أضحت فيما بعد مرجعًا أساسيًا لكل الجيوش العالمية الحديثة، ووصفها المؤرخون العسكريون بأنها «معجزة عسكرية مُكتملة الأركان».. قبل ٤٩ عاما، كان يوم النصر ٦ أكتوبر ١٩٧٣.

أيام قبل النصر 

بالعودة إلى أيام ما قبل حرب أكتوبر، كانت إسرائيل قد قضت السنوات اللاحقة لحرب يونيو ١٩٦٧ فى إنفاق مبالغ طائلة لتحصين مراكزها فى شبه جزيرة سيناء المُحتلة، حيث أنشأت سدًا ترابيًا على طول الضفة الشرقية بارتفاع يصل لـ٢٠ مترًا أحيانًا لمنع عبور أى مركبة برمائية من القناة إلى الضفة الشرقية، كما بنت خطًا دفاعيًا أُطلق عليه «خط برليف» على طول السد الترابى، مكوّن من ٣٥ حصنا، تتحمل قصف المدفعية، وتحيط بها ألغام بإمكانها غمر القناة بالنيران الكثيفة لمنع أى عبور.

أما على الجانب المصرى، فكانت نكسة ١٩٦٧ بداية لإعادة تنظيم وتدريب وتسليح الجيش، ولأكثر من ٣ سنوات؛ خاض الجندي المصرى حرب الاستنزاف، وقام فيها بعمليات استثنائية كبدت العدو خسائرًا فادحة فى الأفراد والمعدات، وفى الوقت ذاته أوهمت مصر العدو، بأنه لا نية لشن هجومًا لاسترداد الأرض من خلال خطة خداع استراتيجى مُحكمة، نفذتها القوات المسلحة، بالتنسيق مع مؤسسات الدولة، لكن ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.

العبور

ففى الساعة الثانية من السادس من أكتوبر ١٩٧٣، والموافق العاشر من رمضان، عبرت (٢٢٢) طائرة مقاتلة مصرية شرق القناة، ونجحت بنسبة ٩٥٪ فى القضاء على محطات تشويش العدو، وراداراته، وبطاريات دفاعه الجوى، وتجمعات أفراده ومدرعاته ودباباته ومدفعيته ومخازن ذخيرته، فضلًا عن استهداف النقاط الحصينة فى خط بارليف، فيما قصفت المدفعية المصرية التحصينات الإسرائيلية بشكل مكثف تمهيدًا لعبور المشاة.

٦ ساعات، كانت كافية للجندى المصرى، فى أن ينهى أسطورة «الجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهر»، حيث تمكن سلاحا المهندسين والصاعقة المصرية من اختراق خط بارليف المنيع، وفتح ثغرات فى الساتر الترابى باستخدام خراطيم مياه شديدة الدفع، ثم توغل ٦٠ ألف جندى من المشاة، بالدبابات والمدرعات، حوالى ٢٠ كيلومترا شرق قناة السويس.

وكانت القيادتان المصرية والسورية، قد خططا معًا لدخول الجولة الرابعة من جولات «الصراع العربى - الإسرائيلي»، بمهاجمة المُحتل على الجبهتين فى وقت واحد، لاستعادة «شبه جزيرة سيناء» و«هضبة الجولان». حدد الجيشان موعد الهجوم فى السادس من أكتوبر ١٩٧٣، تزامنًا مع احتفال الإسرائليين بعيد الغفران اليهودى. وبينما حقق المصريون العبور العظيم، حقق أيضًا السوريون نجاحًا كبيرًا فى اليوم الأول من الحرب.

الخداع الاستراتيجي

لأن التاريخ العسكرى العالمى برهن على أن عنصر «المفاجأة» أهم مفاتيح النصر فى الحروب، كان لا بد من خطة مُحكمة للخداع الاستراتيجى قبل استرداد الأرض بالقوة فى حرب أكتوبر ١٩٧٣.

كان الهدف من «خطة الخداع الاستراتيجى» تضليل العدو الإسرائيلى، وإيهامه بأنه «لا دليل على شن مصر هجومًا لاسترداد الأرض» من خلال إحكام السيطرة على كل ما يتلقاه من معلومات بمُختلف الطرق، فظل العدو ساكنًا، وظلت تحركاته أقل من الطبيعى. وهى الخطة التى نفذتها القوات المسلحة، بالتنسيق مع جميع مؤسسات الدولة.

تضمنت خطة الخداع عدة إجراءات أوهمت العدو بـ«عدم اقتراب الهجوم».. فالرئيس أنور السادات مثلًا، صدر صورة للعالم، بأن مصر تسير فى طريق آخر غير الحرب، بالبحث عن حلول سلمية، كما قام بإنهاء مهمة الخبراء السوفييت فى يوليو ١٩٧٢، ووضح للجميع أن مصر تقبل حالة «اللا سلم واللا حربـ«، بعد إعلان عام الحسم أكثر مرة، دون جدوى.

على مستوى الجبهة الداخلية، استوردت مصر مخزونًا استراتيجيًا من القمح يكفيها أثناء الحرب، بعد أن قامت المخابرات بتسريب معلومات مغلوطة بأن أمطار الشتاء غمرت الصوامع، وأفسدت جميع ما بها من أقماح، كما أخلت المستشفيات المستهدفة لاستقبلال حالات الطوارئ، بعد أن أشاعت خبرًا، باكتشاف تلوث تلك المستشفيات بميكروب.

أما على مستوى الجبهة القتالية، تضمنت خطة الخداع، صدور قرار بتسريح ٣٠ ألف مجند، فى يوليو ١٩٧٢، كان معظمهم خارج التشكيلات المقاتلة الفعلية وفى مواقع خلفية، بالإضافة لتوصيل معلومات مغلوطة إلى العدو الإسرائيلى تُفيد بأن القوات المصرية ستقوم بعمل عسكرى موسع فى مايو ٧٣، وأخرى تُفيد بأن العملية ستكون فى أغسطس ١٩٧٣، مما جعل إسرائيل تعلن التعبئة العامة مرتين، دون أى تحرك مصرى.

وفى ٢١ أغسطس ١٩٧٣ حضر القادة السوريون فى ملابس مدنية على إحدى السفن القادمة للإسكندرية من أجل تحديد موعد الهجوم المشترك، واستغلت القيادة السورية توتر موقفها مع إسرائيل بعد المعركة الجوية بينهما فى ١٣ سبتمبر ١٩٧٣، لتحشد قواتها أمام أعين العدو. وفى مصر، تم الإعلان فى ٢٧ سبتمبر عن تعبئة ١٢٠ ألف جندى، وفى ٤ أكتوبر تم تسريح ٢٠ ألفا منهم على أن يتم تسريح العدد المتبقى منهم  تباعًا.

ومع اقتراب موعد الحرب، تم الإعلان عن زيارة قائد القوات الجوية، اللواء حسنى مبارك، إلى ليبيا يوم ٥ أكتوبر، ثم تقرر تأجيل الزيارة لعصر اليوم التالى ٦ أكتوبر ١٩٧٣. بالإضافة لتوجيه الدعوة إلى وزير الدفاع الرومانى لزيارة مصر يوم ٨ أكتوبر، على أن يكون فى استقباله شخصيًا بالمطار وزير الدفاع؛ الفريق أول أحمد إسماعيل والإعلان رسميًا أيضًا عن استقبال الأميرة البريطانية «مارجريت» فى ٧ أكتوبر.

مُفتاح النصر

وقبل ساعات من الحرب، كان الخداع الاستراتيجى الأبرز، هو الإعلان عن قيام قوات الجيش المصرى بعمل مناورة عامة، على غرار مناورات الخريف السنوية، تبدأ أول أكتوبر وتنتهى فى ٧ أكتوبر ١٩٧٣، كما نشرت الصحف المصرية، فى ٣ أكتوبر ١٩٧٣، خبرًا عن فتح باب العمرة لأفراد الجيش، حيث يُمكن لهم تسجيل أسمائهم ضمن الموفُدين فى رحلة العمرة المُعلنة اعتبارًا من يوم ٩ أكتوبر. وشوهد الجنود المصريون على الضفة الغربية للقناة، صبيحة يوم الحرب، وهم فى حالة استرخاء وخمول، تمهيدًا للمفاجأة مُفتاح النصر.