كشفت صحيفة "فاينانشيال تايمز"، في عددها الصادر اليوم الجمعة، أن استطلاعًا للرأي بشأن قطاع الأعمال في منطقة اليورو ساهم في خفض قيمة العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" خلال تعاملات اليوم إلى أدنى مستوى له أمام الدولار منذ 20 عامًا.
وأوضحت الصحيفة في سياق تقرير نشرته عبر موقعها الإلكتروني أن المسح المعياري لشركات منطقة اليورو، من جانب "ستاندرد اندر بورز جلوبال"، وهي شركة عالمية متخصصة في تقديم خدمات المعلومات المالية، أشار إلى موجات ركود حاد في كتلة العملة الأوروبية، مؤكدًا أن النشاط التجاري عانى من أكبر انكماش له لمدة 20 شهرًا، في حين ارتفعت ضغوط الأسعار بأقصى وتيرة لها منذ يونيو الماضي.
وانخفض مؤشر "ستاندارد آند بورز" أو"S&P Global" الرئيسي في منطقة اليورو 0.7 نقطة ليصل إلى 48.2، وهو أدنى مستوى له منذ يناير 2021، وذلك للشهر الثالث على التوالي دون أن يصل إلى علامة (50 الحاسمة) التي تفصل النمو عن الانكماش.
تعليقا على ذلك، أكدت الصحيفة أن التطورات الاقتصادية في منطقة اليورو تعد أقوى دليل حتى الآن على أن أزمة الطاقة الناجمة عن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا قد دفعت الكتلة نحو الركود، إلى جانب ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية.. موضحة أن أسعار السندات والأسهم في منطقة اليورو انخفضت، كما انخفض اليورو بنسبة 0.9 في المائة مقابل الدولار ليصل إلى 97.5 سنت صباح اليوم الجمعة، وهو أدنى مستوى له منذ أكتوبر 2002.
وارتفع العائد القياسي في ألمانيا لأجل 10 سنوات فوق 2 في المائة لأول مرة منذ 11 عامًا، في حين انخفض مؤشر "داكس-40" للشركات الألمانية الكبرى 1.4 في المائة وبلغ أدنى مستوى له منذ عامين تقريبًا.
ويبرز التباطؤ في النشاط التجاري التحدي الذي يواجه صانعي السياسة النقدية في المنطقة، والذين من المتوقع أن يستمروا في رفع فوائد الاقتراض لمحاربة التضخم على الرغم من التباطؤ.. فيما قال كلاوس فيستيسن الخبير الاقتصادي في مؤسسة "بانثيون للاقتصاد الكلي" - في تصريح خاص لـ "فاينانشيال تايمز" - "الصدمة التضخمية حقيقية، وهي تتفاقم أيضًا".
ورفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار 125 نقطة أساس إلى 0.75 في المائة منذ بداية الصيف، ومن المتوقع أن يُزيد من معدلات الفائدة مرة أخرى في اجتماعات أكتوبر وديسمبر القادمة.
وخفض الاقتصاديون في بنك "دويتشه" الألماني هذا الأسبوع توقعاتهم بشأن آفاق النمو قائلين "إن أزمة الطاقة الراهنة تسببت بالفعل في أن يغرق اقتصاد منطقة اليورو في الانكماش".. متوقعين أن ينكمش الاقتصاد بنسبة تراكمية تبلغ 3 في المائة من الربع الثالث من هذا العام إلى الربع الثاني من عام 2023.
وجاءت نتائج مؤشر "ستاندارد آند بورز" كما كان متوقعًا من قبل اقتصاديين استطلعت وسائل الإعلام العالمية آراءهم؛ مما يؤكد التحديات التي تواجه اقتصاد منطقة اليورو بعد أن أبلغت الشركات عن تراجع إنتاج المصانع وتراجع الطلبات الجديدة وارتفاع أسعار الطاقة.
وكان أداء الكتلة المكونة من 19 دولة أفضل من المتوقع حتى الآن هذا العام، حيث نمت بنسبة 0.8 في المائة في الربع الثاني بفضل الانتعاش في قطاع السياحة.. ومع ذلك، يعتقد معظم الاقتصاديين أنه يتباطأ بالفعل بشكل حاد، حيث حذر العديد منهم من حدوث ركود في الشتاء المقبل، حسبما أبرزت الصحيفة البريطانية.
علاوة على ذلك، رسم مسح مؤشر "ستاندارد آند بورز" صورة قاتمة لظروف العمل في نهاية الربع الثالث، حيث أبلغ المصنعون عن تراجع رابع على التوالي في إنتاج المصانع وبعض الأدلة على تطورات سوق الطاقة تحد أيضًا من قدرات الإنتاج، حسب قولهم، كذلك، ظل نمو الوظائف دون تغيير منذ أغسطس الماضي، عندما تباطأ إلى أدنى مستوى له في 17 شهرًا.
كما تراجعت الطلبات الجديدة لأعمال الخدمات بمعدل متزايد مع بقاء المزيد من المستهلكين الذين يواجهون ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء في منازلهم لتوفير المال، حيث سجلت الشركات في جميع القطاعات أكبر زيادة في التكاليف منذ يونيو الماضي؛ مما أدى إلى تسارع نمو الأسعار المفروضة على السلع والخدمات، حيث سعت الشركات إلى حماية هوامش الربح.
وقالت كاتارينا كينز الخبيرة الاقتصادية في "أكسفورد إيكونوميكس": "نمو الخدمات في منطقة اليورو يتباطأ الآن بشكل ملحوظ، كما أن التضخم يثقل كاهل القوة الشرائية للمستهلكين.. وعلى الرغم من انخفاض مخاطر نقص الطاقة خلال فصل الشتاء إلى حد ما، إلا أنه لا يزال يمثل خطرًا رئيسيًا على التوقعات الاقتصادية".
ويقوم بعض أكبر مستخدمي الطاقة في أوروبا، من شركات الصلب إلى شركات الكيماويات، بتقليص الإنتاج.. فيما حذر قادة الأعمال من أن ارتفاع الأسعار قد يؤدي إلى تآكل القدرة التنافسية للمنطقة.