عبّر تاريخ طويل وحقب زمنية مختلفة مرورا بكافة الأنظمة «الملكية والجمهورية» عاش أقباط مصر مرارة إيجاد مباني للعبادة وإقامة الصلوات والطقوس التى لا تخّلو من الدعاء لسلامة البلاد ومعونة الحكام؛ بدءا من القرون الأولي ومعاناة المطاردة والاضطهاد الذى دفع الأقباط لاتخاذ المغّارات ملجأ للصلاة والدعاء.
ومرورًا بصدور قيود وعراقيل الخط الهمايوني، وحتي مبدأ "دواعى أمنية" الذي كان بمثابة حجر زاوية أزمة كبرى عاني الجميع من تبعاتها؛ وعلى الرغم من ذلك فإن القيادة السياسية الحالية وفي مقدمتها الرئيس عبد الفتاح السيسي تحاول بكافة السُبل إيجاد حلول وتدارك الإشكاليات.
وظل الحال عبر قرون من الزمن يقاسي الأقباط فى إيجاد مقر ومكان للصلاة بين التحايل على الأوضاع تارة والتفاوض مع الجهات أخرى، واللجوء إلي مباني سكنية لتأسيس كنائس في الخفاء لتكون منبرًا للدعاء والعبادة وسط أصوات الحقوقيين والمفكرين والمواطنين تعلو وتطالب بالعدالة قدر المتاح – آنذاك.
واستمر كأس المرار سنوات لا ينقص حتي جاءت هبات ثورة يناير مع أحلام غزيرة للأقباط ولم تتحقق - رغم ذلك - كانوا شركاء لكل المصريين فى ثورة يونيو آملين سلامة البلاد واستقرارها وهنا تبدل الحال عند اعتلاء رئيس يضع المواطنة نبراسًا في كافة التعاملات، ويعمل هادفا لخدمة الوطن بكل مواطنيه على حد سواء.
قرارات الرئيس عبد الفتاح السيسي كانت بمثابة البلسم على جروح غائرة في قلوب الأقباط وركام سنوات، حينما بدأ إصلاح ما أفسده السابقون وكانت نقطة الانطلاق تقويم وترميم آثار الدمار التي تركها وخلفها أهل الشر فكانت خلايا النحل تعمل على إعادة تعمير الكنائس المُضارة بيد الجماعات الإرهابية فى أعقاب فض الاعتصامات الإرهابية، كنيسة ومسجد ثوابت مع المدارس والمستشفيات لكل المدن الجديدة.
لم يتوقف عند هذا الحد بينما جاء في عهده أول قانون متوافق عليه من الكنيسة مع الدولة ينظم أعمال بناء وترميم الكنائس وحمل رقم 80 لسنة 2016؛ ولم يغفل إجراء تقنين ما هو قائم من كنائس ووحدات ومبانى كنيسية وتابعة.
تصحيح المسار .. وتقويم الأوضاع
كان قانون بناء الكنائس بداية هامة للغاية فى إرساء مبدأ المساواة والمواطنة وحاول جاهدّا تصحيح أخطاء الماضي وتدشين لجنة موسعة لدراسة وبحث وتوفيق أوضاع المباني والكنائس المقامة في الحقب السابقة وبالفعل وصلت أعداد التقنين إلى 2401 وفق إحصاءات اللجنة وتقارير مجلس الوزراء من بين نحو 4500 مبني وكنيسة أرسلت أوراق وفتح ملفات بهدف تقنين الأوضاع، إلا أن تبعات الماضي وركامه ما زالت تُحاصر القانون الهادف وتضع رتوشا تبدد جمال الصورة المنشودة.
نيران كنيسة أبوسيفين بإمبابة التى راح ضحاياها نحو 41 شخصا غالبيتهم من الأطفال والنساء، أسدل الستار عن تبعات أزمة التضيق من الأنظمة المحلية السابقة والذى دفع بطبيعة الحال الأقباط للالتفاف علي القيود والعراقيل فى إيجاد مكان للصلاة واتخذوا من منشآت سكنية ومنازل عادية مكان بديلا لإقامة الشعائر الدينية دون النظر للمساحة أو الشكل والمظهر وطريقة تقسيم وتنظيم الكنيسة – وفق المتعارف عليه.
ودخل البابا تواضروس الثاني، بابا الأقباط الأرثوذكس في مصر، على خط - التوضيح والطلب- قائلا: «هناك أماكن صلاة صغيرة مقارنةً بعدد الأقباط في المنطقة، والكنيسة التي شهدت الحريق لم تتجاوز مساحتها 120 متراً»؛ مضيفًا «أطالب الأجهزة المسئولة بالانتباه للأمر إما بالتوسعة وإما النقل لمكان أوسع».
وأضاف البابا أن سلطات الحماية المدنية والفرق الطبية كانت موجودة ووصلت المكان سريعاً، حيث كان المكان صغيراً وضيقاً، وكثافة الأقباط في هذه المنطقة كبيرة؛ ونوه إلى أن تقنين وبناء الكنائس “كان عملية صعبة ومرهقة للغاية، قبل سنوات”.
لكن ومع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، وإصدار قانون بناء الكنائس عام 2016، بدأت الأمور تمشي في نصابها الصحيح؛ في ذات التوقيت كانت وزيرة التضامن تصدر تصريحات بأن الدولة بصدد مراجعة أوضاع الكنائس بقولها الأمر لا يرتبط بالتقنين فقط بينما يمتد لإغلاق كنائس واستبدالها بأخري جديدة.
وعلمت "البوابة نيوز" من مصادر خاصة أن هناك اتجاها لتدارك تلك الإشكاليات سوء بتقنين الكنائس المتقدمة للجنة المختصة تمهيدّا لتنفيذ إجراء الإحلال والتبديل للتوسع أو إعادة بناء الكنائس غير المؤهلة لاستيعاب أعداد المصليين أو التى شيدت داخل مباني سكنية على خلفية الظروف في العقود السابقة.
وقالت المصادر، إن إجراء بعض التعديلات على قانون بناء وترميم الكنائس أمر وارد فى ضوء التحديات التي ظهرت مع تجربة وإنفاذ القانون من وجود تبعات وإشكالات تراكمية خلال السنوات الماضية لتلافي جميعها، ولا سيما بانه وارد استمرار عمل اللجنة لما بعد انتهاء أعمال تقنين الكنائس بفترة للنظر فى الكنائس التي لم تستطع توفيق أوضاعها، وقد يطرأ حديث حول المادة الثامنة من القانون بشأن المدة المشروطة بعام واحد لتقديم أوراق حصر بالمباني الكنسية لإجراء التقنين.
في سياق متصل؛ قال المستشار جميل حليم، عضو مجلس الشيوخ وعضو لجنة تقنين الكنائس ممثلا عن الكنيسة الكاثوليكية، إن لجنة تقنين أوضاع الكنائس تبذل مجهودا عظيما ولم يصدر عنها 23 قرارًا إلا نتيجة جهود مضنية ومتابعة ومراجعة لكافة النواحى الإنشائية للمباني وملكية الأراضي واستبيان استمرارية إقامة الشعائر الدينية من عدمه لكي ما يوفق أوضاع هذه الكنائس بناءً على معطيات سابقة لصدور القانون.
وأضاف "حليم" فى تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أن هناك كنائس صغيرة فى النجوع والقرى لا تتجاوز مساحتها مائة متر لخدمة القرى ومع الوقت تزايد أعداد تلك الأسر وأصبحوا مئات مما يستدعى فكرة التوسع.
وأكد أن فكرة إحلال وتجديد الكنائس تحتاج توفير أراضي جديدة للتمكن من النقل إليها وهذا ما نتمني حدوثه في القريب العاجل خاصة فى ضوء ما نلمسه من الجمهورية الجديدة وتوجيهات الرئيس الواضحة لتخصيص أماكن للمساجد والكنائس ولعل أكبر دليل مسجد وكاتدرائية العاصمة ليكونا أكبر مباني بهذا النوع فى الشرق الأوسط.
وعن آليات وعدم سهولة التقنين؛ أكد المستشار جميل حليم، عضو مجلس الشيوخ وعضو لجنة تقنين الكنائس ممثلا عن الكنيسة الكاثوليكية أن التقنين الذى بدأ من 2018 عملية غاية الصعوبة لأنها تتطلب إجراءات مطولة للغاية للوقوف على مدى تطابق الإجراءات من عدمه.
وبشأن تخوفات البعض من إغلاق مباني كنسية؛ أوضح "حليم" وجود إجراءات فى ضوء نص حكم للقانون بوجود مساواة يين بيوت العبادة ولا يجوز غلق مبني للصلاة والواردة بنص عن محكمة القضاء الإداري التى استقرت في المساواة بين المسجد والكنيسة منذ الستينيات.
وبسؤاله عن قانون 119 الخاص بالتراخيص؛ أوضح أن القانون ينظم تراخيص المبانى عمومًا ولكننا بشأن قانون بناء وترميم الكنائس نحن نتحدث عن قانون مكمل للدستور بناء على المادة 235 من دستور البلاد ولا شأن له بقانون 119، لو توافرت الأرض تقدم بالأوراق والرسوم للمحافظ ومنح الترخيص لا بتجاوز ال 4 شهور بأى حال، وحال عدم منح الترخيص بأى حال أو الامتناع عن إصداره يكون هناك قرار محكمة ملزم.
واستطرد: "إن القوانين فى الماضي كانت معقدة من أجل ترميم مرحاض أو سلم يستدعى الحصول على ترخيص وتصريح وما شابه، أما في ضوء القانون الراهن هناك حالة من السيولة، ولا سيما بأنه قانون بدون لائحة تنفيذية لأنه تنفيذ لاستحقاق دستورى، وفى ضوءه أعمال المباني ينظمها قوانين المباني لكن التراخيص للكنائس صلاحية المحافظ لا يمكن تعليقها كود المباني أو اشتراطات بناء هنا لا يوجد تعارض أو تداخل بين القوانين".
وأشار "حليم" إلى أن الترخيص يأتي وفق قانون 80 الخاص ببناء الكنائس أما اشتراطات المباني والمساحة وما شابه امر آخر، ولكن فى جميع الأحوال التعامل يكون مباشرة مع المحافظ المختص بدوره ان يطبق الاشتراطات البنائية ويمنح تصريحا لتشييد الكنائس والمباني التابعة وفق القانون الخاص.
وبسؤاله عن آليات الحماية المدنية المطلوب توافرها للتقنين سوء المساحات والكنائس الصغيرة، قال: "إن الحماية المدنية في التقنين تتضمن عبوات إطفاء حريق وعددا من الأمور يجب أن تلتزم بتوفيرها الجهة المدنية لتحقيق استيفاء سبل الحماية المدنية، لو مبني الكنيسة يصل لـ 500 متر يستلزم وجود سلم طوارئ، ولو المبني صغير يستدعي وجود خزان مياه فوق المبني، أو استبدالها بناء على طلبي بتوفير كميات من طفايات معينة للحريق لو المبنى ل ايحتمل خزانات فى الأعلي".
ووصف ما تخطو إليه الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي بـ"العصر الذهبي" الذى أعاد بناء الكنائس المُضارة ولم يترك الكنائس التى تعرضت للحريق سواء فى إمبابة أو المنيا ووجه بإعادة ترميمها وإصلاح وإعادتها لممارسة الشعائر بصورة طبيعية.
وعن الإحلال والتبديل للكنائس؛ أكد "حليم" أن الأمر يحتاج فترة زمنية وأيضا توافر ميزانية والأراضي المطلوبة، وهناك خطوات فريدة من نوعها للقيادة السياسية بالنظر للمناطق الجديدة كلها والأحياء التي شهدت تطويرًا ستجدها لا تخلو من كنيسة ومسجد إلى جانب المجمعات الخدمية.
ولفت إلى أن اللجنة الخاصة بالتقنين تقوم بتنظيم زيارات ولجان من المحافظة بالاشتراك مع ممثلي الكنائس لمعاينة المباني المطلوب تقنين أوضاعها سوء كنيسة أو مبنى خدمى وطلبنا سرعة انتهاء إجراءات التقنين ولكن هناك عددا من المستندات غير مكتملة.
وتابع: "أنه لا يجوز غلق كنيسة أو دار خدمة فى التقنين طالما تمارس الشعائر الدينية ونحن نتعامل وفق ضوابط وقانون معروف، أما بشأن رؤية الإحلال والتبديل هي أمر مرحلي يتم تقنينها أولا ويليها الإحلال والتبديل ولا سيما هناك كنائس داخل التقنين آيلة للسقوط وستدخل الترخيص وبعدها تطلب الهدم وإعادة البناء وما شابه.
وشدد "حليم" على أن الحماية المدنية ومسئولى الكنائس ورؤساء الطوائف وجهوا بضرورة مراعاة كافة الاشتراطات وتنفيذها، وما نحن بصدده من كنائس فى صورة مباني سكنية أو صغيرة أو غيرها هو نتيجة غياب دولة القانون ولو توافرت قرارات وقوانين المساواة فى السابق لم يلجأ أحد للبناء بدون ترخيص أو الالتفاف على القوانين.
من جانبه؛ قال المحامي سعيد فايز، باحث دكتوراه في القانون بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، إنه غير خفي على أحد حجم الصراعات التي دخل فيها الأقباط المسيحون في مصر قبل صدور القانون ٨٠/٢٠١٦ والخاص ببناء الكنائس على مدار أكثر من مائة عام حتى يحصل المسيحيون على حق بناء دور العبادة سواء من مشاكل غياب القرار السياسي والتعنت الأمني واستهداف المتشددين كل هذا من أجل بناء كنيسة .
ولفت "فايز"، إلي أن ثورة ٢٠١٣ وما حدث بعدها من استهداف كنائس الأقباط رغم مرارة الذكرى إلا أنها كانت خير رسالة للمسئولين وشركاء الوطن أن فصيل من أبناء مصر يعاني من أجل حق العبادة وبعد أن وجدت الإرادة السياسية والقبول الشعبي ظهر القانون ليقنن حق المسيحيين المصريين في بناء دور العبادة الخاصة بهم .
وأضاف: "في الوقت كان لنا رأي أن القانون لا ينهي المشاكل التي حدثت بسبب غياب التشريع لأكثر من مائة عام ولكن صدق المبادرة ودعم الرئيس السيسي لترسيخ فكرة بناء مجتمع متزن يقبل الآخر كانت أملا في غد أفضل، لكن مع تكرار حوادث الحريق التي حدثت خلال الأيام الماضية نتيجة ماس كهربائى أو عدم وجود وسائل الدفاع المدني بطريقة سليمة تجبرنا على إعادة النظر في الأزمات السابقة ومحاولة إيجاد حل".
وأكد "فايز" أن أحد أسباب الأزمات هو عدم وجود تشريع تنظيمي يسمح ببناء كنيسة وتحايل الأقباط في تحويل منازل صغيرة إلي كنيسة للممارسة شعائرهم الخاصة وبالطبع من صغر المساحة لا مجال هنا للحديث عن وسائل حماية مدنية الأمر الذي أجبر المشرع وقتها عن التنازل عن تحديد مساحة أدنى للكنيسة لأن الجميع تفاجأ بأن هناك كنائس أقل من ٨٠ مترا خصوصا في القرى والمناطق العشوائية تخدم العديد من أهل هذه المناطق.
وقال: حتى عندما بدأت لجان التقنين في ممارسة عملها أجبرت أمام الواقع العملي في تخفيف أو التنازل عن بعض شروط التقنين والمذكورة في القانون وهنا يجيب إيجاد حل جديد ، كما ظهر أيضا أن هناك العديد من دور العبادة التي قام الأفراد ببنائها على الأراضي الزراعية بالمخالفة للقانون رقم ١١٩ لسنه ٢٠٠٨.
وتابع: "أن تصريحات البابا عن أهمية الخروج من مرحلة كنائس البيوت لكنائس الجمهورية الجديدة ولن أنكر أن هذا الطرح خلق في أذهان الشباب القبطي مبادرة نحمل فيها فكرة إحلال وتجديد للكنائس القديمة وبناء غيرها على مساحة أكبر بشروط حماية مدنية أفضل لتوفير الحماية للمصلين وحتى لا يتكرر حادث دامي مجددا، ونحن أمام ضرورة ملحة لفكرة إحلال وتجديد ونقل للكنائس الصغيرة وأيضا التي تم بناؤها على أراضي زراعية لأن ذلك سيكون مخالفا للقانون 7 لسنة 2019 وتعديله 1 لسنة 2020 بتغليظ عقوبات التعدي على الأراضي الزراعية".
وأعلن "فايز" عن مبادرة سوف جارٍ تجهيزها للطرح بالتعاون مع محامين وقانونيين لبحث جدوى خلق نص يكون مقترح للتعديل ويخدم فى ذلك نص المادة ٢ من القانون والتي تأكد على ضرورة أن مساحة الكنيسة ينبغي أن تتناسب مع عدد من تخدمهم ومراعاة الزيادة السكنية ولكننا صدمنا بنص المادة ٧ الذي قطع الباب على أي تغيير في الترخيص والغرض بكلمة لا يجوز.
واختتم المحامي سعيد فايز - مستدركا بقوله: "لكننا حتى الآن في مرحلة الدراسة حتى نصل لتعديل متوازن لتقديمة للمسئولين والكنيسة لحل المشكلة القديمة بكنائس البيوت".