نتذكر شخص من أساطير الوطنية والمحاماة المصرية مرقص باشا حنا في ذكراه خلال شهر سبتمبر، مناضل حكم عليه بالإعدام ونقيب للمحامين خمس مرات، ووزير ناجح من ضمن نجاحاته أنقذ توت عنخ أمون من هوارد كارتر ، هكذا كان مرقص باشا متعدد المواهب والبطولات.
ولد بالمنصورة سنة 1872 وتوفي سنة 1934 وبينهما خدم وطنه وكنيسته بكل ما يملك من جهد أبوه كان قمصا بكنيسة طنطا.
حصل مرقص حنا على شهادة الحقوق من جامعة مونبلييه الفرنسية، ثم شهادة في العلوم الاقتصادية من جامعة باريس. ولدى عودته إلى مصر عين سنة 1891 وكيلًا للنائب العام، لكنه لم يلبث أن استقال سنة 1904 ليعمل بالمحاماة. كان عضوًا بالحزب الوطني، واهتم بالرد على الإنجليز عندما اتهموا مصطفى كامل بالتعصب الديني، كان من دعاة إنشاء الجامعة المصرية.
ومع نجاحه كمحامى كان يقوم بدور وطني في حزب مصطفى كامل ثم انضم لسعد زغلول وكان من الرعيل الأول من قيادات الوفد وفاز بأغلبية عن دائرة الأزبكية في أول انتخابات برلمانية وأيضا كان له نشاط نقابي فكان عضوا في أول نقابة للمحامين ثم اختير لست سنوات ليكون نقيبا للمحامين.
وكان مشجعا للتعليم وعضوا في مجلس الجامعة الأهلية المصرية ومؤسسا لكلية البنات القبطية اختير وزيرا ثلاث مرات مرة وزيرا للأشغال ثم للمالية ثم للخارجية ولم يترك المحاماة طبعا وكانت له قضايا شهيرة انتصر فيها للحق، ومن أشهر تلك القضايا عندما اكتشف هيوارد كارتر مقبرة توت عنخ أمون ومنع زيارة المصريين لها وسمح للأجانب وكان ذلك سنة 1923 وعندما سمع بذلك مرقس باشا اندهش وكان وزيرا للأشغال وقرر فتح الموضوع علنا وأرسل حامية شرطة لإغلاق المقبرة وحفظ حق مصر في آثار ملكها الشهير توت عنخ أمون وهاجمته الصحف الأجنبية ولكنه أصر علي موقفه لحماية تاريخ مصر وتراثها.
كان مرقص حنا عضوًا بأول مجلس لنقابة المحامين سنة 1912، ثم اختاره المحامون وكيلًا للنقابة سنة 1914، ثم اختير نقيبًا في 12 ديسمبر 1919، ليصير ثامن من شغلوا هذا المنصب، ليظل فيه أربع سنوات، ثم أعيد انتخابه في 18 ديسمبر 1925، وظل في منصبه هذه المرة عامًا واحدًا.
في أبريل 1919، اختير مرقص حنا عضوًا بلجنة الوفد المركزية برئاسة محمود سليمان باشا، وفي أعقاب فشل مفاوضات عدلى يكن في إنجلترا في ديسمبر 1921، نُفي سعد زغلول ورفاقه إلى جزيرة سيشل، ثم اعتقل الإنجليز قيادة الوفد الجديدة بالقاهرة، وهم حمد الباسل وويصا واصف ومرقص حنا وواصف بطرس غالى وعلوى الجزار وجورج خياط ومراد الشريعى، وأودعتهم ثكنات قصر النيل رهن التقديم لمحاكمة عسكرية بتهمة طبع منشورات تحض على كراهية واحتقار الحكومة المصرية، وصدر حكم المحكمة العسكرية على السبعة بالإعدام، ثم خُفف الحكم إلى السجن سبع سنوات وغرامة خمسة آلاف جنيه، ثم أفرجت عنهم سلطات الاحتلال بعد ثمانية أشهر قضوها في السجن
شغل حنا منصب وزير الأشغال في وزارة سعد زغلول في الفتر من 28 يناير إلى 24 نوفمبر 1924، ثم تولى وزارة الخارجية في وزارة عبد الخالق ثروت الثانية سنة 1927.
استحق مرقص حنا ما كتبه عنه نقيب المحامين السابق رجائي عطية:
"ينفرد الأستاذ مرقص باشا حنا بين المحامين، بصفات وقدرات وأدوار متعددة، يصعب جدَّا أن تجتمع لأحد. تذكرنى صفحته بما أطلقناه على عبد العزيز باشا فهمى من أنه صاحب القمم المتعددة، فهو وصف ينطبق على صفحته التى امتلأت بمستوى رفيع فى التعليم، وبأداء رفيع فى الوطنية، وفى السياسية، وفيما حمله من حقائب وزارية، وفى دوره فى الثورة الوطنية 1919وحزب الوفد، وفيما تبوأه فى نقابة المحامين، حتى يكاد بغير نظير فى المدد المتصلة التى شغل فيها موقع نقيب المحامين. كان رحمه الله خامس النقباء، بعد الهلباوى وعبد العزيز فهمى ومحمود أبو النصر وأحمد لطفى السيد . بيد أننى لم أجد بين النقباء من شغل منصب النقيب خمس دورات متصلة، بدءًا من 2 ديسمبر 1919، ثم عاد ليفوز بدورة سادسة سنتى 1925 /1926، وهذه شهادة له وشهادة للمجتمع المصرى وللمحامين فى ذلك التاريخ، الشهادة التى تحسب للمصريين بعامة وللمحامين بخاصة أنهم غلّبوا الانتماء للوطن على دعاوى الطائفية الضريرة . كان العقل والانتماء الوطنى أعلى كعبًا فى مصر فى ذلك الأوان ولم يكن ما نراه الآن ــ للأسف ــ من طائفيات وتعصبات لم يكن له وجود، فيفوز محامى قبطى بمنصب نقيب المحامين خمس دورات متتالية فى سابقة لم تحدث قبله ولا بعده، ثم ليعاد انتخابه مرة سادسة دون أى بادرة وسط المحامين لأى انحياز طائفى".