قبل عدة أيام، تم إقرار حزمة إجراءات استثنائية لتيسير الإفراج عن الواردات، وتخفيف الأعباء عن المستثمرين، والمستوردين، فى مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، على نحو يُسهم في خفض أعباء الأرضيات والغرامات، خلال الأيام المقبلة، ومن ثم تقليل تكاليف السلع على المواطنين، وهو ما اعتبره البعض قرارا سيصب في صالح المستثمر والمواطن.
وتشهد مصر حاليًا مرحلة حرجة فيما يتعلق بالسياسات المالية، إذ إنها تحاول من جهة ضبط ارتفاع الأسعار بعد أن وصل معدل التضخم السنوي إلى نحو 15%، وتسعى من جهة أخرى إلى توفير النقد الأجنبي للخروج من نفق تبعات الحرب الروسية الأوكرانية خلال أزمة اقتصادية عالمية راهنة.
إعفاء المستثمرين والمستوردين من الأعباء الإضافية للتخزين
شهدت الفترة الماضية أزمة تكدس البضائع في الموانئ والتي وصفها اتحاد الصناعات بالبيروقراطية، واجتمع برئاسة الوزراء في عدة اجتماعات طارئة لحل تلك الأزمة.
وفجر محمد رستم، سكرتير عام الشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، مفاجأة أن أزمة تكدس البضائع بالموانئ ما زالت مستمرة، مطالبًا بسرعة تيسير استخرج نموذج ٤ تمويل الواردات بالتنسيق مع البنك المركزي، ووزارة التجارة والصناعة.
وأشار فى تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز» إلى أن مشكلة نقص العملة هو من ساهم في تضخم الأزمة وتضخمها في الموانئ، وتساءل «رستم» من سيتحمل غرامات الأرضيات هل ستكون شركات المستودعات «الكاونترات» أم ستتحملها الدولة أم المستورد؟، موضحًا أن قرارات وزير المالية لم توضح تلك النقطة، ويلزمنا قرارا إيضاحيا أكثر وتحركا بشكل سريع.
عدة إجراءات ميسرة
في نهاية أغسطس الماضي أكد وزير المالية في بيان له، أن الإجراءات تمت بالتنسيق مع البنك المركزي، ووزارتي النقل، والتجارة والصناعة، وغرف الملاحة، والتوكيلات الملاحية.
وأشار الوزير إلى التوافق على عدة إجراءات ميسرة؛ تُسهم في منع تكدس البضائع بالموانئ، موضحًا أنه سيتم خلال الأيام القليلة المقبلة الإفراج عن أي شحنات أنهت الإجراءات الجمركية وتنتظر نموذج تمويل الواردات «نموذج ٤» بالتنسيق مع البنك المركزي، ووزارة التجارة والصناعة.
أضاف الوزير أنه تم وقف تحصيل الغرامات الجمركية من المستثمرين والمستوردين المتأخرين في إنهاء الإجراءات الجمركية بسبب المستندات المطلوب استيفاؤها من الجهات ذات الصلة؛ بما يُساعد في تخفيف الأعباء عنهم، ومن ثم لا يكونون مضطرين لإضافة هذه الغرامات الجمركية إلى تكاليف السلع.
وأوضح الوزير أنه سيتم السماح للتوكيلات الملاحية بنقل البضائع المستوردة من الموانيء إلى المستودعات والموانئ الجافة خارج المنافذ الجمركية، بحيث يكون النقل باسم التوكيلات الملاحية، أو باسم المستوردين وفقًا للإجراءات المقررة.
وبين أن مصلحة الجمارك تتعهد للتوكيلات الملاحية بعدم الإفراج عن الشحنات المنقولة بأسماء المستوردين خارج المنافذ الجمركية إلا بعد إصدار هذه التوكيلات لـ«إذن التسليم»؛ لحفظ مستحقاتها؛ على نحو يُسهم فى إعفاء المستثمرين والمستوردين من الأعباء الإضافية لتخزين البضائع بالموانئ «قيمة الغرامات والأرضيات والحراسات».
وأشار الوزير، إلى أنه تم مد المهلة المقررة للسلع الغذائية لأربعة أشهر قبل تحويلها إلى «مهمل» بمراعاة تاريخ الصلاحية، و٦ أشهر للمنتجات غير الغذائية، لحين الانتهاء من استيفاء المستندات المطلوبة من الجهات ذات الصلة.
قرارات سابقة خاطئة
من جهته، قال رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، إن مشكلة تراكم السلع في الموانئ بسبب نقص العملة هو من ساهم في ارتفاع الأسعار وكانت تلك أحد أخطاء محافظ البنك المركزي السابق والذي أثقل المستورد بإجراءات عسيرة وغرامات على أيام الانتظار وكل هذا صب في ارتفاع الأسعار على المواطن لأن المستورد مثل التاجر لن يتحمل الخسارة بمفرده.
وتابع «عبده» في تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أنه أيضًا كانت هناك اشتراطات من محافظ البنك المركزي السابق بأن تكون العملة من مصادر معلومة من البنوك وليست شركات الصرافة على الرغم أنها مسجلة لديه ويعترف بها، موضحًا أن الإجراءات الأخيرة ألغت كل هذا وقامت بإلغاء الغرامات والإفراج عن جميع الشحنات، وتيسير الأمر بالنسبة للسلع الغذائية.
وشدد «عبده»، على دور الرقابة على الأسواق باعتبارها المحور الرابع للتنمية في الأنظمة الرأسمالية، لذلك وجب أن تتواجد في محور التنمية الذي وضعته الدولة.
وأشار إلى أنه سيتم إقرار إجراءات ميسرة وسيتم تيسير الأمر على استيراد مستلزمات الإنتاج، ولكن يجب أن يكون هناك رقابة على التاجر والمستورد، فمن يقوم بعمل غلاء في سعر المنتج بالخارج لا يجدد له رخصة استيراده وبيعه وهكذا.
واختتم أنه يجب أيضًا أن يتم عمل عدد من السياسات لخفض التضخم، حتى يستطيع المواطن أن يشعر بأن هناك مردودا قوىا يصب في دخله.
تدعيم الصناع والمنتجين
وأشاد اللواء محمد صلاح أبوهميلة، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري بمجلس النواب، الأمين العام للحزب، بحزمة الإجراءات الاستثنائية التي قدمتها الحكومة بتوجيهات القيادة السياسية منها قرار وزارة المالية بتيسير الإفراج عن الشحنات المستوردة، ووقف تحصيل الأرضيات والغرامات الجمركية من المستوردين والمستثمرين المتأخرين، موضحًا أن هذا يؤدي لمنع تكدس الواردات والبضائع في الموانئ ويخفف الأعباء عن المستوردين ورجال الصناعة.
وأوضح «أبوهميلة»، أن هذا القرار يقلل من تكاليف الإنتاج وبالتالي تقلل من أسعار السلع والمنتجات بالأسواق وهذا يعود على المواطن المصري بالإيجاب بخفض الأسعار، مشيرًا إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة ومدخلات الإنتاج عالميًا وتباطؤ سلاسل الإمداد عالميًا أثر بالسلب على الصناع والمنتجين بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج، وأن هذه القرارات الحكومية جاءت في توقيت مناسب لمساندة الصناع والمنتجين، مشيدًا بقرار البنك المركزى بإلغاء الحد الأقصى على عمليات الإيداع للأفراد والشركات، إضافة لرفع الحد الأقصى للسحب النقدي للأفراد والشركات، مؤكدًا أنه يعمل على إنعاش العمليات التجارية بين الشركات والأفراد وينشط الحركة الاقتصادية بالسوق.
تحمل الدولة لضرائب ١٩ نشاطًا تجاريًا
وأضاف «أبوهميلة»، أن قرار تحمل وزارة المالية كافة الضرائب العقارية للأبنية المستخدمة في ممارسة ١٩ نشاطًا صناعيًا لمدة ٣ سنوات، موضحًا أن هذا القرار جرئ وتوقيته مناسب لدعم رجال الصناعة وزيادة الإنتاج وتعظيم الصناعة الوطنية وتخفيض أسعار السلع بالأسواق، موضحًا أن القرار يقلل من حجم الأعباء على الشركات ويزيد ثقة المستثمرين في الحكومة ويساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية ما يدعم ويزيد الاقتصاد المصري قوة في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية، خاصة مع وصول معدل النمو لـ٦.٦٪.
وحسب كتاب دوري صادر عن الضرائب العقارية، فقد نص على أنه تنفيذ لقرار مجلس الوزراء رقم ٦١ لسنة ٢٠٢٢ بتحمل وزارة المالية كامل قيمة الضريبة على العقارات المبنية المستحقة على العقارات المبنية المستخدمة فعليًا في ممارسة بعض الأنشطة الصناعية اعتبارًا من أول يناير الماضي ولمدة ٣ سنوات حتى ديسمبر ٢٠٢٤ وذلك لمساندة تلك الأنشطة في ظل الظروف التي مرت بها البلاد والعالم أجمع بما يسهم في دعم جهود الدولة الهادفة لتوطين الصناعة والتخفيف من الأضرار التي لحقت بتلك الأنشطة.
ونص المنشور على الأنشطة المستفيدة من القرار والتي تضم صناعة الغزل والنسيج، والصناعات الهندسية، والتعدينية، والمعدنية، والجلود، والخشب والأثاث. كما تشمل الصناعات المستفيدة من القرار صناعة الورق ومنتجاته وطباعة ونشر، ومواد البناء والخزف الصيني والحراريات، والصناعات التحويلية، والأسمنت، والحديد، والسيراميك، والصناعات الدوائية، والصناعات الطبية، والكميائية، والصناعات الغذائية، والإنتاج النباتي والحيواني.
وبالنسبة لشروط استفادة المصانع من القرار فنص المنشور على أن يكون ضمن الأنشطة الصناعية السابقة، وأن يكون النشاط مسجلًا ضمن الاقتصاد الرسمي للدولة، وتكون العقارات المبنية التي يتم تحمل الضريبة عنها مستخدمة فعليا في ممارسة النشاط، ولا يخل بذلك حق المصلحة في استبدال المـتأخرات الضريبية المستحقة على الأنشطة المشار إليها حتى نهاية ديسمبر الماضي طبقًا لأحكام القانون.
توفيق الأوضاع للمشروعات الصغيرة
ودعا محمد السلاب، وكيل أول لجنة الصناعة بالبرلمان، كافة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي لم توفق بعد أوضاعها إلى الدخول في المنظومة الرسمية للاقتصاد للاستفادة من كافة الحوافز الاستثمارية التي توفرها الدولة للأنشطة الاقتصادية المختلفة.
وتساهم الصناعة والزراعة والأنشطة العقارية وقطاع السياحة بنحو ٦٠٪ من الناتج المحلي الإجمالي لمصر خلال العام المالي الماضي.
وأوضح «السلاب»، في بيان له، أن القطاع الصناعى فى مصر رغم الأزمة التي يعيشها العالم على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، إلا أنه استطاع تحقيق معدلات نمو إيجابية ووصلت إلى ٩.٩٪ بما يعكس قوة وقدرة القطاع على مواجهة الأزمات، مؤكدًا أن الصناعات التحويلية تعد أساسًا لخلق قيمة مضافة تعمل على زيادة الناتج المحلي الإجمالي لمصر.
تداعيات القرارات
ويقول دكتور محمد شادى، الباحث الاقتصادي بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، قائلًا: «الاتاحة بمعنى أنه سيكون هناك فرصة للبضائع المصرية».
وأشار إلى أن المواطن المصرى هو المستفيد والخاسر في نفس الوقت، فكان هو من يدفع ثمن تأخر البضائع في الموانئ ويضع المستورد فاتورة ما أنفقه على السلعة فترتفع الأسعار، أما الآن فمع التيسيرات الجديدة سيصبح المعروض في السوق بتكلفته الحقيقية.
وضرب مثل قائلًا: «ما يحدث في سوق السيارات وارتفاع أسعارها أمر مبالغ فيه للغاية، فإذا كانت السيارة تكلفتها ٤٠٠ ألف جنيه فلماذا تباع بـ٨٠٠ ألف، هل قام المستورد بدفع جمارك ضعفها، قائلًا الأمر مبالغ فيه وسيتم من خلال تلك الإجراءات الجديدة التحكم في هذا».
استيراد السلع الأساسية
وتابع قائلًا إن حزمة إجراءات تيسير الإفراج عن الواردات وتخفيف الأعباء عن المستثمرين تأتي من خلال إطارين، الأول استعادة الدولة المصرية للنمط العادي الخاص بتيسير دخول البضائع المستوردة إلى الأراضي المصرية، وذلك على خلفية حدوث ضغط كبير الفترة الماضية على التدفقات النقدية والاحتياطي الأجنبي بسبب أن لدينا موارد أقل من العملة الصعبة وإنفاق أعلى بسبب ارتفاع الأسعار بسبب ارتفاع أيضًا أسعار الطاقة ما ساهم في ارتفاع التدفقات الخارجية وبالتالي تم تقليل هذه الضغوط قبل ٥ أشهر.
وأشار «شادى» إلى أن الإطار الثاني هو التوجه لاستيراد السلع الأساسية التي نحتاجها، لتقليل تدفق النقد الأجنبي للخارج.