منذ أن بدأت الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، اتجهت الولايات المتحدة لإتباع سلاح ذو حدين لمساندة حليفها الأوكراني ضد الغزو الروسي، فقد اتبعت الولايات المتحدة سياسة "فرض العقوبات"على روسيا، كأداة ضغط لدعم حليفها الأوكراني في حربه، ويُمكن تعريف العقوبات على أنها: "وسيلة وسيطة بين الدبلوماسية والقوة العسكرية في منظور الدول التي تتبنى استخدامها، وذلك لأنها كما يرون تُضيف أنيابًا إلى الدبلوماسية الدولية"، وسياسة "المساعدات/ المعونات" التي تقدمها لحليفها الأوكراني والتي يُمكن تعريفها على إنها: "التدفقات المالية والمساعدة التقنية والسلع التي تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية كهدف رئيسي ويتم تقديمها إما كمنح أو قروض مدعومة"، ولكن هذا التعريف لا يشمل الأغراض العسكرية أو الأهداف الغير تنموية وهي أشكال أساسية للمعونة التي تقدمها الولايات المتحدة.
فمنذ بداية الحرب اتجهت الولايات المتحدة إلى فرض عدد من العقوبات على روسيا وذلك من خلال قيام وزارة الخارجية الأمريكية بإدراج طبقة النخبة الروسية والكيانات المملوكة للدولة وكذلك السلطات غير الشرعية في قائمة العقوبات، كما فرضت تكاليف إضافية على الحرب الروسية من خلال إدراج 24 كيانًا روسيًا للدفاع والتكنولوجيا في قائمة العقوبات وذلك بموجب الأمر التنفيذي ذو الرقم 1404.
التراجع النسبي للهيمنة الأمريكية على النظام الدولي:
على الرغم من أن الولايات المتحدة تعتبر حتى الآن هي القوى العظمي الوحيدة بين مجموعة من القوى الكبرى إلا أن قوتها النسبية تتراجع بمرور الوقت وذلك نتيجة لعدة تحديات منها:1- تراجع الاقتصاد الامريكي والذي سجل هبوطًا تاريخيًا في الربع الثاني من العام بعدما تراجع بنسبة 33% وهو أسوأ انخفاض فصلي على الإطلاق، وسجل تراجعًا بنسبة 5% في الربع الأول من 2020، ليدخل بذلك الاقتصاد في ركود رسميًا ناتج عن تفشي فيروس كورونا وغيره من المشاكل الداخلية التي تواجهها الإدارة الأمريكية من تزايد الديون ومعدلات الفقر حيث قدرت وكالة فيتش نسبة الدين العام بمقدار 130% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي بحلول عام 2021. وكذلك تراجع الدخل الكلي لمؤسسة جولدمان ساكس الأمريكية بنسبة 47% إلى 3.7 مليار دولار أمريكي للسهم الواحد خلال الربع الأول من عام 2022، وذلك نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية. هذا بالإضافة إلى 2- صعود دول أخرى في النظام الدولي تسمى بالدول الصاعدة غير الراضية عن دورها في النظام الدولي فتسعى للتغيير وتنافس الولايات المتحدة مثال على ذلك: روسيا والصين.
تعتبر روسيا قوى عظمى تنافس الولايات المتحدة في الساحة الدولية وتلعب دور فعال في النظام الدولي وتحاول استعادة نفوذها وسيطرتها وإعادة تأسيس نفسها كقوة عالمية فعلى الرغم من فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا (بسبب قضية المدون أليكسي نافالني، وقضية سكريبال وكذلك الموقف الروسي الداعم للصين وكوريا الشمالية، وكذلك مواقفها من سوريا وإيران، وكذلك التدخل في الانتخابات الأمريكية، وأخيرًا وليس آخرًا الحرب الروسية الأكرانية...)، تحاول روسيا تجاوز العقوبات والمحافظة على حجم اقتصادها. ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة غير قادرة على تطبيق الاحتواء الاقتصادي في ظل اعتماد أوروبا على موسكو في تبادل السلع والحصول على مصادر الطاقة المتمثلة بشكل رئيسي في الغاز كما أن هناك صعوبة في تطبيق الاحتواء العسكري للتخوف من رد الفعل العنيف المتوقع لاسيما في ظل اتجاه روسيا لتكوين تحالف عسكري استراتيجي مع الصين ضد الولايات المتحدة.
التدخل العسكري الأمريكي في الحرب الروسية الأوكرانية:
في الفترة الأخيرة حذرت روسيا من احتمال لجوئها إلى استخدام أسلحة نووية في حربها ضد أوكرانيا، حيث أعلنت موسكو عن استعدادها للدفاع عن أراضيها ووحدتها بكافة الوسائل الممكنة، وقد أعلن الرئيس "فلاديمير بوتين" مؤخرًا عن التعبئة العسكرية الجزئية.
وهذا ما يجعلنا نتسائل حول هل ستلجأ الولايات المتحدة إلى تغيير سياستها تجاه روسيا وتستغنى عن سياسة العقوبات الاقتصادية في مقابل استخدامها الأداة العسكرية لمساندة حليفها الروسي؟
قررت إدارة بايدن أن تتبنى ما يعرف بخيار "الغموض الاستراتيجي"، في حالة اتجاه روسيا إلى استخدام السلاح النووي في أوكرانيا، حيث أوضحت صحيفة واشنطن بوست أن وزارة الخارجية الأمريكية شاركت في إيصال تحذيرات واشنطن إلى موسكو حال استخدام موسكو للأسلحة النووية.
فالمتتبع للوضع يلاحظ أن واشنطن لا تخطط لإرسال قوات عسكرية لأوكرانيا وذلك لعدة أسباب منها:
1- أنها ليست عضوًا في حلف الناتو، ولذلك لا ينطبق عليها المادة الخامسة من ميثاق الحلف التي تُفيد بأن الدول الأعضاء تلتزم بتحريك قواتها للدفاع عن دولة عضو حال تعرضها لعدوان عسكري.
2- كما أن الرأي العام الأمريكي لا يُحبذ أنخراط الإدارة الأمريكية في الصراع العسكري في أوكرانيا، حيث يدعم الأمريكيون العقوبات الاقتصادية ضد روسيا مقابل إرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا في حالة الغزو الروسي.
3- إعلان بايدن في 15 فبراير 2022 أن واشنطن لن ترسل قوات لدعم أوكرانيا، لكنه وعد بدعم الشعب الأوكراني وحكومته بأسلحة دفاعية ومساعدات اقتصادية.
4- المشاكل الداخلية التي يواجهها الداخل الأمريكي نتيجة لتراجع الاقتصاد وارتفاع معدلات الفقر.
الخلاصة:
في ضوء ما سبق وفي ظل التطورات الحديثة يظل التساؤل حول هل ستستمر الولايات المتحدة في استخدام سياسة العقوبات كبديل للأداة العسكرية والتدخل المباشر في الحرب؟ أم أنها ستلجأ إلى تغيير سياستها واتباع سياسة أكثر فعالية لردع الدب الروسي الذي يحاول تغيير شكل النظام الدولي ويخرجه من الهيمنة الأمريكية وتحويله إلى نظام ثنائي القطبية أو نظام متعدد الأقطاب.
آراء حرة
هل تلجأ أمريكا إلى الأداة العسكرية لدعم الحليف الأوكراني في حربه؟
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق