بعد اتفاق باريس لعام 2015 بشأن تغير المناخ، ركّز صنّاع القرار، والمنظمون والممارسون على الاستدامة البيئية، ولا سيما معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري؛ حيث تتطلب المادة الثانية من اتفاقية باريس من الموقّعين مواءمة تدفقات التمويل مع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، الاحتباس الحراري، والتنمية القائمة على أخذ تغيّر المناخ بعين الاعتبار، حيث تهدف اتفاقية تغيّر المناخ إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وهو ما تسعى الدول لتنفيذه من خلال وضع سياسات وطنية لخفض الانبعاثات وتفعيل دور القطاع المالي في تسعير الكربون وتحميل الدول والشركات الملوثة عبئ الضرر الناجم عن تلك الملوثات.
وفقا لمتعقب صافي، صفر الانبعاثات الكربونية لعام 2022 نشرت 128 دولة استراتيجية "صافي صفر" أو أهداف مماثلة بحلول عام 2050 على أبعد تقدير، مما يتطلب تحولات اقتصادية منهجية على نطاق غير مسبوق. لذا، يحتاج كل كيان اقتصادي إلى مواءمة استراتيجياته، وعملياته، وأنشطته مع أقل من درجتين مئويتين من الاحتباس الحراري، وينبغي على القطاع المالي بما فيه البنوك ومديري الصناديق وشركات التأمين والمستثمرين ومجموعة واسعة من الخدمات المهنية الداعمة أن يلعب دورًا رائدًا في العمل على تحسين المناخ.
يضمن التمويل الأخضر والمستدام انتقال تدفقات رأس المال إلى الشركات، والاستثمارات، والمشاريع والتقنيات التي تساهم في عالم مستدام، وذو انبعاث كربونية منخفضة.
ولقد اتخذت البنوك المصرية، تحت رقابة البنك المركزي المصري، خطوات إيجابية نحو الاستدامة المالية والاقتصاد الأخضر، حيث قامت البنوك المصرية بإعداد تقارير الاستدامة المالية، كما أعلن اتحاد بنوك مصر تشكيل لجنة التمويل المستدام كأحد اللجان الدائمة، واختيار داليا عبد القادر لرئاسة اللجنة، وفقًا لبيان من الاتحاد.
وتضم اللجنة كوادر مصرفية من جميع البنوك العاملة في مصر من كافة القطاعات، ومنها إدارات المخاطر والائتمان وتمويل الشركات وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والشمول المالي والاستثمار والخدمات المصرفية وكذا التسويق والاتصال المؤسسي.
تتضمن أهداف اللجنة دعم وتمكين المؤسسات المصرفية من: إدارة مخاطر البيئة والمجتمع وتغير المناخ، وطرح منتجات مصرفية لتمويل القطاعات الجديدة في عدة مجالات حيوية تعظم الربحية مع تحقيق التوافق مع خطة التنمية المستدامة متوسطة المدى 2019 / 2023، بالإضافة الى تأهيل البنوك الى قياس البصمة الكربونية أو الايكولوجية.
وتستند اللجنة في ذلك الي المبادئ الاسترشادية للتمويل المستدام التي أصدرها البنك المركزي المصري في 18 يوليو2021، والتي جاءت مواكبة لأفضل الممارسات الدولية في إرساء قواعد التمويل المستدام بالقطاع المصرفي كخطوة هامة لبناء القدرات اللازمة في مجال التمويل المستدام والتنمية المستدامة بما يسهم في دعم الاستقرار المالي والمصرفي، ومن ثَم تحقيق الاستقرار طويل الأجل للاقتصاد والبيئة والمجتمع ككل.
وتأتى هذه الخطوة في ضوء الحرص على مواكبة أحدث القياسات العالمية والتكنولوجية في تأمين وطباعة العملة المتداولة، حيث قرر البنك المركزي طرح فئة العشرة جنيهات البلاستيكية (بوليمر) والتي تم انتاجها باستخدام أحدث خطوط انتاج البنكنوت المطبقة في العالم بدار الطباعة الجديدة في العاصمة الإدارية، مع التأكيد على عدم إلغاء أي من الاصدارات السابقة من ذات الفئة واستمرار العمل بها وتداولها.
ويساهم طرح العملات البلاستيكية في تطبيق سياسة النقد النظيف ورفع معدلات جودة أوراق النقد المتداولة بالسوق المصري، نظرًا لإمكانية اعادة تدويرها وتقليل تكلفة طباعة أوراق النقد وخاصة الفئات الأكثر تداولًا وذلك على المدى البعيد نظرًا لطول عمر الورقة، بما يتماشى مع برامج التنمية المستدامة التي تتبانها الدولة من خلال رؤية مصر 2030.
والنقود البلاستيكية تتميز بالمرونة والقوة، وطول العمر الافتراضي لها الذي يصل إلى نحو ثلاثة أضعاف عمر الفئة الورقية الحالية المصنوعة من القطن، إلى جانب أنها مقاومة للماء، وأقل تأثرًا بالأتربة، وأكثر مقاومة للتلوث مقارنة بفئات النقد الورقية المتداولة، بالإضافة إلى صعوبة تزييفها وتزويرها.
وتصل تكلفة الورقة منها إلى 160 قرشًا فقط، بينما لا يتجاوز العمر الافتراضي للعملات الورقية التقليدية العام ونصف العام، وتصل تكلفة الورقة منها إلى 145 قرشًا. ويتوافر بالعملات البلاستيكية ايضًا عنصر مهم يتعلق بأنها لا تعد ناقل للعدوى وهو الامر الذي عانى منه الكثيرين وقت ازمة كورونا.
وقد تم طباعة نحو 2 مليار جنيه من العملة البلاستيكية (بوليمر) الجديدة فئة الـ 10 جنيهات، كما تم إجراء تعديلات فنية على ماكينات الصراف الآلي المنتشرة في مختلف أنحاء الجمهورية حتى تتمكن من قبول السحب والإيداع للعملة البلاستيكية الجديدة.
ويلعب بنك المشرق دورًا هامًا في التحول للاقتصاد الاخضر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث يركز البنك على الاستدامة كمحور استراتيجي طويل الأجل، ولدينا مؤشرات واضحة لقياس الأداء (SPIs) وخطة شاملة لتطبيق مبادرات الاستدامة على مدى 3-5 سنوات القادمة حيث قام المشرق بتمويل وتسهيل قروض وسندات ESG الخاصة بالاستدامة بقيمة 12 مليار دولار أمريكي بين أبريل 2021 وأغسطس 2022. وسنظل ندعم تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة من خلال القروض والسندات المستدامة وتمويل المشاريع كأولوية رئيسية لبنك المشرق كما أننا بدأنا بالفعل في رحلتنا الخاصة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية والتي تمثل أولوية بالنسبة لنا في الفترة المقبلة حيث أن البنك قد بالفعل.
وتماشيًا مع هذه الرؤية، كان من دواعي سرورنا أننا كنا راعيًا رئيسيًا للقمة العربية الخضراء التي تهدف إلى تسهيل سلسلة من المداولات المكثفة حول الجهود الخضراء في الشرق الأوسط. ونحن فخورون أيضًا بفوزبنك المشرق بجائزتين مرموقتين في مجال إزالة الكربون والعمل المناخي (DACA) في القمة العربية الخضراء.
وسيوفر اتحاد بنوك مصر الموارد والدعم اللازم للتحول نحو التمويل المستدام وتفعيل دور القطاع المصرفي علي الساحة الإقليمية والدولية خاصة في ضوء استضافة مصر لمؤتمر الأطراف COP 27 في نوفمبر 2022 بمدينة شرم الشيخ.
يتجاوز المنظور الأوسع للتمويل المستدام مخاطر تغيّر المناخ، ففي الواقع لا يمكننا معالجة حالة الطوارئ المناخية بنجاح، دون معالجة الجوانب الأوسع للاستدامة الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك توفير رخاء مشترك على نطاق أوسع للأجيال الحالية والمستقبلية.