كيف نشأت علامة الصليب في التاريخ المسيحي؟ وكيف تحول الصليب من حدث تم على الجلجثة في أورشليم إلى علامة روحية وطقسية تلازمنًا؟ ولماذا تحتل هذه العلامة مكانة بارزة في الطقوس الكنسية شرقًا غربًا؟ كلّ هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عليها بالعودة إلى العلاقة الليتورجية التي تربط المسيح بالمؤمنين أعضاء جسده فقد وهب المسيح قبل أيّ شيء آخر أن نشترك في شيء ذاتي وخاص به وهو "المسحة" والتي منها أتى اسم "المسيح" وهكذا في الاسم نفسه "المسيح" يجب أن يدور البحث التاريخي ولكن قبل هذه النقطة يلزمنا أن نسجل هنا ملاحظتين أساسيتين:
أولاً: إن الليتورجية ليست سوى حياة المسيح نفسه التي تعلن في الأسرار ولذلك فالصليب كأحد دعائم الخلاص يبرز في الليتورجية كسر إلهيّ قويّ إنّه ليس مجرد حركة أصابع ويد وإنّما هذه الحركة تلمس السرّ أيّ سرّ موتنا ودفننا وقيامتنا مع المسيح.
ثانيًّا: السرّ الكنسيّ لا يمكن فصله عن العلامات الطقسية ولذلك يصبح سرّ موت المسيح ميراثا ًلنا نمسك به في أيدينا عندما نرشمه وتكون العلامة الظاهرة ليست إلا تعبيراً عن العمق الروحي الغني الذي يربطنا بالمسيح.
"نحمل الصليب" "أيّ نرشم به"ما معنى أننا يجب أن نأخذ الصليب أو نحمله: «ومَن لم يَحمِلْ صَليبَه ويَتبَعْني، فلَيسَ أَهْلاً لي» (متى10: 38، لو14: 27). الحقيقة الأساسية هي أن أخذ الصليب هو ليس مجرد القبول فقط بل الحصول عليه هذه الحقيقة يكمن خلفها تقليد كنسي قديم يعود إلى حزقيال «إِجتَزْ في وَسَطِ المَدينة، في وَسَطِ أُورَشَليم، وأرسُمْ صَليبًا على جِباهِ الرِّجالِ الَّذينَ يَتَنَهَّدونَ وَينتَحِبونَ على كُلِّ القَبائِحِ الَّتي صُنِعَت في وَسَطِها» (9: 4).
فآخر حروف الأبجدية العبرانية القديمة هو حرف التاء والذي كان يكتب x وكان علامة عبادة يهوه رب الجنود وهناك في العهد القديم طلب الله من النبي أن توضع هذه العلامة على الجبهة وإذا عدنا إلى التفسير المسيحي للنبوة في سفر الرؤيا وجدنا أن العلامة التي توضع على الجبهة هى "ختم الله الحي" الذي يحمله الملائكة لكي يختموا به "عبيد الله على جباهم": « ورَأَيتُ مَلاكًا آخَرَ يَطلُعُ مِنَ المَشرِقِ ومعَه خَتمُ اللهِ الحَيّ، فنادى بِصَوتٍ جَهيرٍ المَلائِكَةَ الأَربَعَةَ الَّذينَ وُكِلَ إِلَيهم أَن يُنزِلوا الضَّرَرَ بِالبَرِّ والبَحر، قال: لا تُنزِلوا الضَّرَرَ بِالبَرِّ ولا بِالبَحرِ ولا بالشَّجَر، إِلى أَن نَختُمَ عَبيدَ إِلهِنا على جِباهِهم» (رؤيا7: 2-3) .
هؤلاء هم المختارون الذين يقفون مع الحمل على جبل صهيون « ورَأَيتُ حَمَلاً واقِفًا على جَبَلِ صِهْيون ومعَه مائَةٌ وأَربَعَةٌ وأَربَعونَ أَلفًا كُتِبَ على جِباهِهِمِ اسمُه واسمُ أَبيه» (رؤيا14: 1) هذا الاسم الخاص بالآب يهوه هو ذاته الاسم الخاص بالابن يهوه: « ويُشاهِدونَ وَجهَه، ويِكونُ اسمُه على جِباهِهم» (رؤيا22: 4) وبالتالي كان من الضروري أن يكتشف الذين يمارسون الطقس المسيحي أن حرف التاء العبري x هو أوّل حرف في اسم المسيح فهو يهوه الذي مسحه يهوه حسب نبوة المزمور: « نِبالُكَ مسَنونةٌ وشُعوبٌ تحتَكَ يَسقُطون وأَعْداءُ المَلِكِ تَنخَلعُ قُلوبُهم. عَرشُكَ يا اللهُ أَبَدَ الدُّهور وصَولَجانُ مُلكِكَ صَولَجانُ اْستِقامة أَحبَبتَ البِرَّ وأَبغَضتَ الشَّرّ. لِذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِزَيتِ الاِبتِهاجِ دونَ أَصْحابِكَ» (45: 6- 8) والذي أقامه مخلّصًا وربًا وفاديًّا.