الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

الطلاق بسبب تغيير الملة.. آراء كنسية لا زالت متباينة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

نحن الآن بصدد التعمق أكثر داخل منطقة شديدة الجدلية، اعتبرها البعض ثغرة شيطانية أرهقت الكنيسة الأرثوذكسية، وارعبت الكثير من أتباعها على مدار سنوات طويلة، واعتبرها البعض الأخر منفذ يخفف من الضغط عليها، ويضع نهاية لحياة مستحيلة بين البعض من أبنائها، وبين هذا وذاك، تقف الكنيسة الأرثوذكسية موقف واحد لا تحيد عنه، ألا وهو استحالة الخروج عن تعاليم الإنجيل، حيث قال البابا تواضروس بطريقة مباشرة، دون أي تمييع للمعنى المقصود، أن قانون الكنيسة مبني على الكتاب المقدس، وعلى وصايا السيد المسيح، ولا أنا، ولا غيري، نملك أن نغير فيها شيئًا، ولكن أمام هذه الثغرة فُتِحَت الأبواب واسعا لكل من ليس له ضمير، للتحايل  على الوصايا الكتابية، والمتاجرة بالخلافات، والتربح غير الشريف من ورائها، وكل هذا على حساب تدمير الأسر، وضياع كيان الأبناء، نقصد بكل هذا، استغلال الأقباط لسكة تغيير الملة بهدف تحقيق الطلاق، وفي حوارنا هذا نكشف عن تفاصيل هذه السكة، بدء من وجودها، حتى نهايتها، بفضل قانون الأحوال الشخصية الجديد لعام ٢٠٢٢م.

 فيقول القس مارتيروس جمال ،كاهن مطرانية ديروط، ومدرس تاريخ، وجغرافيّة الكتاب المقدس بالكلية الإكليريكية، في حواره مع البوابة، أن الطلاق لاختلاف المِلّة، يقع بسبب تغيير أحد الطرفين ملته، ويتم التغيير في الأساس لتحقيق رغبة أحدهما في الطلاق رغما عن الشريعة المسيحية.

القس مارتيروس جمال

(ثغرة شيطانية)
ويتابع القس مارتيروس حواره قائلا: "الطلاق هنا تسمح به أحكام القانون المصري، وليس للكنيسة أي تدخل فيه، أما من جهة أنها ثغرة، فهي حقا ثغرة، وأيضا شيطانية، تسببت في ظلم العديد، وانهيار كثير من الأسر، وقطعت الطريق أمام أي رجاء في التصالح". 
ومن حيث ردة فعل الكنيسة الأرثوذكسية تجاه تغيير الملة بهدف الطلاق يقول: "الكنيسة لم تتجاهل هذا الأمر، بل طالبت بتطبيق الشريعة التي تم عليها عقد الزواج، وعدم الاعتداد بالتغيير الصوري للملة بغية تحقيق رغبة أحد الطرفين في الطلاق دون رغبة الطرف الاخر".

(علّة الطلاق بتغيير الملة)
وعن السبب الذي سمح لهذا الإجراء الخبيث بالظهور، يكشف القس مارتيروس أن القاعدة القانونية تقول 'العقد شريعة المتعاقدين'، موضحًا أنه إذا تم عقد الزواج طبقًا للشريعة الأرثوذكسية، تُطَبَّق أحكام الكنيسة بعدم الطلاق، إلا للأسباب المتفق عليها، أما في حالة أن يكون أحد الطرفين على ملة مغايرة للأخر، ففي هذه الحالة تطبق أحكام الشريعة الإسلامية، والتي تجيز الطلاق، قائلا: "من هنا جاءت ثغرة الطلاق بتغيير الملة، للهروب من أحكام الشريعة المسيحية ،التي تمنع الطلاق، إلى أحكام الشريعة الإسلامية التي تجيز الطلاق".
ويشدد الكاهن مارتيروس على أن الطلاق لتغيير الملة يتم خارج الكنيسة، ولا تعتد به الكنيسة إلا إذا كان يوجد ما يجيزه، بما لا يخالف تعاليم الإنجيل، مؤكدًا أن الطلاق المدني يتم حال تغيير الملة، أمّا كنسيًا فلابد من توافر ،فقط، الأسباب التي سمحت بها تعاليم الإنجيل، والكنيسة، قائلا: "ومع ذلك وجد الطلاق طريقه إلي شعب الكنيسة بسبب عدم تقبل أحد الطرفين لشريعة عقد الزواج، مع الرغبة في إنهائه بأي وسيلة".   
وبسؤاله عن أي سند كتابي يعتمد عليه الطرف المُغيِّر للملة، رغبة منه في الطلاق، قال القس: "ليس من المُجدي البحث عن سند كتابي لشخص فضّل أن يحصل على مبتغاه رغم مخالفة الكتاب، ولكن كي نكون منصفين يجب أن نذكر أن ثمة أسانيد يجوز على إثرها الطلاق بحسب الشريعة المسيحية، ليس منها تغيير الملة كما في المدني، ومن هنا يضطر الطرف المتضرر استخدام هذه الوسيلة ليحصل على الطلاق مدنيًا".

(إيمان واحد، فكيف الطلاق لتغيير الملة؟)
ورغم تعدد الطوائف في المسيحية إلا أن الزواج في النهاية زواج مسيحي، أي تم تحت مظلة إيمان واحد، فتساءلت البوابة كيف جاز الطلاق بسبب تغيير الطوائف، فيجيب القس قائلا: "الأمر راجع إلي القاعدة القانونية وليس الكنسية، فالقانون يُحيل حالات اختلاف الملل إلي حكم الشريعة الإسلامية، الأمر الذي لا يحدث مع طرفي متحدي الملة، حيث تطبق عليهم أحكام الشريعة التي تم بموجبها عقد الزواج".
وصرح الكاهن مارتيروس بأن معظم الحالات التي عاصرها حصلت على تغيير الملة من طوائف رئاستها الكنسية خارج البلاد، بل وصل الأمر إلي دفع مبلغ من المال مقابل الحصول على شهادة تغيير الطائفة.
وفي ختام حواره معنا، وفيما يتعلق بكيفية منع كل هذه المفاسد التي تتم بواسطة هذا الطريق قال قدسه: "أعتقد أن الحل يأتي من اتفاق كل الكنائس على الاحتكام لنص الإنجيل فيما يختص بالطلاق، ووضع الرجل، والمرأة، وعلاقة كل منهما بالأخر، والاتفاق على تفسير موحد للمفاهيم، والمصطلحات المتعلقة بالأمر".

(مَخرَج أمام استحالة العشرة) 
وفي الاتجاه البروتستانتي التقينا القس جوهر عزمي، راعي الكنيسة الإنجيلية بالعبور، ومتخصص في العلوم اللاهوتية، والذي كان له رأي مخالفًا للتوجه الأرثوذكسي، حيث رفض اعتبار الطلاق لتغيير الملة ثغرة شيطانية، قائلا: "نعتبر ذلك مخرجا وافقت عليه الكنيسة لسد الباب أمام استحالة العشرة بين الزوجين، وبدلا من هروب أحد الطرفين لعقائد أخرى، أو حتى إلي الإلحاد". 

القس جوهر عزمي


وعن دخل الدولة في هذا الشأن يقول: "الدولة ليست وراء هذا التوجه، والكنيسة هي المسؤول الأول عن فتح هذا الباب، بإعتباره الباب الخلفي الذي يحمي أبناء الكنيسة من أي انحراف أخلاقي أو إيماني". 
ويستمر القس جوهر في حواره محاولًا توضيح إيجابيات هذا التوجه فيقول: "نحن لا ننكر أبدا أن الزنا هو علة الطلاق الأساسية، ولكن نؤمن أيضا حسب الوحي الكتابي أن ما جمعه الله لا يفرقه إنسان، ولذلك نتساءل هل هذا الزواج جمّعه الله؟". 
ويجيب القس جوهر على تساؤله: "بالتأكيد ليس كل ارتباط جمعه الله، ثمة زواج جمعه الطمع، جمعته الشهوة، جمعته المصلحة، جمعه الانبهار بالمظهر". 
وبهذا يشير المتخصص البروتستانتي في العلوم اللاهوتية جوهر عزمي، أن المشكلة تكمن في طبيعة الزواج، وليس في باب الطلاق لتغيير الملة، وأنه حال وقوع الطلاق لأي سبب، يعني أن الزواج من أساسه لم يكن من الله، ولهذا فرقه الإنسان. 
ويتابع القس حواره مع البوابة فيقول: "أيضا يوجد بند في العهد الجديد، رسالة كورنثوس الأولىٰ، تتحدث عن المفارقة، حيث يمكن أن يفارق أحدهما الأخر، وفي ظني أن هذا باب يفتحه الكتاب المقدس أمام الزيجات التي يستحيل أن تستمر، ولهذا راعينا في قانون الأحوال الجديد لعام ٢٢، أن يكون الطلاق لأسباب عدة، أولها الزنا، تغيير الديانة، الهجر لعدد من السنين يمتد لخمس، أسباب عقلية خطيرة قد تسبب ضرر للأبناء، أو أحد الزوجين، قد تصل للقتل، وهنا يفضل أن تقع المفارقة لسلامة كافة الأطراف".

(تسهيلات الكنيسة البروتستانتية)
وعن دور الكنيسة البروتستانتية في تسهيل الطلاق لتغيير الملة أكد القس جوهر عزمي، أنه لا يوجد تسهيلات توفرها الكنيسة الإنجيلية، ولا يوجد إحصائيات تدعم هذا الظن، ويدلل القس أكثر فيقول: "كثير من حالات الطلاق التي تمت في الكنائس، والمحاكم، لم يأت أطرافها بخطابات تخص الكنيسة البروتستانتية، بل على العكس، يوجد مذاهب أخرى تعطى هذه الخطابات بسهولة، وأخرى تعطيها في مقابل أموال".
ويتابع: "أحيانا كثيرة يصل الحد إلي هجرة البعض إلي قبرص، ولبنان للحصول على هذه الشهادات العضوية من كنائس هذه الدول، ثم يرجعوا إلي مصر، لتقديم تلك الشهادات إلي المحكمة، للحصول على الطلاق".
وينهي القس جوهر عزمي حواره معنا موجهًا بعض النصائح قائلا: "هذا الملف شائك، يحتاج إلي جهد، وعمق في دراسة كلمة الله، بحيث تتم الموازنة بين الإيمان المسيحي، وبين سلامة الأزواج، والأبناء، مما ينعكس على سلامة المجتمع ككل، وسلامة الكنيسة، وبالطبع هذا البذل نرجوه من رجال الدين، وعلماء اللاهوت، مع طاعة من أبناء الكنيسة".

(لا طلاق على الإطلاق) 
وعلى نقيض كلا من الأرثوذكس والبروتستانت، يرفع الكاثوليك شعار لا وجود للطلاق على الإطلاق، حتى لعلة الزنا، لكن فقط يحدث انفصال، دون حل الرباط الزوجي، وهذا ما بينه كتاب 'مختصر اللاهوت الأدبي الكاثوليكي' بأنه يمكن افتراق الزوجين بالتراضي، بسبب وجود نفور بينهما، والافتراق بالإرادة المنفصلة، بسبب سقوط طرف منهما في الزنى، ولكن لا يمكن حل الوثاق الزوجي، وهذا الافتراق يعني افتراق الزوجين مائدة، ومضجعًا، ومسكنًا، مع بقاء الرباط الزوجي بينهما.

 الأب الكاثوليكي مكسيموس كابس


ويستند الكاثوليك في استحالة الطلاق، على نص كتابي، وحسب تفسيرهم لهذا النص، يقول الأب الكاثوليكي مكسيموس كابس: "نص السيد المسيح القائل: "ومن تزوج بمطلقة فقد زنى" وهذا يعني فعلا جواز الطلاق لعلة الزنى، ولكن لا يجيز لأحد الطرفين أن يتزوج، وهنا لا يعتبر الطلاق طلاقًا بالمعنى المفهوم، ولكنه انفصال جثماني، وفي حالة إقدام الكنيسة الأرثوذكسية على تزويج أي من الطرفين المطلقين، تشاركه في خطيئة الزنا".