"خيط رفيع حرير تربط به القاعدة عنقها الآن.. إما أن يخنقها او ينزلق فينكشف الجسد ونطيح بالرأس" تلك هي استراتيجية الإدارة الأمريكية في تتبع شبكات القاعدة حول العالم بحسب ما اعلنت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مطلع أكتوبر 2022م.
وهذا ما يدفعنا إلي فهم الخلافات الداخلية بين فروع التنظيم وبين القيادة العامة في اختيار من سيخلف الظواهري وهو ما سوف يكشف أيضًا موقف التنظيم في المرحلة الحالية أو ما نطلق عليه "البيات الشتوي" حتي يحدث عمل تسترد فيه القاعدة عافيتها المريضة ،
ومن هنا سوف تلعب افرع القاعدة دورًا في عدم نعي الظواهري في المرحلة الحالية، ناهيك عن جدلية تواجد بعض القادة في إيران، ولقد رصدت عدد كبير من المنصات وحتى منصات إيرانية، تروج أن "سيف العدل" غير متواجد على الأراضي الإيرانية، لكن الأرجح أن التنظيم يتجنب أن لا يرتكب خطأ داعش الفاضح في تغييب أتباعه عندما أخفى خبر تصفية متحدثة السابق أبو حمزة القرشي، فقد نعت القاعدة الظواهري بطريقة غير رسمية وهي عبارة عن صفحات لبست مباشرة الانتماء سواء من محبين او معجبين وليس لهم تواصل كبير مع المركز الإعلامي "مؤسسة السحاب"، وتشير مصادر أخرى ان التنظيم يخاف من المتابعة والملاحقة الأمنية وخاصة من الامن السبراني بعد مقتل ابو محمد المصري وهو شخصية بارزة في القاعدة كان يعيش في إيران (مع ابنته، أرملة حمزة بن لادن) في طهران فقد بعثت تلك العملية برسالة قوية إلى شخصيات بارزة أخرى في القاعدة تعيش في البلاد: أنت لست بأمان.
لماذا تأخر عن الإعلان عن أمير القاعدة الجديد؟
غياب تسمية قائد جديد لتنظيم القاعدة يكشف عن وجود صراع حقيقي قائم بين أنصار وقيادات أفرع مختلفة لها تاريخ في التنظيم، كما تشير الدلائل لوجود عدد من المعارضين نقضًا ورفضًا لأشخاص وأسماء بعينهم داخل التنظيم، فقد تعالت أصوات من داخل التنظيم تعارض ترشح محمد صلاح الدين زيدان "سيف العدل" صهر أبو الوليد مصطفي حامد الملقب بمؤرخ القاعدة "العنيد"،قائد التطبيع القاعدي مع ايران والحرث الثوري، ليكون القائد العام بالرغم من أن جميع توقعات أجهزة الاعلام وكثير من الخبراء بذلك كانت تشي إلى أن هذا الرجل هو صاحب الحظ الأكبر والاوفر في الحصول علي المنصب.
ويرجع ذلك لثلاثة أسباب رئيسية:
أولًا: خلاف في مجلس شوري القاعدة حول القيادة المرشحة كبديل، فهناك صراع بين مجموعة الظواهري ومجموعة بن لادن والقيادة التقليدية القديمة علي من يخلف الظواهري.
ثانيًا: الصراع التقليدي بين "داعش" و"القاعدة" لسحب البساط من يد القاعدة وعناصرها لصالح تنظيم داعش الارهابي بعد وفاة القيادة المركزية ذات المرجعية للتنظيم وخاصة في مناطق شرق أسيا وافريقيا.
لذلك تحاول "داعش" أن تنتهز الفرصة التاريخية في كسب ولاء أنصار القاعدة وخاصة في ظل عدم وجود بيعة شرعية لاي أمير حاليًا، فتيارات الإسلام السياسي عندهم فهم خاطئ لحديث "إذا بويع لخليفتين قتلوا الآخر"؛ فقدرة داعش الآن تكمن في كسب الحرب الإعلامية والدعوية في المناطق غير الناطقة باللغة العربية، إذ يسهل السيطرة علي اتباع تنظيم القاعدة وحركة طالبان وضمهم إلي التنظيم.
ثالثًا: الخوف علي حياة من يخلف الظواهري خاصة مع تتبع أجهزة الاستخباراتية العالمية للشخص البديل للظواهري وفي الذاكرة التخلص من أبو بكر البغدادي وخليفته أبو عبد الله القرشي في اقل من ستة اشهر.
واعتادت داعش تسمية قياداته في فترة زمنية قصيرة، حيث أسندت مهمة قيادة التنظيم للقرشي بعد خمسة أيام فقط من مقتل البغدادي نهاية أكتوبر 2019م، مما أدى لاستهداف القرشي بعد ذلك في غارة جوية أميركية، 3 فبراير 2020م، بعد ان أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن مقتل زعيم داعش القرشي بمنطقة أطمة بمحافظة إدلب شمال غربي سوريا.
الظواهرية ورفض سيف العدل
تكمن حجة مجموعة القاعدة الرافضة لسيف العدل من قيادة التنظيم (مجموعة الظواهرية) الأولى: هي وجوده وإقامته في إيران لمدة تزيد عن عشرين عامًا وبغض النظر عما إذا كان مخيرًا أو مجبرًا، سجينًا أم حرًا، فإن وجوده هناك يجعل من السهل التحكم به من قبل الآخرين لتحقيق مآربهم وكذلك حتمية اختراق التنظيم لو تولي القيادة العليا .
الحجة الثانية: لذلك الرفض من مجموعة الظواهرية هو أن سيف العدل كان بعيدًا عن المسرح الجهادي فالقائد والمفتي للتنظيم في عقل القواعد التنظيمية "أميري يكون امامي" يجب أن يكون دائمًا في قلب المعركة وامام الجنود والقواعد التنظيمية، واحتماليات نسيانه لصعوبة الحياة والمشقات التي يتحملها ويعانيها أولئك المتواجدين على مسرح العمليات في المناطق الملتهبة واردة عند سيف العدل فما تكسبه ضراوة ومعايشة وواقعية العمليات تختلف على تعوده على أن يعيش بنعومة وترف في ايران، كل ذلك جعله غير مؤهلًا لفهم متطلبات قواعد القاعدة في الداخل أو ما يمرون به من تحديات في الخارج. وذلك يمثل انفصالا بين القائد وبين أتباعه يؤدي إلى ضعف القيادة وفشل القائد. وهو ما ينطبق علي سيف العدل.
ومن بين الأسباب الأخرى التي يرددها اتباع مجموعة الظواهري هي أن سيف العدل لا يملك كاريزما الشخصية القيادية الطبيعية والحضور القوي، فهو (حسب رأي هؤلاء) رجل حاد الطباع متعصب لرأيه، كما أنه سريع الغضب وشديد الانفعال ومختلف مع الظواهري في بعض الامور الفكرية، وكل هذه الصفات تجعل من حوله ينفرون منه بسهولة.
وكشفت رسائل مؤخرًا في تنظيم القاعدة "رسالة قديمة من أسامة بن لادن" يذكر فيها أن سيف العدل المعروف بأبي خالد كان أقل تأهلا من أقرانه وإن حصل واستلم القيادة فسيكون لذلك تأثيرٌ سلبي على التنظيم في سوريا والداخل العراقي( حصلت علي نسخة مبكرًا).
لهذا فنحن أمام صراع نفوذ ومصالح وسيطرة داخل تنظيم القاعدة الآن، وهو يقود لرفض سيف العدل ورغم نفوذ إيران داخل القاعدة، وتواجد طالبان ايضًا في مركزية القلب، وأن أكثر قياديي التنظيم بعد أحداث سبتمبر جاءوا من إيران، ومعظم القيادات كانت لها مصالح مع حركة طالبان لكن الظواهرية يتساءلون: ما الذي قدمه سيف العدل لإيران مقابل حمايته ؟ وما الذي قدمه لهم ليعيش هناك هذه الحياة السهلة المترفة الآمنة؟ وبماذا وعدهم؟ وماذا سيفعل من أجلهم إذا ما تم الطلب منه أن يفعل؟ الأجوبة عن كل هذه الأسئلة تمثل حجر الزاوية والثقل الرئيسي لمعارضة وصوله خلفًا للظواهري وخاصة في مناطق مثل شرق إفريقيا.
كذلك يجب ان يكون في الحسبان تأثيرات حركة الشباب المجاهدين بالصومال، وهي جماعة مسلحة تتبع فكريا لتنظيم القاعدة نشطت منذ مطلع 2004م وتبنت عمليات عديدة أودت بحياة المئات، ويقودها حاليًا “أحمد ديري أبو عبيدة” الذي خلف "أحمد عبدي غودني" وهي الأكثر نشاطًا في عمليات القاعدة واختياراتها السابقة وتحالفاتها كذلك في المحيط الأفريقي.
فرسان الرهان في خلافة الظواهري
من جانبها، ترى مجموعة بن لادن حصر المنصب في أربعة قيادات تاريخية بترتيب وهم أبو يوسف العنابي، خالد باطرفي، عبد الرحمن المغربي، وعمر أحمد ديري، والفروق بينهم ترتكز على قدرتهم في المواجهة مع العدو.
اقترح بعض المحللين وتقارير اجهزة الاستخبارات أن قادة الافرع المتحالفة مع القاعدة المتمركزة خارج منطقة أفغانستان وباكستان قد يكونون مجموعة أخرى من القيادة المحتملة المرشحين ليحلوا محل الظواهري. يشمل ذلك خالد باطرفي (القاعدة في جزيرة العرب)،أحمد ديري (حركة الشباب)، أبو عبيدة العنابي (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي)،إياد أبو غالي (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين)، أسامة محمود (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين)، وأبو حمام السوري. (حراس الدين).
يرتكز ثقل “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” الذي تكون عام 2009 من اتحاد الفرعين السعودي واليمني، علي قوة الترشيح الأغلب، بجانب أحد القوى الفاعلة على الأرض وهو التنظيم في اليمن. رغم أنّه قلص من نشاطه بشكل واضح خلال العامين الماضيين تحت ضغط أزماته الداخلية ونقص التمويل واضطراره لمواجهة (داعش) الذي ينشط في مناطقه في مدينة أبين، فضلًا عن انتقال زعامة التنظيم إلى خالد باطرفي، بعد مقتل قاسم الريمي في غارة أميركية في فبراير/ 2020 إلا انه مازال له حضور قوي في عملية قيادة التنظيم.
أما الجزائري أبو عبيدة يوسف العنابي (المعروف باسم يزيد مبراك) او الملقب بالدينامو، وهو زعيم “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” فمن المرجح ان تكون له فرص كبيرة في الحصول علي المنصب، كما أن أحمد ديري، المعروف أيضا باسم أحمد عمر، وأبو عبيد، وهو زعيم “حركة الشباب” الصومالية فله حضوره القوي والفعال في عملية الحسم.
تستبعد تحليلات قوية وجود أبو عبيد المغربي لعدم الاجماع عليه فليس معني انه صهر الظواهري ان يقع عليه الاختيار، وبذلك تترجح القيادة بين خالد باطرفي و ابو يوسف في المرحلة القادمة بعد خفوت القاعدة في كثير من مناطق نفوذها وبقائها فقد كقوة إعلامية فقط حتي تتمكن القاعدة من الاعلام عن زعيمها الجديد.
يردد "مزمجر الشام" أن عبد الرحمن المغربي له فرص في زعامة للتنظيم، كون الثقل الأكبر للتنظيم الآن في “بلاد المغرب الإسلامي وأفريقيا” وكون المغربي الذى يُرجح أنه ترك إيران قبل مدة وذهب إلي المغرب، وهو أكثر حرية من سيف العدل. كما أن بعض وسائل الإعلام ذكرت بأن المغربي أولى بتولي المنصب كونه كان يُلقب “بثعلب القاعدة” وأنه كان مسئولًا عن الموقع الإعلامي لتنظيم القاعدة المعروف باسم “مؤسسة السحاب”، بالإضافة إلى أنه كان شخصية مقربة من أيمن الظواهري بإعتبار رابط المصاهرة بينهما، ومن المهم جدًا هنا أيضًا أن ننوه إلى أن مزمجر الشام لم يذكر مصدرًا يدعم ادعائه بأن "المغربي" قد ترك إيران أو يقدم دليلًا يثبت وجود المغربي في أي مكان آخر، وصلة القرابة بالظواهري تدعم اكثر احتمالية رفضه من قبل الكثيرين لان الظواهري في ايامة الأخيرة كان يعاني من احباطات كثيرة في قيادات القاعدة وخاصة ممن رحلوا إلي تنظيم داعش الإرهابي.
أما من ذهبوا إلى تقديم اسم القيادي أبو عبيدة يوسف العنابي زعيم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي كمرشح ثالث لقيادة تنظيم القاعدة أوفر، وإن كان من وجهة نظرنا أنه مازال هناك عناصر اقدم من سيف العدل وديري والعنابي مازالوا طي الكتمان، وهو ما سوف تفصح عنه الأيام القليلة القادمة.