نجد دائما فى المقابر المصرية القديمة رسومات للباب الوهمي أو الجسر الذي يربط بين عالمي الأحياء والموتى، ففي مصر القديمة تعرف المقابر بـ (بيت الأبدية) وهو ما يعرف عند الأثريين بالباب الوهمي، وقد أطلق الأثريون عليه بابا وهميا لأن شكله يبدو مثل باب ولكن لا يوجد به فتحة فتخيلوا أنه لتضليل اللصوص وهى في الحقيقة فكرة ساذجة لا تتناسب مع العبقرية الهندسية والفنية الموجودة في المقابر وكل الآثار المصرية.
وكان الباب الوهمى عند القدماء المصريين هو أحد الوسائل لتجسيد فكرة السيمترية فى المقبرة، والسيمترية هي نظرية تفترض وجود كون آخر هو صورة مرآه معكوسة من الكون الذي نحيا فيه وأن الانسان عندما يولد ثم يموت انما هو ينتقل بين الكونين وقد استدل علماء الفيزياء على هذه الفرضية من تتبع الضوء فاكتشف العلماء أن الكون يتمدد بسرعة الضوء وأن الضوء في حالة سفر دائم فى كل الاتجاهات ولكن هذا السفر يقف عند نقطة معينة ينكسر فيها الضوء ويعود مرة أخرى بشكل معكوس وكأنه اصطدم بمرآه تقع على حافة الكون.
ومن هذه المعلومة الفيزيائية جاءت فرضية أن حدود الكون مرآه وأن هناك كون آخر هو صورة مرآه معكوسة من الكون الذى نعيش فيه، وجسد المصري القديم فكرة السيمترية (الكونين المتقابلين كصورة مرآه معكوسة) في شكل الباب الوهمي حيث نرى أن كل جانب من الباب الوهمي هو صورة مرآه معكوسة من الجانب الآخر لكن ما يلفت النظر بشدة أنه فوق هذه السيمترية نجد منطقة وسطى تشبه الجسر تقع في المنتصف تماما وكأنها تصل بين العالمين.
والكونين حيث تجلس "كا" المتوفي وأمامها مائدة القرابين لتتلقى عليها القرابين من عالم الأحياء، وكانت القرابين هي وسيلة الاتصال بين عالم الأموات وعالم الأحياء في مصر القديمة حيث كانت زيارة المقابر ومقامات الأولياء في مناسبات فلكية معينة أحد أهم التقاليد التي حرص المصري، وكل الحرص على الحفاظ عليها طوال التاريخ وحتى يومنا هذا فنجد في التراث الشعبى الحرص الشديد على زيارة مقابر الأحبة والأهل الذين رحلوا وأيضا زيارة مقامات الأولياء في مناسبات معينة وأهم ما يميز تلك الزيارات هو حمل القرابين وهي ما يعرف بـ "طلعة القرافه" ويسمى الخبز الذي يحمل في زيارة المقابر "فطير القرافة".
كانت القرابين هي وسيلة تفعيل الـ "آخ" (Akh) وهي أحد الأجسام التسعة للإنسان وهي الجسد المشع الذي يمكنه الانتقال بين العوالم والدليل على ذلك من نجده في آثار الملك، وسنوسرت الأول الذي قال أنه عندما كان يبني المعابد ويقدم القرابين لأوزير فانما هو يفعل ما من شأنه تفعيل الـ "آخ"، أي إقامة الجسر بين عالم الأحياء وعالم الأموات ومفهوم القرابين ليس بالطبع لإطعام الـ "كا" فأجسام الطاقة الروحية لا تحتاج لطعام مادي ولكن الفكرة في القرابين هي "المشاركة"، فالزيارة الجماعية للمقابر ومقامات الأولياء هي مناسبة يجتمع فيها الأحياء والأموات ويحمل الزائر الغني المتيسر معه الطعام بنية اهداء هدية لروح المتوفي (الهدية عنوان المحبة).
وبعد ذلك لا يترك الطعام في المكان ليفسد بل يقدم للزائرين الآخرين الفقراء بنية طيبة واذا لم يوجد فقراء يتشارك كل الزائرين في تناول الطعام وهذه المشاركة وتقديم الطعام للآخرين بنية طيبة وبحب تتولد عنه موجات من الطاقة الإيجابية ويزيد من إيجابية تلك لطاقة أيضا مشاركة أرواح المتوفين هذه المشاعر الطيبة فتحل عليهم البركة (با–رع-كا) وهى جزء من الطاقة الحيوية للمتوفي ينقله للزائرين فيعود الزائر من تلك الزيارات محملا ببركة الأحباب الراحلين وبحب الأحياء الذين شاركهم الطعام.
وصور الفنان المصري القديم للمتوفى فوق سيمترية الباب الوهمي وفي المنطقة الوسط بين الكونين وهو يتلقى القرابين انما هو إشارة إلى أن القرابين هي الجسر الذي يربط بيننا وبين المتوفين في العالم الآخر.