يوافق اليوم الأربعاء، 28 سبتمبر ذكرى وفاة الزعيم الراحل الرئيس جمال عبدالناصر، الشخصية الوطنية الرائدة، الذي حظى بشعبية كبيرة بين المصريين في تاريخ مصر الحديثة والأمة العربية أجمع.
كان الرئيس الراحل عبدالناصر، صاحب بطولات عديدة ليصبح أحد أبطال الثراث الشعبي والعربي أيضًا، وكان نصير للعمال والفلاحين وأول ما أسس المساواة بين طبقات المجتمع وتحقيق العدالة في التعليم والصحة والحالة المادية.
نشأة الزعيم الراحل عبدالناصر
ولد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في 15 يناير عام 1918 بمحافظة الإسكندرية، قبيل ثورة 1919 التي ساهمت في إذكاء روح الوطنية والثورة ومقاومة سلطات الاحتلال الإنجليزي في نفوس المصريين، كان والده "عبدالناصر حسين خليل سلطان" صعيديا من قرية "بني مر" بمحافظة أسيوط ولكنه انتقل إلى الإسكندرية ليعمل وكيلا لمكتب بريد باكوس بالإسكندرية، وكان دائم الانتقال من بلدة إلى أخرى نتيجة طبيعة عمله.
كان الزعيم عبدالناصر ينتمي للطبقة الوسطى، مما ساهم في فهمه الفروق الطبقية بين المصريين، الأمر الذي ظهر بعد ثورة 1952، وتوليه حكم البلاد.
وتخرج "عبدالناصر" من الكلية الحربية في القاهرة عام 1938، وعين ضابطا في سلاح المشاه في أسيوط، وعمل في العلمين والسودان، ثم تم تعيينه مدرسا في الكلية الحربية، واشترك في حرب فلسطين سنة 1948، وتمت محاصرته مع فرقته في الفالوجا، وشارك في تأسيس تنظيم الضباط الأحرار عام 1951، وانتخب رئيس لهيئتها التأسيسية في ديسمبر 1951.
كما شارك "عبدالناصر" في ثورة 23 يوليه 1952، حيث ألغي الضباط الحكم الملكي في 18 يونيه 1953، وأعلنوا الجمهورية في مصر.
نصير العمال والفلاحين الغلابة
عقب توليه حكم البلاد بعد ثورة 1952، قرر في 12 أغسطس من العام نفسه، وباعتباره رجلا من الطبقة الوسطى في الأساس، قرر زيادة الضريبة على الإيرادات العامة للشرائح العليا وعلى الأرباح التجارية والصناعية والمهن الحرة بهدف الحد من الدخول الكبيرة ومن أجل تقليل الفروق الطبقية.
وبعد هذا القرار بأيام قليلة فى 9 سبتمبر 1952 صدر قانون الإصلاح الزراعى الذي جعل الحد الأقصى للملكية الفردية للأرض الزراعية 200 فدان، وتوزيع ما يزيد عن ذلك على الفلاحين الذين يزرعون الأرض بالإيجار أو بالعمل اليومى، والتي كانت ملكا للأغنياء الذين حصلوا عليها كمنحة من أسرة "محمد علي باشا"، ولكن هذا القانون سمح للفلاحين بالحصول على ما يتناسب مع ظروف معيشتهم من الفدادين، وتم تحديد مساحة 5 فدادين باعتبار أن الأسرة الريفية تحتاج كحد أدنى لمواجهة متطلبات المعيشة 116 جنيها سنويًا، وأن إيراد خمسة فدادين في الظروف العادية آنذاك يبلغ 120 جنيها سنويا، وأدى هذا القانون بعد أن تم تطبيقه إلى انخفاض نسبة الأسر الفقيرة في الريف من 44% في عام 1952 إلى 30% عام 1961 إلى 28% في عام 1965، ولكنها ارتفعت في السبعينيات إلى 33% نتيجة توقف برامج الإصلاح الزراعى بعد رحيل "عبدالناصر".
إلغاء الفصل التعسفي
ألغى جمال عبدالناصر في حكمه "الفصل التعسفي" للعمال في المصانع والورش لحمايتهم من التشرد، فكان الفصل التعسفي يمارسه أصحاب المصانع دون رقابة، كما أسس الرئيس صندوق تأمين للعمال وصندوقا آخر للادخار عام 1955، تحول إلى مؤسسة للتأمين ضد الشيخوخة والوفاة والعجز وأمراض المهنة والبطالة والمرض بشكل عام، ونظم هذا القانون أيضًا التعويض عن إصابة العمل (18 ديسمبر 1958) ثم صدر قانون جديد للعمل (5 أبريل 1959).
تخفيض إيجارات المساكن بنسبة 15%
في 17 سبتمبر 1952 قرر "عبدالناصر" تخفيض إيجارات المساكن 15% للمباني التي أنشئت منذ أول يناير 1944، وتوالت سياسة التخفيضات وتجريم دفع "خلو الرجل"، وذلك بهدف التيسير على عمال المدن والحرفيين والموظفين نظرًا لثبات الأجور.
التأميم
عقب قرارات التأميم الكبرى التي أصدرها "عبدالناصر" في يوليو 1961، وإنشاء القطاع العام الذي ضم العمالة المتزايدة من خريجى الجامعات وحملة المؤهلات المتوسطة مما كان له أثره على الاستقرار الاجتماعى، حيث كان هؤلاء الخريجون عاطلين عن العمل منذ 1956، ووصل عددهم إلى 9 آلاف خريج من أبناء الفلاحين والعمال والموظفين، وتم تعيين هذا العدد الضخم واستمرت سياسة الدولة في توظيف الخريجين على الفور، بالإضافة إلى الحرص على مراقبة الأسعار باستمرار ومحاربة جشع التجار والرأسماليين، من أجل الحفاظ على كرامة الفقراء ومحدودي الدخل.
مجانية التعليم
توالت قرارات "عبدالناصر" خلال فترة حكمه لمصر، ففي يوليو 1962 أعلن عن مجانية التعليم في جميع المراحل تماشيًا مع مبدأ "تكافؤ الفرص" أمام الجميع وفقًا للقدرات الذهنية لكل إنسان.
دور "الزعيم عبدالناصر" في تحرر الوطن العربي
حقق "عبدالناصر"، مكاسب سياسية على الصعيد العربي والعالمي؛ حيث ساهم بدور كبير في مساندة وتأييد حركات التحرر الوطني، ودعا إلى وحدة الصف العربي في مواجهة التحالفات والتكتلات الغربية، وكان مؤتمر "باندونج" عام 1955، نقطة انطلاق إلى العالم الخارجي وانتهاجه سياسة عدم الانحياز، ورفع شعار الحياد الإيجابي، ورفض التبعية السياسية للدول الكبرى، كما دعا إلى مقاومة التحالفات التي تهدف إلى السيطرة على البلاد العربية.
وساند "عبد الناصر" ثورة الجزائر، وتبني قضية تحرير الشعب الجزائري في المحافل الدولية، وسعى كذلك إلى تحقيق الوحدة العربية؛ فكانت تجربة الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير 1958، تحت اسم "الجمهورية العربية المتحدة"، وتولى رئاستها بعد أن تنازل الرئيس السوري "شكرى القوتلي" له عن الحكم، إلا أنها لم تستمر أكثر من ثلاث سنوات.
هزيمة 1967 والتنحي
كانت هزيمة 1967، بمثابة زلزال هز مصر، فكانت أكبر هزيمة عسكرية تلحق بمصر في تاريخها الحديث، ولم تكن تلك الحرب هي أولى حلقات الصراع المصري الإسرائيلي؛ فقد سبقتها عدة جولات، كانت أولها حرب فلسطين التي حسم الغدر والعمالة والخيانة نتائجها لصالح العدو الصهيوني الطامع في أرض فلسطين العربية، ثم كان حادث غزة في 28 من فبراير 1955، حينما قتلت إسرائيل 42 جنديا مصريا، ثم كشفت إسرائيل عن وجهها القبيح وعداوتها في العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، وفي حرب 1967، فقدت مصر 10 آلاف مقاتل و1500 ضابط، ونحو 80% من قواتها العسكرية، وتم تدمير سلاح الطيران المصري واحتلال سيناء.
ودفعت تلك الهزيمة القاسية "عبدالناصر" إلى إعلان التنحي عن الحكم، واستعداده لتحمل التبعات؛ لأنه يعتبر نفسه المسئول الأول عما حل بالبلاد؛ فخرجت الجماهير تطالبه بالبقاء وتدعوه إلى التراجع عن قراره بالتنحي، وبالفعل استجاب للمصريين وعاد عن فكرة التنحي، واتخذ خطوات سريعة نحو تصفية مراكز القوى وإعادة بناء الجيش الذي دمرته الهزيمة، وبدأ مرحلة جدية من حرب الاستنزاف ضد إسرائيل، كان يسعى من ورائها إلى توجيه ضربات موجعة لإسرائيل؛ بهدف استنزاف قوتها، ومحاولة إعادة بناء الثقة في نفوس المصريين، واستمرت تلك الحرب حتى عام 1970 بعد القبول بمبادرة "روجرز" لوقف إطلاق النار بين مصر والاحتلال الصهيوني.
وفاة الزعيم جمال عبدالناصر
توفى "عبد الناصر" فجأة في 28 سبتمبر 1970، بعد أن ودع أمير الكويت آخر ضيوف مصر المشاركين في مؤتمر القمة العربية؛ لوقف نزيف الدم بين الأشقاء العرب في الأردن بين الاردنيين والفلسطينيين، وتنقية الأجواء بين العرب.