استقبل قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، اليوم الخميس، المشاركين في المؤتمر الدولي الحادي عشر حول القديس توما الأكويني.
ووجّه البابا فرنسيس كلمة عفويّة رحّب بها بضيوفه وسلّمهم الكلمة التي كان قد أعدّها لهذه المناسبة والتي جاء فيها يصادف العام المقبل الذكرى المئوية السابعة لإعلان قداسة القديس توما الأكويني، الذي تمَّ في أفينيون عام ١٣٢٣.
ويذكرنا هذا الحدث أن هذا اللاهوتي العظيم – "ملفان الكنيسة المشترك" – هو أولاً قديس، تلميذ أمين للحكمة المتجسدة. لهذا السبب، في صلاة الجماعة في عيده، نسأل الله، "الذي جعله عظيماً في السعي إلى قداسة الحياة والشغف للعقيدة المقدسة"، أن "يمنحنا أن نفهم تعاليمه ونتشبّه بمثله". وهنا نجد أيضًا برنامجكم الروحي: التشبّه بالقديس توما والسماح له بأن ينيركم ويرشدكم.
تابع البابا فرنسيس، حسب ما نشرته الصفحة الرسمية للفاتيكان، يقول تسلط الصلاة عينها الضوء على شغف القديس توما بالعقيدة المقدسة. فقد كان في الواقع، رجلاً شغوفًا بالحقيقة، يبحث بلا كلل عن وجه الله، ويذكر كاتب سيرته أنه عندما كان طفلاً كان يسأل: "ما هو الله؟". وقد رافق هذا السؤال توما وحفزه طوال حياته. وهذا البحث عن حقيقة الله كانت تحركه المحبة وتميّزه. إن السعي بتواضع، بتوجيه من الروح القدس، لفهم الإيمان لا يعتبر أمرًا اختياريًا بالنسبة للمؤمن، وإنما هو جزء من ديناميكية إيمانه. وبالتالي على كلمة الله، التي تم قبولها في القلب، أن تصل إلى الذكاء لكي تجدد طريقة تفكيرنا، ولكي نقيِّم جميع الأشياء في ضوء الحكمة الأبدية. لذلك، فإن البحث الشغوف عن الله هو في الوقت عينه صلاة وتأمل، لذلك فإن القديس توما هو نموذج اللاهوت الذي يولد وينمو في جو العبادة.
أضاف البابا فرنسيس، أن هذا البحث عن حقيقة الله يستخدم "جناحي" الإيمان والعقل. كما نعلم، فإن الطريقة التي عرف بها القديس توما أن ينسِّق بين نوري الإيمان والعقل تبقى نموذجية.
و كتب القديس بولس السادس: "إن النقطة المركزية وجوهر الحل تقريبًا الذي قدمه القديس توما لمشكلة المواجهة الجديدة بين العقل والإيمان مع عبقرية حدسه النبوي، كانت تلك المتعلقة بالمصالحة بين علمانية العالم وجذريّة الإنجيل، وبذلك أفلت من النزعة غير الطبيعية لنفي العالم وقيمه، دون أن يخفق في المتطلبات العليا وغير المرنة للنظام الفائق الطبيعة". فالمسيحي، إذن، لا يخشى أن يبدأ حوارًا عقلانيًا صادقًا مع ثقافة عصره، مقتنعًا، وفقًا للصيغة العزيزة على القديس توما، أن "كل حقيقة، أياً كانت، تأتي من الروح القدس".
تابع البابا فرنسيس : يقول في صلاة الجماعة التي ذكرتها، نطلب النعمة لا لكي نتشبّه بالقديس توما الأكويني وحسب وإنما أيضًا لكي نفهم تعاليمه؛ في الواقع، يشكل القديس توما مصدر تقليد فكري يُعرف بالحداثة الدائمة، وبالتالي لا يجب لتعاليمه أن تكون غرض متحف وإنما مصدر حيٌّ على الدوام وفقًا لموضوع مؤتمركم. ومن بين العديد من العقائد المنيرة للقديس توما الأكويني، أود فقط أن ألفت الانتباه، كما فعلت في الرسالة العامة "كُن مُسبّحًا"، إلى خصوبة تعليمه حول الخليقة. إن الخليقة بالنسبة للقديس توما هي أول علامة لسخاء الله الرائع، لا بل، لرحمته المجانية. إنها مفتاح الحب، كما يقول القديس توما، الذي فتح يد الله ويبقيها مفتوحة على الدوام. ثم يتأمل جمال الله الذي يتألق في التنوع المنظم للكائنات. لأن عالم المخلوقات المرئية وغير المرئية ليس كتلة متجانسة ولا تنوعًا خالصًا بدون شكل، ولكنه يشكل نظامًا، كلًا، ترتبط فيه جميع المخلوقات لأنها تأتي جميعها من الله وتذهب إلى الله، ولأنها تؤثرّ على بعضها البعض وتخلق هكذا شبكة كثيفة من العلاقات. لقد أكد القديس توما الأكويني بحكمة أن التعددية والتنوع ينبعان من نية الفاعل الأول، الذي أراد أن تعوِّض الأشياء الأخرى ما ينقص في كل شيء بمفرده لكي يمثّل هذا الأمر الصلاح الإلهي، لأن صلاحه لا يمكن أن يُمثَّل بشكل مناسب بواسطة مخلوق واحد فقط. لهذا، نحن بحاجة إلى فهم مجموعة متنوعة من الأشياء في علاقاتهم المتعددة. وبالتالي، يمكننا أن نفهم أهمية ومعنى أي مخلوق بشكل أفضل إذا تأمّلنا فيه داخل مخطط الله الشامل.
لهذا، خلص البابا فرنسيس إلى القول، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، على خطى أسلافي أوصيكم: اذهبوا إلى القديس توما! لا تخافوا من أن تنمّوا وتغنوا الأشياء القديمة والمثمرة بأشياء جديدة. أتمنى لكم عملًا جيدًا وأبارككم من كلِّ قلبي. وأسألكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي.