أهلّ علينا هلال شهر ربيعٍ الأنور شهر مولد النبي الأعظم، والرسول الأكرم؛ ففي مثل هذا الشهر العظيم من كل عام هجري، كان الحدثُ العظيم، وُلِد النبي الذي وجده اليهود والنصارى مذكورًا عندهم في كُتبهم التوراة والإنجيل باسمه ووصفه؛ فكان ميلاد النبي صلَّى اللَّه عليه وسلّم على أرجح الأقوال وقت طلوع الفجر يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيعٍ الأول، في عام الفيل، وفي السنة الثالثة والخمسين قبل الهجرة النبوية الشريفة، ويوافق ذلك العشرين أو الثاني والعشرين من شهر إبريل سنة 571 ميلاديًا، وهذه الذكرى العزيزة على نفوسنا جميعًا الاحتفاء والاحتفال بها أمرٌ مشروعٌ ما لم يشتمل على ما يُنهى عنه شرعًا؛ بل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يُعدُّ من تعظيم شعائر اللَّه، قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]؛ فكيف لا نحتفل بأفضلُ الخلق نفسًا، وأفضلهم نسبًا؟!؛ اصطفاه اللَّه تعالى من أشرف الأنساب وأكرمها، وقد حفظ اللَّه سبحانه هذا النسب الشريف جيلًا بعد جيلٍ، حتى جاء منه النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم هدايةً للعالمين، كما جاء بالحديث الشريف، عن واثلة بن الأسقع رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم «إنَّ اللَّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، واصطفاني من بني هاشمٍ» [رواه مسلم]، وفي هذا الحديث يُبين النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أنَّ اللَّه اصطفى كنانة، وهو من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وصفوة الشيء خِيارُه وأفضلُه، واختار قريشًا من كنانة، واصطفى من قريشٍ بنى هاشمٍ، واصطفاه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم من بنى هاشمٍ، ونسب النبي إلى عدنان متفق عليه؛ فهو محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصيِّ بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤيِّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان.
كيف نحتفل بالمولد النبوي الشريف؟
علينا أن نحتفي ونحتفل بذكرى مولد النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بشتى أفعال الخير، والتقرب إلى اللَّه تعالى بالصيام والعبادة والتوسعة على الأهل ونحو ذلك، وأن نقتضى بأعماله وأفعاله؛ فقد علمنا النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أنه كان يكثر من الأعمال الصالحة في مواطن النعمة؛ فكان يصوم يوم الاثنين وفاءً لربه على نعمة خلقه واحتفاءً بمولده؛ ففي الحديث عن أبو قتادة الحارث رضي اللَّه عنه، أنه ﷺ سُئل عن صوم يوم الإثنين؟ قال: «ذاك يومٌ ولدت فيه» [رواه مسلم]، ويفضل الاحتفال بميلاد النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم باتباع سنته، والتحلى بأخلاقه الشريفة، والاقتداء بصفاته الحميدة في جميع معاملاتنا، وذلك من خلال اتباع أقواله وأفعاله، والابتعاد عما نهى عنه، والتأدب بالآداب التي جاء بها في جميع الأوقات والأحوال، وأن نعيش على هديه، في جميع مجالات الحياة، ولذلك أكَّد اللَّه تعالى على وجوب اتِّباعه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، وأخبر بأنَّه القدوة الصالحة والخصلة الحسنة، التي ينبغي على كل مؤمن أن يقتدي به في أقواله وأفعاله وأحواله، فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
إنه رسول الإنسانية محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم الذي بعثه اللَّه رحمةً للعالمين، كما أخبرنا القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الانبياء: 107]، فقد أرسله اللَّه برسالة عامة شاملة وكاملة وهادية للناس أجمعين، وهناك مقولة متداولة بين الناس لكنها تحمل جانبًا كبيرًا من الصواب: "الحق ما شهدت به الأعداء" ولعل أفضل دليل على ذلك ما قاله «برناردشو» الكاتب والناقد الإنجليزي الذائع الصِّيت عن رسول الإنسانية محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «إنَّ أوروبا الآن بدأت تحسُّ بحكمة محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وبدأت تعشقُ دينه، وإنَّ أوروبا سوف تُبرئ الإسلام مما اتهمته به من أراجيف رجالها ومُفكِّريها في العصور الوسطى، وسيكون دين محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم هو النظام الذي تُؤسس عليه دعائم السلام والسعادة، وتستندُ على فلسفته في حل المعضلات وفك المشكلات، وحلِّ العقد، وإنِّي أعتقد أنَّ رجلًا كمحمد لو تسلَّم زمام الحكم المطلق في العالم بأجمعه اليوم لتم له النجاح في حكمة ولقاد العالم إلى الخير، وحلَّ مشاكله على وجه يحقق للعالم السلام والسعادة المنشودة.. ثم يقول: أجل.. ما أحوج العالم اليوم إلى رجلٍ كمحمد ليحُلَّ قضاياه المعقدة بينما هو يتناول فنجانًا من القهوة».
الدكتور صفوت محمد عمارة، من علماء الأزهر الشريف.