سادت حالة من الحزن بين الأوساط الثقافية بمحافظة الأقصر، خلال الساعات الماضية، بعد الإعلان عن نبأ وفاة المثقف والباحث عبد المنعم عبد العظيم، مدير مركز تراث الصعيد في الأقصر، عن عمر يناهز الـ77 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، وبدأ تلقي العزاء اليوم السبت، بديوان العائلة بمنطقة الترعة بأرمنت الوابورات جنوب غرب الأقصر.
الباحث عبد المنعم عبد العظيم، أصبح ذاكرة لمحافظة الأقصر، ولم يخلُ أي تقرير أو تحقيق أو بحث يتحدث عن محافظة الأقصر أو عاداتها أو تقاليدها، من اسم الباحث كمرجع هام يعتمد عليه صاحب التقرير، في الحصول على المادة الخاصة به، وكان يمتلك مكتبة متنوعة من كتب التراث، تعد مرجعية لكثير من الباحثين، كما لقبه العاملون بالمجال بالموسوعة الثقافية والتراثية.
نشأة المفكر الأقصري عبد المنعم عبدالعظيم
ولد الباحث عبد المنعم عبد العظيم في مطلع شهر يناير عام 1945، بإحدى قرى مدينة أرمنت، وحصل على ليسانس حقوق من جامعة أسيوط، ودبلوم المعهد العالي الصناعي بالإسكندرية، ودبلوم التربية وتعليم الكبار، كما حصل على شهادة المستوى في اللغة الإنجليزية من الجامعة الأمريكية، وهو متزوج وله أربعة أبناء (عبير تعمل طبيبة أسنان بالإسكندرية - علياء حاصلة على بكالوريوس خدمة اجتماعية - أمل حاصلة على ليسانس حقوق - حسن حاصل على ليسانس آداب آثار ويعمل في السياحة).
عمل عبد العظيم، كمدير مشروعات بمصانع سكر أرمنت سابقا، ومدير مركز الثقافة العمالية بأرمنت، رئيس جمعية رواد الثقافة بأرمنت، ووكيل الجمعية الخيرية الإسلامية، ووكيل جمعية تنمية المجتمع الصحراوي، ورئيس تحرير مجلة أرمنت، ومحرر بجريدة الأقصر، عضو جمعية خبراء السكر المصرية.
كتب في عدد من الصحف القومية والمستقلة، كما أنه شاعر وله ديوان بعنوان (من الأرض المحتلة) ، وحاز عددا من الجوائز من وزارة الثقافة كفنان تشكيلي، وحصل على المركز الأول في الديكور المسرحي لمدة 4 سنوات، والمركز الثاني في الفنون التشكيلية 5 سنوات بدوري الشركات.
زار المفكر الراحل، الاتحاد السوفيتي وشرق أوربا بوفد سياسي، عندما كان أمينا للشباب وعضو اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي، وعضو بتنظيم طليعة الاشتراكيين ( التنظيم الطليعي).
كتاباته
صدر له كتاب ( 3 مارس.. الطريق إلى نجع البارود) ، (إدريس نبي من مصر) ، وله مجموعة من الدراسات المقارنة في القانون، ودراسة عن التطرف والإرهاب حصلت على الجائزة الثانية لبحوث الجامعة العمالية.
كان الكاتب الراحل، يهتم بإظهار الوجه الحضاري لمحافظة الأقصر طريقة مبسطة سلسة، وكان أهم تصريحاته عندما عتب على بعض الصحفيين والإعلاميين في طريقة استقائهم للمعلومات والتاريخ العريق للمحافظة قائلا: "اﻵقصر لها تاريخها العريق والعميق ولكن الإعلاميون نسوا تاريخ المرأة المشرف واختصروها في المرأة المسترجلة وجعلوا منها رمز للمرأة اﻻقصريه و نسوا نفروكاويت الملكة التي أقامت أول مركز ثقافي في التاريخ، اياحتب بطلة حرب التحرير من الهكسوس وحتشبسوت وامليا بطرس أندراوس أول من أقامت مدرسة للبنات في الأقصر في العشرينات و كل رموز الحركة النسائية في اﻻقصر، ارتفعوا بمستوي حضارة مدينتكم".
أسس عبدالعظيم، بعد خروجه على المعاش في منزله وحدة تضم تراث الصعيد، حيث كان دائم كتابة المقالات التراثية عن الصعيد وشخصياته وفنونه، واستطاع الباحث أن يكون من الوجوه الدائمة في الحديث عن الآثار والتاريخ في الصعيد في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية، بل قام بالتفتيش في الأوراق القديمة لتدوين تاريخ مدينته أرمنت، وقصور الأقصر القديمة في مقالات أثرية.
أهالي الأقصر ينعون الباحث الراحل
فور انتشار خبر الوفاة ضجت وسائل التواصل بنعي الكاتب والمفكر الكبير ابن الأقصر "عبد المنعم عبد العظيم" ، حيث قالت الدكتورة أسما البتيتي في نعي الكاتب الراحل "كنت أخشى الأقدار أن تحمل لنا خبر رحيله يوما للحد الذي جعلني أدعو له غيباً كل يوم وفي كل لحظة أن يعافيه َويمد في عمره ليبقى بيننا بكامل عافيته وعلمه وثقافته..رحل عنا من كان يعرف عن هويتنا وأرضنا وتاريخنا وكل شبر في بلادنا ما لا يعرفه غيره كان غزير العلم صاحب منارة عظيمة أخذ ينهل منها الجميع دون اكتفاء، كان مخلصاَ محباَ لصعيدنا الغالي حباَ جماَ، كان يخلص له للحد الذي يجعله يسعي لوجوده في كل مكان وبين كل إناس يبتغوا الإعمار والصلاح والرفعة رغم ظروف مرضه وضعف حركته".
وأضافت أسما "كان الراحل دافعاَ وداعماَ لكل طامح راغب في المجد لكل من يريد القمة والوصول للأحلام والأمنيات، أذكر أنني كلما كنت في احتياج لأي كتاب نادر أو معلومة مشوشة في حاجة للتأكيد كان لا يتواني أن يقدم عزيز ما لديه من علم على أطباق مرصعة من الذهب والماس.. رحل من كان في جوفه أنهار من الإبداع والأساطير وحكايا رائعة عن الناجحين والرواد عن التراث وعن الأمجاد، رحل جسده وتبقى روحه الطاهرة بيننا تعين قلوبنا على الأيام من دونه.. وداعاً الأب والمعلم والمؤرخ والعلامة الأستاذ عبدالمنعم عبدالعظيم.. دمت في نعيم الله يا أبي".
فيما قال محمود نجم مدير مركز النيل للإعلام بالأقصر، ننعي وفاة الكاتب والباحث والمفكر البارع المرحوم عبدالمنعم عبد العظيم ابن مدينه أرمنت، وداعا يا أطيب قلب".
فيما كتب عنه سيد سعود خضري، أديب الأطفال قائلا: "عبد المنعم عبد العظيم موسوعة أرمنت، فعندما كنت أقلب بين أوراقي, افتش عن جواهر مدينتي أرمنت مبدعيها, ومفكريها, ونجومها.. وأتوقف أمام المؤرخ والمفكر والسياسي المحنك, والكاتب الكبير عبد المنعم عبدالعظيم، حين كان في سنوات شبابه الأولى ترأس وفد منظمة الشباب الذي سافر إلى الاتحاد السوفيتي في عهد الرئيس بريجنييف، وزار بعض دول الكتلة الشرقية، وكانت تربطه علاقة صداقة مع أسرة الرئيس الغاني الشهير نيكروما، وتناول العشاء مع زوجته والتي كان اسمها إيزابيل فرانسيس وسماها عبد الناصر فتحية نيكروما بعد زواجها من الزعيم الغاني، كتب ونشر في كثير من الصحف والمجلات القومية والمحلية، كان يعد ذاكرة أرمنت التاريخية وموسوعتها المليئة بالأسرار النفيسة والكنوز التي لا تقدر بثمن، فما من كاتب كتب عن أرمنت وتاريخها إلا وقد استند لذلك الموسوعة وارتشف من فكره وكتاباته وما خطه قلمه الساحر، وعشق مدينة أرمنت وأوغل بحثا وتنقيبا عن أصول أرمنت وجذورها, وتراثها فظهرت عظمة أرمنت وأهلها وسير رجالها.