تصاعد التوتر بين النيتو وحلفاءه وروسيا الاتحادية دفع بسيناريو إندلاع حرب عالمية نووية إلى المنطقة الضبابية التى تفتح الباب على مصراعيه أمام جميع الاحتمالات.
أوشكت روسيا الاتحادية على تحقيق انتصار سياسي لإجراءها استفتاء على الانضمام إلى سيادتها للأراضى التى سيطرت عليها فى إقليم الدونباسك بالإضافة إلى خيرسون وزباروجيا وهو الاستفتاء الذى كان مزمعًا اجراؤه فى 11 سبتمبر الماضى وتأجل بسبب تراجعات الجيش الروسى فى منطقة خاريكوف.
هذا الانتصار هو ما تسبب فى حالة الفزع والذعر الأمريكى الأوروبى ما دفعهم إلى التضخيم فيما وصفوه بهزيمة روسية فى خاريكوف، وتحريف تصريحات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حول استعداد بلاده للدفاع عن وحدة أراضيها بكل ما تملكه من قدرات عسكرية يفوق بعضها القدرات الغربية؛ وانطلق الساسة الغربيون وعلى رأسهم جو بايدن يتحدثون عما وصفوه تهديدًا صريحًا من جانب بوتين لاستخدام السلاح النووى الاستراتيجى فى محاولة للتأثير على حلفاء وأصدقاء روسيا من ناحية ولإقناع الرأى العام الأوروبى بضرورة استمرار فرض العقوبات على روسيا ودعم أوكرانيا لامتصاص غضبه تجاه حكوماته نتيجة لأزمة الطاقة وما تمثله من تهديد حقيقى للمواطن الأوروبى الذى عليه مواجهة برد الشتاء وارتفاعات الأسعار الجنونية ناهيك عن فقدان فرص العمل فى المصانع التى بدأت تغلق أبوابها وتتجه لمواصلة نشاطها فى دول أخرى من بينها الولايات المتحدة الأمريكية حيث ستدعم الاقتصاد الأمريكى وتوفر فرص العمل للأمريكيين بحسب تقرير لصحيفة الوول ستريت جورنال الأمريكية.
تحتاج الحكومات الغربية هذا النوع من الدعاية الكاذبة حول تهديد نووى روسى محدق للأوروبيين فى ظل ما شهدته أغلب عواصم أوروبا من مظاهرات تطالب بوقف الدعم لأوكرانيا ورفع العقوبات عن روسيا وتشغيل خط السيل الشمالى2 لمد الغاز الروسي عبر ألمانيا.
أمامنا أربع أيام حتى تنتهى عمليةالاستفتاء، وحال جاءت النتيجة بضم تلك الأقاليم إلى سيادة روسيا الاتحادية وهو الأمر المرجح ستكون روسيا قد حققت أحد اهم أهدافها من العملية العسكرية الخاصة وهذا ما يفسر إعلان الرئيس الروسى حالة التعبئة الجزئية لجنود الاحتياط ذلك أن خطوة كهذه والتى بدأت بترتيب الاستفتاء لابد وأنه قد تم التخطيط لها منذ وقت طويل وضم هذه الأراضى إلى السيادة الروسية يعنى بالضرورة الحاجة الماسة للمزيد من الجنود للدفاع عنها فى مواجهة اعتدءات الجيش الأوكرانى وهو ما قد يتطلب زيادة رقعة العمليات العسكرية إلى عدة مئات من الكيلومترات لتثبيت التواجد الروسى وإبعاد قوات كييف إلى مسافات آمنة تمنعها من مواصلة تهديد سكان تلك المناطق على نحو ما فعلت مع سكان إقليم الدونباسك طوال السنوات الثمانى الماضية بحسب التقارير الروسية.
فإذا كانت التكنولوجيا العسكرية المتفوقة تضمن لمائة وخمسين ألف جندى روسى اجتياح تلك المناطق، فإن تأمينها يتطلب أعدادًا مضاعفة ناهيك عن باقى الأهداف العسكرية الروسية من هذه العملية والتى مازالت غير واضحة حتى الآن.
ولأن موسكو تدرك أن واشنطن لن تقبل بهذا الانتصار، وأنها ستزيد من وتيرة الدعم العسكرى للجيش الأوكرانى ربما بأسلحة ذات مدايات أطول وأكثر تطورًا، ترافق مع إعلان الرئيس الروسى عن التعبئة الجزئية تحذيره الواضح وغير المخادع كما وصفه بأن بلاده ستدافع عن وحدة أراضيها بما فى ذلك الأراضى الجديدة المستفتى عليها بكل ما تملكه من قدرات عسكرية متطورة وهو الإعلان الذى أعقبه عدة تصريحات لمسئولين روس توضح ان الدول التى ستواصل دعم أوكرانيا بأسلحة تتمكن من الوصول بقذائفها إلى الأراضى الروسية طرفًا فى الصراع وفى مواجهة مباشرة مع روسيا الاتحادية.
أما الحديث الصريح عن استخدام السلاح النووى الاستراتيجى فقد جاء على لسان نائب رئيس جهاز الأمن القومى الروسى ردًا على تصريحات رئيس قوات النيتو السابق فى أوروبا والتى قال فيها أن حلف النيتو سيقوم بتدمير الأسطول الروسى فى البحر الأسود والقواعد العسكرية الروسية فى جزيرة القرم كرد فعل حاسم على التعبئة الجزئية للجيش الروسى واجراء الاستفتاء فى شرق وجنوب أوكرانيا.
صحيح أن هذا التصعيد المتبادل على مستوى التصريحات يجعل من مسألة تطور الصراع إلى حرب عالمية نووية فى منطقة الترجيحات لدى بعض المحللين السياسيين إلا أن هذا الأمر يبقى مرهونًا بنوعية الأسلحة التى سيرسلها الغرب إلى أوكرانيا؛ ورغم هذا التصعيد خرج الممثل الكوميدى فلوديمير زلينيسكى يتوسل ألمانيا لإرسال دبابات تمكنه من مواصلة القتال؛ أما الرئيس الأمريكي جو بايدن فقد حرص على استخدام ألفاظ حاسمة تؤكد أنه سيتخذ رد فعل صارم تجاه روسيا إذا هى أعلنت ضم الأقاليم الجديدة موضحًا أنه سيجعل موسكو تتكبد تكاليف اقتصادية باهظة بالمزيد من العقوبات وهو السلاح الذى ثبت فشله طوال الشهور السبعة الماضية رغم تضمنه أكثر من عشرة آلاف عقوبة.
تامى غضب الرأى العام الأوروبى واتساع الهوة بين قادة الاتحاد فى الموقف من الأزمة الأوكرانية بمجئ حكومة يمينية جديدة فى إيطاليا تتوافق مع المجر فى رفض المزيد من المواقف المتشددة ضد روسيا علاوة على الصراع الأمريكى الصينى حول جزيرة تايوان؛ كلها عوامل ستجعل الغرب يحسب خطواته القادمة على نحو سيمنح بوتين مساحة أكبر للمناورة والرهان إما على إنهيار كامل فى الموقف الأوروبى بسقوط المزيد من الحكومات، أو سعى الساسة الحاليين للتوصل لصيغة ما للتوافق مع روسيا للبدء فى التفاوض حرصًا على تماسك الاتحاد واستمرار بقائهم فى السلطة فيما ستتقلص قدرة واشنطن على فرض رؤيتها بمرور الوقت إلى أن يرحل بايدن فى الانتخابات الرئاسية المقبلة ويأتى ترامب أو رئيس آخر يستطيع إعادة التوازن لبلاده فى عالم متعدد الأقطاب.
آراء حرة
الأزمة الأوكرانية.. استفتاء وسط ضباب نووى..!
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق