الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

اقتصاد

اتحاد المصارف العربية: مصر قطعت شوطًا كبيرًا فى التصدى لجرائم غسل الأموال

وسام فتوح
وسام فتوح
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"غسيل الأموال"، من أكثر الجرائم المنظمة تأثيرًا على اقتصاديات الدول بلا استثناء ويقصد بغسيل الأموال، العملية التى يتم من خلالها إخفاء المصدر الحقيقى لدخل مكتسب بطريقة غير شرعية، وفيها يحدث غسيل الأموال المكتسبة من تجارة المخدرات مثلا، من خلال إدراجها فى دورة رأس المال الاقتصادية والمالية لشركة أو مؤسسة، وبذلك تفلت من الملاحقة القضائية، وتتبعها.
ولغسيل الأموال تداعيات ضارة على الاقتصاد، ويعتبر غسيل الأموال جريمة جنائية ويجرى تعقبه، لهذا اهتمت الكثير من البلدان بعمل وحدات مكافحة غسيل الأموال، التى تهدف فى المقام الأول إلى منع إخفاء المصدر الحقيقى للدخل المكتسب بطريقة غير شرعية.
كما تهدف مكافحة غسيل الأموال بشكل جوهرى إلى حماية الشركات المستهدفة من استغلالها، فى جرائم غسيل الأموال، ما لذلك من تبعات على سلامة وسمعة واستقرار النظام الاقتصادى والمالى للدولة ولهذا فإن مكافحة غسيل الأموال تُعدُّ جزءًا من التنمية الاقتصادية الفعّالة، ووفقاً لتقارير صندوق النقد الدولى قُدرت قيمة الأموال التى تغسل بنحو ١.٥ تريليون دولار سنوياً، حول العالم، وتبلغ حجم تجارة المخدرات ٦٨٨ مليار دولار سنوياً، بينما بلغت عمليات غسل الأموال فى منطقة الشرق الأوسط على مدى السنوات الـ ١٠ الماضية ٥٠٠ مليار دولار.
وشأنها شأن باقى بلدان العالم، تبذل مصر جهودا هائلة فى مكافحة جرائم غسيل الأموال التى تستخدم فى تمويل الإرهاب.
أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربى بجامعة الدول العربية، قال إن هناك فئة حول العالم تحصل على الأموال من طرق غير مشروعة سواء من (تجارة السلاح أو التجارة فى البشر أو الأعضاء البشرية أو المخدرات) وغيرها، ولكن إذا حاولوا نقل هذه الأموال أو وضعها فى بنوك ستثير الشكوك حولهم وبالتالى يقومون بغسل هذه الأموال وهو أن يجعلوا الأموال غير المشروعة تبدو وكأنها مشروعة، وجاءت من عائدات شركة رسمية أو من المشاركة فى مشروعات كالعقارات أو شركات استثمارية أو مصانع أو غيرها، ثم يتنقلون بين المشروعات ليثبتوا للمجتمع أن أموالهم حصلوا عليها من تجارة مشروعة.
أوضح غراب، فى تصريحات خاصة لـ" البوابة" أنه مع الثورة المعلوماتية والتكنولوجية الهائلة، تشهد عمليات غسيل الأموال تطورا كبيرا، فبعد أن كانت تستخدم فى الأعمال الخيرية امتد استخدامها فى (شراء الأسهم فى البورصات والسندات والمضاربة على العملات وشراء العقارات والمعادن النفيسة) وغيرها، موضحا أن "غسل الأموال " يتم عبر خبراء متخصصين فى علم قواعد الرقابة المالية عالميا ويستغلون أى ثغرة لإثبات شرعية هذه الأموال وإدخالها فى عصب الاقتصاد الرسمى لإضفاء الشرعية لها، مشيرا إلى أن عددا كبيرا منها يتم غسلها وتبييضها عبر الحدود وكأنها استثمارات قادمة لبعض الدول من رجال أعمال فى دول أخرى، وهذا يرجع لاختلاف وتباين التشريعات وقواعد الإشراف والرقابة بين الدول وبعضها.
وأشار غراب، إلى أساليب يتم اتباعها لغسيل الأموال منها (تقليل قيمة الودائع وتعددها لزيادة التمويه) بحيث تقل عن الحد الأدنى الذى يشترط للابلاغ عنها، إضافة للتلاعب والتزوير فى فواتير التصدير وخطابات اعتماد الواردات، وللتحويلات البرقية بين بعض البنوك الدولية والتى قد لا تكون خاضعة للإبلاغ عن غسيل الأموال، إضافة لتحويل بعض أموال المهاجرين لبلادهم، موضحا أن من أهم الأضرار التى تلحق بالاقتصادات الوطنية، أن غسيل الأموال يؤدى لهروب الأموال للخارج وخسائر الإنتاج لرأس المال وهو أهم عناصره، بما ينعكس سلبا على الدخل القومى للدول، كما أن عمليات غسيل الأموال تزيد من ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم وذلك لأنه يكون مصحوبا بتدهور القوة الشرائية للنقود وتدهور قيمة العملة الوطنية والتأثير على قيمتها، نظرا لزيادة الطلب على العملات الأجنبية التى يتم تحويل الأموال المهربة إليها.
وأكد غراب، أن من بين الأضرار الاقتصادية عالميا لغسيل الأموال تشويه صورة الأسواق المالية لأن الأموال غير المشروعة التى يجرى غسلها تقف عائقا أمام تحرير الأسواق المالية ما يخلق مناخًا لوجود أسواق سيئة السمعة وضعيفة المصداقية، وهذا يؤدى لتعطيل مناخ الاستثمار المحلى والأجنبى خاصة إذا اتسع نطاق جريمة غسيل الأموال فى أى اقتصاد لأنه يقلق المستثمرين، موضحا أن الدول التى تتم بها هذه الظاهرة يصعب فيها تتبع حركة التدفقات والصفقات والمعاملات التى تتم بين الوحدات الاقتصادية المختلفة المكونة للاقتصاد الوطنى، ناهيك عن الآثار الاجتماعية، حيث إن الظاهرة تؤثر على المجتمع من ناحية ارتباطها بالجرائم الاجتماعية؛ كتجارة المخدرات وتقاضى الرشوة والسرقة، وغيرها.
وقال وسام فتوح الأمين العام لاتحاد المصارف العربية، إن عمليات غسل الأموال بلغت فى العام الماضى حوالى ٢ تريليون دولار مشيرا إلى تسارع استخدام الأصول المشفرة والذى بلغ مجملها ١٦ تريليون دولار فى ٢٠٢٠.
وقال الأمين العام لاتحاد المصارف العربية، إن الاتحاد يعمل منذ سنوات طويلة، على تنسيق الجهود العربية، بين القطاعين العام والخاص، وخاصةً بين المصارف والمؤسسات المالية العربية، والمؤسسات القضائية والأمنية، بهدف حماية القطاع المالي، والاقتصاد والمجتمع العربي، من مخاطر تسرب الأموال القذرة.
وقال “إننا فى اتحاد المصارف العربية نحرص دائما على إعطاء الأهمية القصوى لموضوع الامتثال للقوانين والقواعد والتشريعات الدولية، خاصة قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.
وتابع: “لا يزال اتحاد المصارف العربية يولى هذا الموضوع أهمية بالغة، فى متابعة التطورات فى مجال مكافحة الجرائم المالية، والتعرف على القواعد والقوانين الدولية الجديدة خاصة فى قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.
وأكد فتوح على أسبقية مصر فى التعامل مع جرائم غسيل الأموال والتصدى لها بشدة مما جعلها من أقوى الاقتصاديات فى الوطن العربي، مشيرا إلى أن اقتصاد مصر يعد حاليا ثالث اقتصاد عربى بعد "السعودية والإمارات"، قائلا إن الاقتصاد المصرى حقق نسبة نمو مرتفعة خلال ٦ سنوات.
كما شدد فتوح على أن نسبة الدين المصرى قياسًا بالناتج المحلى لا تقلق، مقدرًا حجم الناتج المحلى المصرى بنحو ٤٣٦ مليار دولار. 
موضحا، أن هناك نظاماً مركزياً صارماً فى مصر يعمل بشكل إلكترونى ويتتبع الحسابات المصرفية المتضخمة التى لا تستند على أية معاملات تجارية أو اقتصادية فى وقت سريع، لأن النظام البنكى الذى لا يديره أشخاصا يعطى تحذيراً بضرورة تتبع ومراقبة هذا الحساب المتضخم، مضيفاً أن الجهاز المصرفى يخاطب الجهات ذات الصلة لرقابة هذا الحساب حتى يصل الأمر إلى إبلاغ النيابة العامة.
من جانبه قال المستشار عربى أبوالعز، المحامى والخبير القانونى إن مصر عانت كثيرا من جرائم غسيل الأموال وتعمل بكافة السبل على مكافحتها والحد منها، لهذا شدد القانون المصرى من عقوبات عمليات غسيل الأموال، مشيرا إلى أن عقوبة غسيل الأموال تصل إلى الأشغال الشاقة، إلا أنها ترتبط ارتباطًا قويًا بجرائم جمع الأموال، ففى حالة حصول المجرم على الإعدام فى جرائم أخرى والمؤبد فى غسل الأموال، يتم تنفيذ العقوبة الأشد.
وأضاف الخبير القانونى عربى أبوالعز، أن التعديلات التشريعية الأخيرة فيما يتعلق بجرائم غسيل الأموال تشمل فى أحد المواد التى تضمن للدولة مصادرة الأموال طالما توافرت أدلة الإدانة دون صدور حكم، والتى نصت على "لا يشترط صدور حكم بالإدانة فى الجريمة الأصلية لإثبات المصدر غير المشروع، متى توافرت أدلة على أن تلك المتحصلات ناتجة عن أفعال من شأنها الإضرار بأمن البلاد من الداخل أو الخارج أو بالمصالح الاقتصادية للمجتمع أو إفساد الحياة السياسية فى البلاد أو تعريض الوحدة الوطنية للخطر".
موضحا، أن مصر أسست وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بموجب قانون مكافحة غسل الأموال الصادر بالقانون رقم ٨٠ لسنة ٢٠٠٢، وهى وحدة التحريات المالية المصرية، حيث نص القانون المذكور فى مادته الثالثة على أن " تنشأ بالبنك المركزى المصرى وحدة مستقلة ذات طابع خاص لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تمثل فيها الجهات المعنية، وتتولى الاختصاصات المنصوص عليها فى هذا القانون، ويلحق بها عدد كاف من الخبراء من أعضاء السلطة القضائية والمتخصصين فى المجالات المتعلقة بتطبيق أحكام هذا القانون، وتزود بمن يلزم من العاملين المؤهلين والمدربين، ويصدر رئيس الجمهورية قراراً بتشكيل الوحدة ونظام إدارتها وبنظام العمل والعاملين فيها دون التقيد بالنظم والقواعد المعمول بها فى الحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام".
وتعد الوحدة سلطة إدارية مركزية مستقلة تتلقى الإخطارات والمعلومات عن أى من العمليات التى يشتبه فى أنها تشكل متحصلات أو تتضمن غسل الأموال أو تمويل الإرهاب أو محاولات القيام بهذه العمليات من القطاع المالى وتحللها وتقوم الوحدة بتوجيه نتائج تحليلها إلى جهات إنفاذ القانون وسلطات التحقيق المختصة، وتعد الوحدة بمثابة "همزة وصل" بين الجهات المبلغة وجهات إنفاذ القانون، وهو النهج المتبع فى معظم وحدات التحريات المالية فى العالم وخاصة فى الدول الكبرى.