شهدت السينما المصرية عقب الانتصار فى أكتوبر 1973 حالة من الارتباك، فما بين سينما الستينيات التى تميز الكثير من أفلامها بأنه مأخوذ من أعمال أدبية، أو تدعو إلى قيم ومفاهيم تتناسب مع التوجه الاشتراكي للدولة فى ذلك الوقت، جاءت الفترات التى أعقبتها كمرآة تعكس التحول الذى صار إليه المجتمع. وجاءت أغلب الأفلام التي تم إنتاجها بعد الحرب مُتسرعة، ومفتقدة القيمة الحقيقية للملحمة التي كان من المفترض أن تظهر، فجاءت أفلام الحرب متوسطة القيمة أو ضعيفة.
بعيدا عن الحكاية
ضم أرشيف السينما المصرية عن حرب أكتوبر لعقود خمسة أفلام فقط لا غير، هى التى تناولت فى جزء منها المعارك. حيث شهد العام التالى للحرب 1974 ثلاثة أفلام من الخمسة هى «الرصاصة لا تزال فى جيبي»، من إخراج حسام الدين مصطفى، وعن قصة إحسان عبدالقدوس، وسيناريو وحوار رأفت الميهي، و«بدور» من تأليف وإخراج نادر جلال، و«الوفاء العظيم» من تأليف فيصل ندا وإخراج حلمى رفلة؛ وهناك فى العام نفسه فيلم آخر لم يتناول حرب أكتوبر طوال أحداثه، ولكنه عرض فى دقائقه الأخيرة اللحظات الأولى من العبور، وهو فيلم «أبناء الصمت» من تأليف مجيد طوبيا ومن إخراج محمد راضي.
فى العام التالى 1975 تم إنتاج فيلم «حتى آخر العمر» من تأليف نينا الرحبانى ويوسف السباعى وإخراج أشرف فهمي، بعدها انتظرت السينما المصرية ثلاث سنوات ليخرج «العمر لحظة» من إنتاج عام ١٩٧٨، ومن تأليف وجيه نجيب وإخراج محمد راضي. هذه الأفلام جميعًا جاءت فيها الحرب كسيرة هامشية على حياة أبطال قصصها دون تناول الحدث نفسه بشكل يستحق.
ثم انتظرت الأعمال الحربية عشرين عامًا حتى يخرج فيلم «الطريق إلى إيلات» فى عام 1933 من تأليف محفوظ عبدالرحمن وإخراج إنعام محمد علي، ثم أحد عشر عامًا أخرى ليأتى فيلم «يوم الكرامة» عام 2004 من تأليف جمال الدين حسين وإخراج على عبد الخالق. وهناك فيلم آخر هو «حائط البطولات»، والذى انتظر عشرة أعوام ليراه الجمهور فى عام 2014 وهو من تأليف مصطفى بدر وإبراهيم رشاد وإخراج محمد راضي، يتبقى فيلم آخر خرج من أعمال الأديب الراحل جمال الغيطانى هو «حكايات الغريب» الذى عُرض فى عام 1992، سيناريو وحوار محمد حلمى هلال وإخراج إنعام محمد علي، والذى تناول الحرب من منظور إنسانى. ثم أحدث الأفلام وهو فيلم "الممر"، والذي عرض عام 2021، وتناول حكاية في فترة حرب الاستنزاف.
أفلام إسرائيلية.. انكسار صور الـ "صبّار"
على عكس المصريين. ورغم أنها تلقت أكبر هزيمة في تاريخها على يد الجيش المصري، إلا أن إسرائيل صنعت العديد من الأفلام السينمائية التي تناولت الحرب وركزت على صدمة الهزيمة والسخرية من القيادة الإسرائيلية، وانهيار أسطورة الجيش الذي لا يُقهر أمام أول زحف عسكري عربي منظم؛ وانكسار صورة الشخصية الإسرائيلية التي وصفتها دعايتهم بأنها كـ«الصبار» الذي نشأ وسط صحراء قاحلة وكافح للبقاء، بحسب تقرير نشرته سابقًا صحيفة «معاريف» الإسرائيلية.
أشارت أغلب أفلام سينما الحرب إلى الصدمة والمرض والإصابات، مع اختفاء روح التفاخر والتباهي بالقدرات العسكرية والاستراتيجية التي كانت موجودة في أفلام ما قبل أكتوبر، ليتم استبدالها بالجوانب الإنسانية وخبرات المواطنين والجنود وتأثير الحروب على نفسيتهم وتعاملهم مع الحياة، وذلك لكسب التعاطف الدولي بتصوير مآسي الحرب.
الفيلم الإسرائيلي الأشهر عن حرب أكتوبر هو فيلم «كيبور»، والذي يدور حول الهجوم المصري والسوري المفاجئ على جيش دولة الاحتلال؛ متناولًا كيف تحولت مشاعر الإسرائيليين من بداية اليوم المفعمة بالهدوء والسكينة إلى نهاية اليوم المثقل بالجراح والقتل والهزيمة، وكيف استقبل الفرد الإسرائيلي وقع الخبر وكيف أثر الأمر على حياته اليومية.
من هذه الأفلام كذلك يبرز فيلم «عيون كبيرة» الذى أخرجه وقام ببطولته أوري زوهير عام ١٩٧٤؛ ورغم أن الفيلم لم يذكر شيئًا عن المعارك التي دارت في هضبة الجولان وصحراء سيناء، لكنه استطاع تجسيد الصدمة الاجتماعية فى إسرائيل.
تدور أحداث الفيلم بالكامل داخل مدينة تل أبيب، وتتناول صراعًا عاطفيًا بين مدرب كرة سلة جسده زوهير، ولاعب كرة سلة قام بدوره إريك آينشتاين مُتضمنًا أجواء الهزيمة داخل عاصمة دولة الاحتلال، حيث أخبار الأسرى، وتغيب الطلاب عن المدارس، وصافرات الإنذار والهرولة نحو المخابئ.
ويحكي فيلم «النسر» قصة شاب إسرائيلي عائد من حرب أكتوبر إلى تل أبيب مصطحبًا معه صديقيه؛ الأول فارق الحياة والثاني مصاب بجرح غائر، ليُشاهد في الشوارع الآباء والأمهات الثكالى، والبكاء الذي خيم على كل شيء بعد الهزيمة.
بالفعل يذهب الشاب لأسرة صديقه الميت ويقدم لأسرته قصيدة كان قد كتبها قبل وفاته، لتجد الأسرة العزاء الذي يصبرهم على فراقه، ليحاول الشاب تعويض الأسر التي فقدت أبناءها، وعندما يتم استدعاؤه للخدمة العسكرية مرة أخرى يطلب من كل شاب أن يحمل فى جيبه قصيدته الخاصة. ويعرض فيلم «يوم الحساب» من بطولة الممثل الإسرائيلي جورج عوفاديا حياة مدير فندق أدرك خيانة زوجته له، وقرر الهجرة إلى الولايات المتحدة، لتندلع حرب أكتوبر بعدها بفترة ليست بالبعيدة؛ هكذا يقرر العودة مرة أخرى للمشاركة في الحرب؛ وبالفعل ينضم إلى إحدى كتائب الاحتياط في سيناء، ليُصاب بعدها إصابة بالغة ويدخل المستشفى ويحتاج إلى نقل دم من فصيلة نادرة.
ويتناول فيلم «تنسيق النوايا» حياة جندي إسرائيلي متدين، وتجربته الحياة مع غياب صديق طفولته الذي كان يقود دبابة واختفى خلال الحرب؛ وكان الفيلم في الأساس كتابًا ألفه الحاخام الإسرائيلي حاييم ساباتو عام ١٩٩٩، ورغم التركيز على حياة الجندي إلا أن الفيلم لم يتناول أيضًا الحديث عن المعارك التي دارت.