رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن القمة التي جمعت الرئيس الأمريكي جو بايدن مع زعماء 14 دولة من جزر المحيط الهادئ في نهاية سبتمبر الماضي ليست كافية لمحو آثار ماضي الولايات المتحدة في المنطقة، والمتمثل في عشرات الاختبارات النووية سيئة التنظيم.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن استقبل في البيت الأبيض زعماء 14 دولة من جزر المحيط الهادئ في قمة غير مسبوقة مع المنطقة، مضيفة أن الاجتماع اختتم بإعلان مشترك تضمن 11 نقطة، وتعهد خلاله المشاركون بتوثيق التعاون مع الولايات المتحدة مستقبلا.
وأوضحت المجلة أن الإعلان نص على أن "جزر المحيط الهادئ تستشعر التزام الولايات المتحدة الأمريكية بتعزيز وتعميق تعاونها الأمني في المنطقة" في "بيئة جيوسياسية متزايدة التعقيد"، في إشارة غير مباشرة إلى نفوذ الصين المتزايد في المنطقة.
ورأت "فورين بوليسي" أن هذا الإعلان، على الرغم من كونه نجاحا دبلوماسيا للولايات المتحدة، إلا أنه على مستو أقل مما يبدو عليه؛ إذ لاتزال واشنطن تواجه تحديات كبرى في المنطقة، لا تتمثل في منافسة الصين فحسب، فقد رفضت جزر سليمان قبل بدء القمة التوقيع على الإعلان وحاولت إقناع باقي القادة لرفضه.
وترى المجلة الأمريكية أن "هذه المقاومة لا ترجع إلى النفوذ الصيني فقط"، فالولايات المتحدة لديها سجل طويل من الانتهاكات في جزر المحيط الهادئ لا تزال تشكل سياسات المنطقة، فخلال القرن العشرين، أجرت الولايات المتحدة عشرات من الاختبارات سيئة التنظيم للأسلحة النووية وألقت بالنفايات النووية في المحيط الهادئ عشرات المرات، مضيفة أنه تم وضع المصالح العسكرية الأمريكية مرارا وتكرارا كأولوية قبل مصالح السكان المحليين.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى توثيق مقرر خاص للأمم المتحدة في عام 2012 لكيفية إضرار الولايات المتحدة بجزر مارشال من خلال التجارب النووية التي أجريت على مدار أكثر من عقد، إذ وجدت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة أن الإشعاع الناتج عن 67 تجربة نووية أجرتها الولايات المتحدة في الجزر من عام 1946 إلى عام 1958 لا يزال يؤثر على صحة جزر مارشال ويلوث أراضيهم بشكل دائم، بالإضافة إلى أنه لا يزال العديد من الأشخاص يعانون من النزوح إلى أجل غير مسمى، كما يرى البعض أن التلوث النووي في جزر مارشال أسوأ بكثير مما هو عليه في كارثتي تشرنوبيل الأوكرانية، وفوكوشيما اليابانية.
ورأت "فورين بوليسي" أن ما سبق يمثل انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان وليست حوادث منعزلة، وترى دول المنطقة أنها تتطلب اعترافًا وتعويضات، مؤكدة أن هذا الماضي لا يمكن حله ببساطة من خلال عشاء فاخر في واشنطن حتى وإن كانت الولايات المتحدة تأمل في ذلك.
وأوضحت المجلة أن علاقة الولايات المتحدة بجزر مارشال تعد مثالا على ذلك، إذ تشمل هذه العلاقة الثنائية شراكة أمنية يحكمها ميثاق الارتباط الحر (COFA)، الذي ينتهي في عام 2023، ومن المقرر إعادة التفاوض عليه بحلول نهاية العام، مضيفة أن جزر مارشال أصرت على أن التعويضات عن إرث التجارب النووية الأمريكية في المنطقة يجب أن تكون جزءًا من هذه المفاوضات، لكن واشنطن لم تقدم حتى الاعتراف الكامل بأفعالها السيئة في جزر مارشال، ونتيجة لذلك علقت جزر مارشال المحادثات لتجديد الشراكة الأمنية، مشيرة إلى أنه على الرغم من رغبة إدارة بايدن في إعادة التفاوض بشأن الميثاق في أقرب وقت إلا أنها لم تفعل شيئا يذكر للخروج من هذا المأزق.
ورأت المجلة الأمريكية أن القمة التي عقدت الأسبوع الماضي لم تقدم شيئا لتغيير هذا السجل المؤسف، مشيرة إلى أن الإعلان تضمن في النقطة العاشرة إشارة إلى "إرث الصراع وتعزيز عدم انتشار الأسلحة النووية"، "انتهت الحرب العالمية الثانية منذ ما يقرب من 80 عامًا، لكن ندوبها ظلت في المحيط الهادئ نحن أيضًا نعترف بالإرث النووي للحرب الباردة".
وأشارت المجلة إلى أن لغة الإعلان في النقطة المتعلقة بجزر مارشال صيغت بعناية لتجنب أي اعتراف بمسئولية الولايات المتحدة عن "مخاوف" جزر مارشال، وكانت الصياغة كالآتي "تظل الولايات المتحدة ملتزمة بمعالجة الشواغل البيئية والصحية العامة المستمرة لجمهورية جزر مارشال وغيرها من الشواغل المتعلقة بالرفاهية".
كما نص الإعلان في النقطة العاشرة على أن "الولايات المتحدة ملتزمة بإزالة الذخائر غير المنفجرة والتخلص منها بأمان، وتقر بموجب ذلك بمخاوف دول جزر المحيط الهادئ بشأن مخلفات الحرب العالمية الثانية الأخرى"، إلا أنها لم تتطرق إلى التعويضات المالية عن هذا الإرث من الأعمال العسكرية.
ولفتت "فورين بوليسي" إلى أنه الوقت نفسه وبدلا من الحديث عن التعويضات، نشرت "ورقة حقائق" بالتزامن مع القمة أشارت إلى مشاكل جزر المحيط الهادئ فيما يتعلق بالحكم والمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأضافت المجلة أنه بالنسبة للعديد من سكان جزر المحيط الهادئ، فإن النفاق المتمثل في عدم ذكر خروقات الولايات المتحدة لحقوق الإنسان هو أمر مثير للغضب، موضحة أن هذا جزء من السبب في التعامل مع الصين، التي ليس لديها سجل للجرائم النووية تجاه دول جزر المحيط الهادئ، كبديل محتمل عندما تعلق الأمر بشراكات السياسة الخارجية، بما في ذلك اتفاقها الأمني مع جزر سليمان.
وتابعت "فورين بوليسي" تقول إنه علاوة على ذلك، ينص الإعلان الوارد في النقطة 10 على ما يلي: "إننا متحدون في دعمنا لنظام عدم انتشار الأسلحة النووية، بما في ذلك معاهدة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب المحيط الهادئ ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؛ فضلا عن الدور المهم للوكالة الدولية للطاقة الذرية"، إلا أنه لم تتم الإشارة إلى الخطوات التي تتناقض مع هذه الخطط، بما في ذلك خطط الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وأستراليا لزيادة عدد الغواصات النووية في المحيط الهادئ بموجب ما يسمى باتفاقية "أوكوس AUKUS" التي تهدف إلى مواجهة الصين.
ورأت المجلة أن الولايات المتحدة تحتاج أيضا إلى الواقعية عندما يتعلق الأمر بحجم حزم المساعدات التي هي على استعداد لتقديمها للمنطقة، فخلال القمة، أعلنت إدارة بايدن عن مساعدات بقيمة 810 ملايين دولار، مشيرة إلى أنه قبل القمة أكدت ثلاث دول من جزر المحيط الهادئ - في رسالة إلى كورت كامبل، منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ - أنها تشعر بالقلق من أن هذا المستوى من "المساعدة الاقتصادية غير كافٍ"، إذ تحتاج الجزر إلى تخفيف جاد لآثار تغير المناخ، حيث سيختفي بعضها تحت الماء مع تقدم تغير المناخ.
واختتمت المجلة بأن "ما تُظهره عملية التفاوض هو أن جزر المحيط الهادئ تدرك جيدا أهميتها الجيوستراتيجية المتجددة ولا يمكن أن تتأثر بسهولة بالعروض الرمزية من الولايات المتحدة، لقد لعب زعماء الجزر الآن أوراقهم في واشنطن، لكن ذلك لن يكون نهاية المفاوضات. ستكون مجرد الخطوة الأولى للعب شركائهم المحتملين ضد بعضهم البعض. الخطوة التالية هي معرفة رد الصين على الإعلان".