في إحدى المحاضرات سأل المُحاضر الحاضرين، عندما تموت ما هو الشيء الذي تحب أن يحدث، فقال أحدهم أن أموت بلا ديون، وقال آخر أن أترك لأولادي ثروة ينعمون بها وأحميهم من غدر الأيام، ثم وقف آخر وقال أتمنى أن ينظر الناس إلى صندوقي وهم يصلون علي ويقولون إن من في هذا التابوت لم يؤذي أحدا ولم يظلم أحدا ولم يبخل بمساعدة أو خير على أحد، وسوف نتذكره طول العمر بكل الخير، نعم أريد أن يتذكرني الناس بكل الخير.
واعتقد هذا ما حدث مع صديقنا الحاضر الغائب أسامة عيد، فلم يُذكر اسم أسامة إلا وذُكر معه كل ما كان يفعله سواء كنا نعلم به أم لا، فكلَ منا له حكاية معه، ننتظر الوقت الذي يُذكر فيه اسمه حتى نتسابق كلنا لنحكي ونحكي، وتستطيعون الآن أن تتصفحوا صفحات اصدقائه على الفيس بوك لن تجدوا إلا حكايات عنه لن تجدوا إلا الحنين إليه والحزن الساكن قلوبنا عليه، وللصدق فهو يستحق.
أسامة لم يولد في ترف أو في فمه ملعقة ذهب كما يقولون، فعندما كان في مقتبل عمره وبداية رسمه لمستقبله توفي والده تاركًا له خمس من الأخوة أصبح هو عائلهم والمسئول عنهم، وكان نعم الأخ والأب، كان يحملهم في قلبه وعقله، كان همه هو ان يطمئن عليهم حتى انه لم يفكر في الزواج وعاش لهم، ليس لأسرته فقط بل كان مجاملًا لأسرته الكبيرة في قريته بالمنيا، فتجده يجامل هذا في افراحه، ويجامل ذاك في احزانه، وكأنه معهم، لم يستطع وجوده في القاهرة أن ينسيه اقرانه وبلدياته في صعيد مصر.
أسامة كان حلو اللسان دمث الخُلق، كل من تعامل معه يشهد له بالاحترام والخلق الجميل، كان اجتماعيًا يحب الاصدقاء ويحب تكوين الصداقات، خفيف الظل ضحكوك، لا يهاب شيئًا، ولا يخشى في الحق لومة لائم، وعلى الرغم من الهجوم الذي طال اسامه من بعض المخالفين له وصل الى حد اغلاق صفحاته على الفيس وتهديده الا انه لم يخضع او يرضخ، فقد كان امينًا لرسالته، وكان يعلم ان سر نجاح الصحفي في قوله الحقيقة وعدم الترنح بين الآراء، لم يصنع له آلهًا ن البشر يسير وراءه مغمض العينين بل كان مئمنًا ان حياته في يد الله سبحانه وتعالى فقط، فلم يعرف قلبه الخوف من البشر.
لقد تعرفت على اسامة عندما كنت ادعوه لصالون ثقافي كان يديره أستاذنا الكبير سليمان شفيق، تحدثنا لاول مرة وكأننا نعرف بعضنا بعض، فقد حدثني عن معرفته بأستاذ سليمان وكيف انه أثر فيه وساعده، ثم بعد ذلك قدم لي يد المساعدة والتعليم فكان يساعدني في نشر المقالات التي اكتبها، ويشجعني على التطور، دون ملل او بخل في تقديم المعلومة والتعليم، لم اكن اعرف مع من يتواصل لينشر هذه المقالات، حتى بعد ذهابه الى ربه، فوجئت بالأستاذ نصر القوصي يبعث لي برسالة ويقول ان اسامة وهو في الايام الاخيرة له قد أوصاه علي وعلى شخص آخر، وقال له ابحث عنهم واكمل ما بدأناه، حتى بعد وفاته كانت "جدعنته سبقاه".
واعتقد ان ما ذكرته هو نقطة في بحر ما كان يفعله ويقدمه اسامة، فلنا صديقة مشتركة تعيش في أمريكا مع عائلتها من سنوات هي السيدة نادين وديع وزوجها الاستاذ عماد رمزي، عندما سألتها عن اسامة قالت: "اسامة الله يرحمه من الناس الجميلة ولاد البلد الجدعان صح.. احنا عرفنا اسامة انا وعماد كصديق من الفيس وحصل ان كان فرح ابني وعملت دعوة على الفيس الاصدقاء اللي يحبوا يشاركونا فرحتنا ومتوقعتش ابدا انه يجي لأننا مكناش قبلناه قبل كدا ومع ذلك حضر وكان فرحان اوي وشاركنا فرحتنا وكأنه واحد من الأهل.. بعدها كنت محتاجة حد يساعدني اني احصل على internship لفصل مطلوب في الماچستير.. اسامة من مصر قدمني لصديق له يقدر يساعدني ووصلنا ببعض وفعلا صديقه واستاذنا ( محب غبور) قدملي الخدمة دي.. أسامة كان بيساعد اي حد يلجأ له بدون مقابل.. ربنا يرحمه على أد محبته للناس كلها بلا تمييز" كلي ثقة انني لو سألت كل من كانوا يعرفونه لسمعنا قصصًا وحكايات عن جدعنته وشهامته وحبه للناس.
أسامة .. لو ظللنا نكتب عنك الى ان تجف الاقلام لن ننتهي ابداً، كنا نتمنى ان تكون بجانبنا نتعلم من بعض ونتشارك الاحداث سويًا ولكنها مشيئة الله، هنيئًا لك يا صديقي بحب اصدقاؤك لك، هنيئًا لك بالذكرى العطرة والسيرة الحلوة، هنيئًا لك بالمكان الافضل بعيدًا عن ارض الشقاء، ربنا يعزينا ويصبرنا على فراقك ويصبر والدتك واخواتك.