شهدت الأسابيع الأخيرة فى أوروبا، ارتفاعا قياسيا فى أسعار الطاقة، وسط تأكيد خبراء الطاقة أن الأسوأ لم يأت بعد بالنسبة لسوق الطاقة الأوروبية حيث يشهد فصل الشتاء المقبل ارتفاعا تقليديا كل عام للطلب على الطاقة فى القارة، فضلا عن توقف أو شبه توقف للغاز الروسى هذا العام.
وبينما يتوقع علماء الأرصاد أن العالم خاصة أوروبا مقبلين على شتاء قارس، شهدت بريطانيا ودول أوروبية أخرى ارتفاعا قياسيا لأسعار الطاقة خلال الأشهر الماضية، بسبب الفجوة الهائلة بين طلب المصانع على الغاز والطاقة، والمعروض من شركات الطاقة العالمية التى لم تتجاوب مع وتيرة التسارع وكميات الطلب الصناعية.
وأثر ذلك على أوروبا التى تكافح للتغلب على تداعيات جائحة كوفيد ١٩ وارتفاع التضخم لمستوى غير مسبوق منذ عشرات السنين وقد يؤدى هذا حسب متابعين الى حالة من التوتر بين الدول الأوروبية إذا اضطرت الحكومات إلى التحرك لحماية إمدادات دولها من الطاقة، مع اللجوء إلى مطالبة المستهلكين بترشيد استهلاك الطاقة.
وتعتمد أوروبا فى تأمين موارد الغاز على روسيا بشكل رئيسي، ولهذا تخشى القارة العجوز أن تواصل موسكو استخدامها للغاز كورقة جيوسياسية معها، وترفع أسعار الطاقة، خاصة بعد مغادرة أنجيلا ميركل منصب المستشارة الألمانية، والتى كانت تجيد التعامل مع روسيا، ونجحت فى تكوين علاقات متميزة مع «الكرملين.
وتكمن أسباب أزمة الطاقة فى أوروبا فى عدة أمور؛ منها: توقف موسكو عن ضخ الطاقة أو جعلها فى حدها الأدنى والتعافى السريع للاقتصاد العالمى وزيادة المنافسة العالمية على الطاقة وانخفاض إنتاج الطاقة المتجددة من خلال محطات طاقة الرياح والمستوى القياسى المنخفض لاحتياطيات الغاز فى منشآت التخزين الأوروبية تحت الأرض ونقص الإمدادات الإضافية رغم معرفة الدول الأوروبية بذلك.
الخبير الاقتصادى الدكتور حسنى الخولى يقول: إن أوروبا شهدت خلال الأسابيع الأخيرة تزايدا مستمرا فى أسعار الطاقة رغم أن فصل الشتاء الذى ترتفع فيه الأسعار بشكل تقليدى لم يبدأ بعد مما يجعلنا نتوقع ان تعيش أوروبا شتاءً باردًا، وتكتوى بنار أسعار الطاقة.
ويضيف «الخولي»: وتتضح ملامح تلك الأزمة غير المسبوقة فى تخفيض الإنتاج وطلب الشركات والأشخاص الحصول على مساعدات حكومية، بالإضافة الى انخفاض مستويات المخزون الاحتياطى فى مستودعات الغاز والنفط الى أقل مستوى خلال عقود. فها هى أوروبا عاجزة عن ملء مستودعات الغاز والنفط الى المستوى الآمن قبل بداية الطقس البارد بسبب نقص الإمداد العالمي، وهو ما يمثل تحديا كبيرا فى ظل ارتفاع أسعار الغاز بشكل ملحوظ.
ويشير الخبير الاقتصادى إلى أن نقص المخزونات من النفط والغاز صاحبه انخفاض توليد الكهرباء من الرياح نتيجة ظروف مناخية غير مواتية وهو ما دفع الدول الأوربية الى اتخاذ تدابير مضادة وسريعة بعد الارتفاع الكبير فى أسعار الكهرباء والغاز، تمثلت فى توليد الكهرباء من الفحم، مما ينبىء بأن بعض الدول ومنها المملكة المتحدة قد تزيد الاعتماد على إنتاج الطاقة من الفحم فى المدى القصير والمتوسط، كخطوة استباقية تهدف الى التأثير على أسعار الكهرباء والغاز.
ويوضح «الخولي»، أنه بعد ما تفهمنا الأسباب الحقيقية وراء ازمة الطاقة الأوروبية والتى تتضح ملامحها فى ارتفاع الأسعار؛ قد يتساءل البعض: هل وراء تلك الارتفاعات الكبيرة فقط عوامل اقتصادية تتمثل فى نقص المعروض وتعطل سلاسل الأمداد؟، أم أن هناك عوامل سياسية أيضاً؟.
ويتابع الخبير الاقتصادى: سأقفز الى النتائج وأكرر ما ذكرته صحيفة «فيلت» الألمانية من أن: «الرئيس الروسى نجح بعبارة واحدة فى التأثير على أسعار الغاز فى أوروبا وجعلها تتراجع»، مما يؤكد أن هناك عوامل سياسية تتحكم فى الأسعار العالمية للطاقة.
وأضاف أنه حتى نتفهم مدى تأثير روسيا على أسعار الغاز فى أوروبا علينا ان نعلم ان ٣٥٪ من احتياجات أوروبا من الغاز يتم تدبيره من خلال خطوط الإمداد الروسية، وهذا يزيد من التحديات الاقتصادية خاصة للصناعات كثيفة استخدام الطاقة مع زيادة الطلب على الغاز الطبيعى المسال والإقلال من استخدام الفحم تلبية لقرارات قمة المناخ.
ويقول «الخولي»: إن مصر يمكنها الاستفادة من تلك الأزمة، خاصة وأنها تمكنت من الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعي، بل والفائض من الإنتاج يتم تصديره، إضافة الى الامكانيات الهائلة والبنية التحتية التى تتمتع بها مصر من حيث توافر مصنع إسالة الغاز بدمياط وأخر بأدكو والتى تتميز بالطاقة الإنتاجية التى تفيض عن الاحتياج، ولعل هذا يفسر التعاقدات المصرية لاستيراد الغاز البكر من دول الجوار تمهيداً لإسالته وتصديره، وبالتالى تحقيق قيمة مضافة، مما يعجل من تحقيق الهدف المصرى بأن تتحول الى مركز اقليمى للغاز.
أمريكا تلجأ لنفط الكهوف
ومثل لجوء الرئيس الأمريكى الى اطلاق ٥٠ مليون برميل من النفط من مخزونها الاستراتيجى فى محاولة لخفض أسعار النفط المرتفعة، بأنها خطوة سياسية استهدفت الرأى العام الأمريكى وغير فعالة فى خفض أسعار النفط العالمية، فالسوق يتوقف على رد فعل أوبك +.
ويريد الرئيس الأمريكى أن يسترضى الناخب الأمريكى الذى يئن من ارتفاع أسعار البنزين، كما أنه يرغب فى تعويض النفط الإيراني، مؤكدا أن هذا القرار يسيء استخدام الاحتياطيات فى وقت ارتفاع الإمدادات الأمريكية بالأساس.
وسوق النفط ذات طبيعة تجارية، ولا يمكن التدخل فيها بقرارات ودوافع سياسية، فى ظل تداعيات فيروس كورونا والذى يزداد فى أمريكا وأوروبا ويهدد الطلب العالمى على الطاقة فضلا عن تراجع الاستثمارات، وقد أكدت «أوبك +» أن السحب من الاحتياطيات الاستراتيجية غير مبرر نظرا لوضع السوق الحالي، ولا تعادل الـ٥٠ مليون برميل التى قرر بايدن سحبها من الكهوف الأمريكية التى تحوى الاحتياطيات استهلاك النفط فى أمريكا ٧٣ ساعة فقط، حيث تستهلك الأسواق الأمريكية ١٨.٢ مليون برميل يوميا.
وخطوة بايدن هذه سبقها بيل كلينتون الرئيس الامريكى الأسبق الذى لجأ لاحتياطيات النفط الطارئة فى البلاد لمحاربة الأسعار المرتفعة وقتها، وأفرجت إدارة كلينتون عن ٣٠ مليون برميل من احتياطى النفط الاستراتيجي، ما ساعد على خفض الأسعار بشكل مؤقت الى ٣٠ دولارا للبرميل ولكن بعد أسبوعين عادت إلى ٣٦ دولارا وربما تكون بريطانيا الدولة الأكثر تضرراً فى أزمة الغاز الحالية، بسبب خروجها من منظومة الاتحاد الأوروبى.