يقول القدّيس أثناسيوس الأورشليميّ (929- 936م) بطريرك بيت المقدس، في مأثره عن الاحتفال بعيد الصليب القاهِر، إن الملوك الأرضيّين إذا وقعت لهم حرب مع أعدائهم فإذا أرادوا أن يشدّدوا عساكرهم ويقوّوا عزائمهم ويلهبوهم نشاطًا نصبوا لهم الراية على مكان مرتفع لكي ينظر إليها جميع الجنود صغيرهم وكبيرهم ضعيفهم وقويهم جبانهم وشجاعهم فإنّهم كلما نظروا راية الملك تقوّوا وثبتوا وازدادوا نشاطًا.
وتابع، هكذا سيدنا المخلّص الذي هو ملك الملوك ورب الأرباب أمر مدبر نعمته أن يقيم علامته التي هي الصليب المعظم في وسط الكنيسة لكي ننظر إليه نحن المؤمنين أجناد المسيح كبيرنا وصغيرنا قوينا وضعيفنا نشيطنا وجباننا وهكذا نتقوى ونثبت في الحرب مع الشيطان عدونا الذي يزأر مثل الأسد الخاطف ويطلب من يفترسه ويبتلعه.
وأما مدبر المسيح وخازن أسراره فهو بطرس هامة الرسل الذي أمر برسم الصليب والمناداة به ووضعه على المذابح امام جميع الشعب كما تخبرنا البيعة في رتبة الصليب إذا تقول في صلاة الليل "بهذا الصليب رسمني بطرس ومنطقني بولس المختار"
وفي موضع آخر تقول إن الرسل عند خروجهم إلى البشارة حملوا صليب المسيح وجعلوا اتكالهم عليه ويعقوب السروجي في الميمر الثمانين عن مد يدي موسى النبيّ في الجبل يقول: "جاؤوا بالصخرة ووضعوها تحته وعليها جلس فقامت البيعة وعليها الصليب فليكن مباركًا خلاصه".
المذبح لتقهر به الشيطان وجنوده وجرت هذه العادة في جميع الكنائس أن تكون راية الصليب المكرم منصوبة فوق درجة المذبح لأن القداس هو تذكار موت الرب الذي أوصى بذلك تلاميذه كما كتب الرسول إلى أهل كورنثوس «فإِنَّكُمَ كُلَّمَا أَكَلتُم هَذا الخُبْز وشَرِبتُم هذِه الكَأس تُعلِنونَ مَوتَ الرَّبِّ إِلى أن يَأتي» (1كو11: 26)
وكما أن موت المسيح تم على الصليب وفق العقيده المسيحية كذلك يجب أن نجعل علامة الصليب نُصب أعيننا كلّما صنعنا تذكار موته.
وأمرت البيعة أن ترسم علامة الصليب على جدران الكنائس والمذابح والأغطية وملابس الكهنوت والدربزين والقربان وكلّ شيء يُقرّب لله لنعلم أنّه لله وقد طُبع بختمه. ولا يجب أن تُشيّد كنيسة جديدة قبل أن نصب الأسقف أولًا صليبًا في موضعها على مثال قوّاد العساكر الذين عندما ينالون نصرًا ينصبون راية الملك في الموضع الذي استولوا عليه.
قال القديس أمبروسيوس في الميمر السادس والخمسين "لا تقوى الكنيسة أن تقوم دون الصليب كما أن السفينة لا تقوم بدون سارية".
ولما كان المؤمنون يتناولون القربان بأيديهم كانوا يبسطونها على شكل صليب لكي تكون هيئة الصليب مصورة في أذهانهم كل حين كقول الرسول «أَنتُمُ الَّذينَ عُرِضَت أَمامَ أَعيُنِهِم صُورةُ يَسوعَ المسيحِ المَصْلوب؟» (غلاطية3: 1).
لأنّه بهذه العلامة حصل الخلاص لجميع نوع البشر وتقول البيعة في ستار الصليب أن المخلّص أعطاها ثلاثة جسده ودمه وصليبه. ثلاثة أسوار مشيّدة ليتحصن بها أولادها من أذى الشياطين ولذلك عند نهاية القدّاس بعد أن يكون الشعب قد اشترك في جسد الرب ودمه الكريمين تُرسم لهم إشارة الصليب لأجل اكتمال الرضا عليهم ويرتل الشمّاس قائلًا: "لجسدك أكلت وبدمك تطهرت وإلى صليبك التجأت فبها ارتضِ أيّها السيد الصالح وارحم الخطأة المستغيثين به".