عقدت، اليوم الأربعاء، الندوة الوطنية للترجمة، التي تقيمها وزارة الثقافة ممثلة في الهيئة العامة السورية للكتاب، بالتعاون مع المعهد العالي للترجمة بجامعة دمشق، ومجمع اللغة العربية، واتحاد الكتّاب العرب، واتحاد الناشرين السوريين في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق؛ وذلك بحضور وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح، والمدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب الدكتور نايف الياسين، والمدير العام لمكتبة الأسد إياد مرشد، ومديري هيئة الكتاب، وعدد من أعضاء اتحاد الكتّاب العرب، وحشد من المترجمين، والمهتمين بالشأن الثقافي، والإعلاميين.
بدأت الندوة فعاليتها برسالة المترجمين السوريين في اليوم العالمي للترجمة التي قدمتها المترجمة تانيا حريب مديرة التخطيط في هيئة الكتاب، وجّهت في مطلعها أجمل التهاني إلى المترجمين في سورية والوطن العربي والعالم بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للترجمة، مؤكدة على الدور الحضاري الذي يلعبه المترجمون.
وبينت حريب، أن الندوة الوطنية للترجمة التي تقام كل عام في مثل هذا الوقت احتفاء باليوم العالمي للترجمة، تأتي اليوم تحت عنوان "الترجمة بين التقليد والإبداع"، لما للترجمة الإبداعية من أهمية في تحقيق المواءمة بين النص الأصل وثقافة أو لغة مختلفة عبر تبديد جميع الحواجز والعوائق التي تمنع فهم التراكيب والمصطلحات.
وأشارت حريب، إلى الدور المحوري الذي تلعبه الترجمة في تفعيل التقارب بين الثقافات والشعوب ونشر علومها المختلفة، داعية في ختام كلماتها المترجمين العرب، والمترجمين في العالم الوقوف إلى جانب سورية في مواجهة العدوان الإرهابي الدولي عليها، ورفع العقوبات غير القانونية عنها لما لذلك من دور يمكّن المترجمين من الحصول على الكتب الأجنبية على اختلاف آدابها وعلومها، ويساعدهم على تنشيط دورهم كرسل للعلم والثقافة والمعرفة.
من جهته قال الدكتور نايف الياسين المدير العام لهيئة الكتاب، إن مفهومي الإبداع والترجمة ليسا مفهومين بسيطين، إذ يكتنف العلاقة بينهما ما يُسمى "بالتوتر الحميم".
وتابع: أن أكثر المشكلات المتصلة بترجمة الأعمال الإبداعية تعقيداً تتجلى في ترجمة الشعر، إذ ثمة قدر كبير من التوافق على أن ترجمة الشعر مهمة في غاية الصعوبة والنجاح فيها محدود، فكثيرون من قرّاء الشعر يفسرونه بطرق مختلفة تعتمد على ذائقتهم الجمالية، وثقافتهم الأدبية وعوامل أخرى كثيرة، مما يخلق أسئلة تتفاوت إجاباتها جداً، لتبقى المسألة دون حسم".
واستعرض الياسين، بعض مقولات لكتّاب مرموقين تظهر تباين الآراء، وتوضح أن علاقة الترجمة بالإبداع علاقة وثيقة، لكنها كانت، وربما ستبقى حافلة بالمشكلات، وهذا ليس أمراً سيئاً بالضرورة، مؤكدا أن الهيئة العامة السورية للكتاب تولي الترجمة، بشكل عام، وترجمة الأعمال الإبداعية، بشكل خاص، اهتماماً كبيراً؛ داعياً جميع المترجمين السوريين المتميزين إلى المساهمة مع هيئة الكتاب في إثراء النشاط الترجمي في سورية.
ومن ناحيتها قالت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح، إن هذه الندوة الوطنية للترجمة التي تُعقد كل عام احتفاءً باليوم العالمي للترجمة بوصفها فعلاً إنسانياً ترك ولا يزال بصمة لا تُمحى على مسار التطور الفكري والمعرفي، هي مناسبة تُنتهز للتمعن في الترجمة، ومختلف قضاياها بما يعيننا، أفراداً ومؤسسات، على تقييم أدائنا، ومدى إيفائنا جميعاً بأعباء ومتطلبات هذه المسؤولية.
وسلّطت الضوء على عنوان ندوة هذا العام الذي تناول موضوع الترجمة بين التقليد والإبداع، حيث أشارت إلى نقض الدراسات اللسانية واللغوية الحديثة لمقولة: "إن الترجمة جهد إنساني مرتبط بمهارات يدوية أكثر منها بالعمل الذهني"، وأوضحت النظريات التي وضعت للترجمة، فأدخلتها بذلك في مجال العلم، دون أن تنفي عنها سمتها الفنية؛ فالفن والإبداع صنوان متلازمان.
وطرحت في ختام كلمتها جملة من التساؤلات التي تستهدف الترجمة الإبداعية، على أمل أن يتوصل المشاركون في هذه الندوة إلى إجابات شافية عنها، لما لذلك من أثر في تطوير المنتج الترجمي أولاً، وتذليل الصعوبات التي تحول دون ذلك على الصُعد كافة.
افتتحت الجلسة الأولى التي أدارها الدكتور نايف الياسين أوراق عملها بورقة قدمها د. ثائر زين الدين، تناولت موضوع ترجمة الشعر والإبداع فيها، حيث بيّن: "إن موضوعة ترجمة الشعر، كانت ولا تزال تشغل مساحة ليست صغيرة، وهي أحد أكثر الموضوعات سجالاً في الماضي والحاضر".
واستعرض جملة من الآراء التي استهدفت هذا الموضوع، حيث أكّد بعضها أن الشعر لا يترجم من لغة إلى أخرى، في حين أن البعض الآخر رأى أن على المترجم الذي يتصدى لترجمة الشعر أن يكون شاعراً مجيداً في لغته ليعوض الروح التي كان يحملها النص الأصلي في لغته، وفُقدت عند النقل.
وأوضح في ختام كلامه أن تعدد الآراء واختلافها حول مسألة ترجمة الشعر لم تقف في يوم عائقاً أمام ترجمة الأعمال الإبداعية، وهنا تنجلي مسألة الاختيار الصحيح للأعمال الجديرة بالترجمة، وجودة الترجمة التي تلعب دوراً حاسماً في استقبال المتلقي للعمل المترجم.
وتوقّف د. باسل المسالمة، عند موضوع الحذف والزيادة في الترجمة الإبداعية مشيراً إلى من يتصدى لترجمة الأعمال الإبداعية يجب ألا يتعامل مع التراكيب والمفردات فحسب، بل أن يتوغل في المعاني ويستقرئ الرموز والصور. وأضاف: أن الحذف والزيادة هما إستراتيجيتان تهدفان إلى تحسين النص المترجم وتخليصه من الغموض الذي يكتنفه نتيجة الاختلافات الفكرية والثقافية بين اللغتين، وهما إستراتيجيتان مهمتان للوصول إلى ترجمة متميزة، ولا يلجأ المترجم إليهما كما يحلو له، بل ثمة أسباب تستدعي ذلك؛ فإذا كانت مهمة الحذف الاقتضاب، فإن جوهر الإضافة هو التوسع".
وقدمت د. زبيدة القاضي، ورقة بحثية بعنوان "الترجمة الأدبية بين الحرفية والإبداع" أوضحت خلالها أهمية الترجمة الأدبية والعقبات التي تمر بها، كما عرضت بعض أساليب الترجمة، وميّزت بين الترجمة الحرفية التي تقيد النص، والترجمة الإبداعية التي لا تعكس محتواه فحسب، بل تعكس روحه وثقافته.
كما تحدث هيثم الحافظ، عن الترجمة الإبداعية وأثرها في صناعة النشر، وتناول دورها في تمهيد الطريق أمام الناشرين والقرّاء على حد سواء لمواصلة الاطلاع على المحتوى الإبداعي الصادر في مختلف لغات العالم، مشيراً في هذا الصدد إلى قضية مهمة تتمحور حول ضرورة الحصول على إذن بالترجمة من الكاتب الأصلي أو الناشر حفظاً لحقوق الملكية الفكرية.
وركّزت ورقة عمل د. عمر شيخ، الشباب على الجماليات اللغوية في ترجمة الشعر، كما قرأ ورقة عمل د. منذر العبسي، ولينا داووديان، التي تناولت موضوعة الإبداع عند كوليريدج، وترجمة الشأن الخاص والعام.
وقد رافق الندوة معرض كتاب للكتب المترجمة الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ويستمر طوال أيام انعقادها وبخصم يصل إلى 50% على سعر الغلاف.