الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

«محطات تحلية عملاقة ونظم ري متطورة».. مصر تواجه تحديات المياه والتغيرات المناخية.. خبراء: التوسع فى الرى الحديث.. البديل الآمن لتوفير أكبر قدر من الماء

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحديات كبيرة تواجه مصر فى ملف المياه فى ظل العجز المائى الذى يلقى بظلاله على مختلف مناحى الحياة فى مصر، وبالطبع يؤثر على التنمية، خاصة فى ظل التغيرات المناخية التى تعصف بالعالم أجمع، يعد قطاع المياه والزراعة الأكثر تضررا، الأمر الذى دفع الدولة المصرية للبحث عن حلول بديلة لتوفير المياه، عبر إطلاق مجموعة من المشروعات العملاقة فى مجال المياه سواء مياه الشرب أو توفير المياه اللازمة لمجموعة من المشروعات القومية فى مجال الزراعة التى تمثل حجر أساس للأمن الغذائى فى مصر، الأمر الذى يستوجب تحركا عاجلا لتوفير الاحتياجات المائية.
 
تركيب وصلات صرف صحى منزلية لـ 1477 تجمعا ريفيا

وعملت مصر على توفير المياه من محاور عدة كان أهمها التوسع فى إنشاء محطات تحلية المياه، إلى جانب الاستفادة الاقتصادية القصوى من مياه الصرف، بالإضافة إلى ترشيد استهلاك المياه بشتى الطرق والتى كان أبرزها إطلاق مشروعات الرى الحديث وتبطين الترع لتقليل الفاقد من المياه المستخدمة فى الزراعة والتى تستحوذ على نصيب الأسد من حصة مصر فى مياه النيل، إذ تشير بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن قطاع الزراعة يستحوذ على ٦٢ ٪ تقريبا من مياه مصر.


احتياجات مصر المائية 


وتبلغ الاحتياجات المائية لمصر حوالى ١١٤ مليار متر مكعب من المياه، فيما تمتلك مصر حوالى ٨٠ مليار متر مكعب من المصادر المختلفة، مما يجعل العجز المائى يشكل تهديدا للتنمية وفى ظل التغيرات المناخية يزداد الأمر سوءًا وقد تواجه مصر تحديات أكبر خلال الفترة المقبلة. 
ويُعد نهر النيل المصدر الرئيسى للمياه فى مصر حيث تبلغ حصة مصر من مياهه ٥٥.٥ مليار متر مكعب تمثل ٧٩.٣٪ من الموارد المائية وتغطى ٩٥٪ من الاحتياجات المائية الراهنة، فيما تقدر كمية المياه الجوفية المستخدمة فى مصر بحوالى ٦.١ مليار متر مكعب/سنة فى الوادى والدلتا ويمكن زيادة هذه الكمية مستقبلًا لتصل إلى ٧.٥ مليار متر مكعب/سنة دون تعريض المخزون الجوفى للخطر، فيما لا تعد الأمطار مصدرًا رئيسيًا للمياه فى مصر لقلة الكميات التى تسقط شتاءً حيث يسقط على مصر نحو ١.٣ مليار متر مكعب من مياه الأمطار كل عام.

 

26 مليار جنيه خصصتها الدولة لمشروعات المياه فى العام ٢٢/٢٣


ويعد قطاع الزراعة أكبر مستهلك للمياه فى مصر، حيث بلغت حصته نحو ٦١.٣٥ مليار متر مكعب، وهو ما يمثل نسبة ٧٦.٧٪ من إجمالى الاستخدامات، يليه مياه الشرب الذى بلغ استهلاكه ١٠.٧٥ مليار متر مكعب، بنسبة ١٣.٤٪ من إجمالى الاستخدامات، كما بلغت باقى استخدامات المياه، ٧.٩ مليار متر مكعب، بنسبة ٩.٩٪، بحسب أحدث إحصائية لاستخدامات المياه الصادرة عن "التعبئة والإحصاء".


استثمارات ضخمة فى مشروعات المياه


ووجهت الدولة المصرية استثمارات ضخمة فى مشروعات المياه خلال الثمانى سنوات السابقة، حيث خصصت نحو ٢٦ مليار جنيه ضمن خطَّة الدولة لعام (٢٢/٢٠٢٣) لمشروعات المياه، (بنسبة زيادة ٢٣٪)، ونحو ٧٧ مليار جنيه لمشروعات الصرف الصحي، بحسب بيان صادر عن مجلس الوزراء، فى شهر سبتمبر الجاري. 
ولفتت بيانات مجلس الوزراء إلى أنه تم الانتهاء من تنفيذ مشروعات بقطاع مياه الشرب والصرف الصحى بتكلفة ١٤٥ مليار جنيه، وقد نتج عنها الانتهاء من تنفيذ ٢٧٩ مشروعًا لمياه الشرب، بطاقة ١١ مليون م٣/يوم، بتكلفة ٦١.٤ مليار جنيه.


محطات تحلية عملاقة


وبالانتقال إلى محطات التحلية فقد تم التوسع فى تنفيذ محطات تحلية بالمناطق الساحلية للاستفادة من جميع الموارد المائية المتاحة، وذلك من خلال ٧٦ محطة تحلية قائمة، بطاقة إجمالية ٨٣١.٦٩ ألف م٣/يوم بمحافظات (شمال سيناء – جنوب سيناء – البحر الأحمر – مطروح – الإسماعيلية – السويس) كما بلغ إجمالى الطاقة الإنتاجية الحالية لمحطات تحلية مياه البحر بنحو ٩١٧ ألف م٣/يوم على مستوى الجمهورية.


محطات المعالجة.. أفضل استثمار فى مياه الصرف


فى حين تم الانتهاء من تنفيذ ٥٤ مشروع معالجة صرف صحى ثنائية وثلاثية بالصعيد (١٧ محطة ثلاثية و٣٧ محطة ثنائية) بالمناطق القريبة من نهر النيل بالصعيد للمحافظة عليه من التلوث، ولإعادة الاستخدام الآمن للمياه المُعالجة فى الأغراض المخصصة.
كما تم رفع كفاءة ٥ محطات ثنائية وتحويلها إلى معالجة ثلاثية بتكلفة ١.٨ مليار جنيه، إلى جانب الانتهاء من تنفيذ ٨٦٤ مشروعًا للصرف الصحى، بطاقة ٦.٩ مليون م٣/يوم، لخدمة أكثر من ٤٥ مليون نسمة، والانتهاء من تنفيذ ٧٤ مشروع إحلال وتجديد شبكات بتكلفة ١٣.٢ مليار جنيه، مياه الشرب والصرف الصحى بتكلفة ٦٧١ مليون جنيه، وعدد من مشروعات المد والتدعيم بتكلفة ٤٦٩ مليون جنيه.
وتنفيذ ٧٤٠٠ مشروع إحلال وتجديد للشبكات والمحطات، بتكلفة ١٣.٣ مليار جنيه، وتنفيذ ١٩٢.٢ ألف مشروع للوصلات المنزلية، بتكلفة ٦٧١.٤ مليون جنيه، وعدد من مشروعات المد والتدعيم، بتكلفة ٤٦٩ مليون جنيه.
وفيما يتعلق بدور مبادرة “حياة كريمة”، يتم حاليًا تنفيذ مشروعات صرف صحى متكامل وتركيب وصلات صرف صحى منزلية لعدد ١٤٧٧ تجمع ريفي، حيث تم إنشاء وتطوير ١٧٤ محطة معالجة صرف صحى (ثنائية وثلاثية) لإضافة طاقة قدرها ٢٠٦ ألف م٣/يوم.
وفيما يخص قطاع مياه الشرب جار مد وتدعيم شبكات المياه وتركيب وصلات مياه الشرب المنزلية لعدد ١٤٧٧ قرية، وإنشاء وتطوير ٣٢٦ محطة مياه شرب لخدمة أهالى ١٤٧٧ قرية ضمن المرحلة الأولى من المبادرة والبالغ عدد سكانهم ما يزيد على ١٧ مليون مواطن.
وخلال العام المالى ٢١/٢٠٢٢ (فقط) تم صرف ما يزيد على ٦٠ مليار جنيه لتنفيذ مشروعات مياه الشرب والصرف الصحى ضمن مبادرة “حياة كريمة". وبلغت كمية المياه المُنتجة من خلال شركات المياه بمحافظات الجمهورية نحو ٢٥.٥ مليون م٣/يوم، وتضخ عبر شبكات نقل المياه بأطوال ١٦ ألف كم.
كما بلغ عدد محطات مياه الشرب ٢٧٥٥ محطة، و٦٤٤ محطة رافع، وبلغ عدد محطات معالجة الصرف الصحى ٤٤٦ محطة، و٣١٣٨ محطة رفع، بإجمالى أطوال شبكات ٥٣ ألف كم، إلى جانب ارتفاع نسبة التغطية بالصرف الصحى فى القرى من ١٢٪ إلى ٤٠٪.


التكلفة الباهظة.. تحديات تواجه محطات التحلية


وأجمع خبراء الاقتصاد الزراعى وخبراء متخصصون فى مجالى الزراعة والرى على أن التكلفة الباهظة تعد المعوق الأكبر أمام الاستثمار فى محطات تحلية المياه، حيث تتراوح 
تكلفة إنتاج المتر المكعب من المياه فى محطات التحلية ما بين ١٠: ٢٠ ألف جنيه، وتكلفة إنشاء محطة تحلية واحدة يساوى ٤ أضعاف إنشاء محطة تنقية المياه العادية.
وفى هذا السياق، يقول الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي، إن التكلفة المرتفعة للغاية هى واحدة من أكبر التحديات التى تواجه إنشاء محطات تحلية المياه، فالخطة المصرية للاستثمار فى إنشاء محطات تحلية مياه البحر تتجاوز الـ ١٣٠ مليار جنيه، فى حين أن العائد من هذه التكلفة ٤ أو ٥ مليارات متر مكعب من المياه فى ٢٠٣٧، وهى كمية ضئيلة جدا بالمقارنة بالتكلفة. 
ويرى "صيام" فى تصريحاته لـ"البوابة" أن دفع كل هذه المبالغ فى محطات التحلية فى حين ستكون الاستفادة منها مقتصرة على مياه الشرب، فلا يمكن أن توجه هذه المياه للزراعة، وبالتالى فإنه يمكن إشراك رجال الأعمال وأصحاب المصلحة من أصحاب القرى والفنادق السياحية لتحمل تكاليف إنشاء محطات التحلية، لأن الدولة لن تستطيع الاستفادة منها فى مشروعات أخرى نظرا لارتفاع تكاليف نقل المياه من المناطق الساحلية إلى محافظات وادى النيل". 
واتفق معه الدكتور مصطفى محمود، أستاذ بحوث المياه وهندسة الرى بمعهد البحوث الزراعية، الذى أكد أن تكلفة تحويل مياه البحر المالحة إلى مياه عذبة تصلح لمختلف الاستخدامات كبيرة للغاية بالمقارنة بالمردود الناتج عن هذه العملية المكلفة. 
وقال "محمود" فى تصريحاته لـ"البوابة" إن محطات التحلية تتطلب ميزانية ضخمة وهو ما يستلزم إشراك أطراف أخرى مثل القطاع الخاص الذى تستفيد مشروعاته من المياه "المعذبة" أو الناتجة عن محطات التحلية، لأن تحمل الدولة لهذه التكلفة يصعب من مهام الدولة لتوفير الاحتياجات المالية، كما أن المستفيد الأول من المحطات هى التجمعات السكنية والفندقية بالمناطق الساحلية والمدن الجديدة، لذى يجب على المستثمرين فى السياحة والمدن الجديدة تحمل جزء من تكلفة إنشاء محطات التحلية بجانب الدولة.
ووافقه الرأى المهندس حسام رضا، الخبير بمعهد البحوث الزراعية، الذى أكد أن التكلفة الباهظة لمحطات التحلية تجعلنا نطالب بتوجيهها لمرتادى المناطق السياحية وهم من يتحملون تكلفتها الكبيرة، نظرا لأنه من الصعب توجيهها للتنمية البشرية مثل الزراعة. 
وأضاف "رضا" فى تصريحاته لـ"البوابة" أن دفع هذه المبالغ الكبيرة لا يتناسب تماما مع توجيهها للقطاع الزراعى أو إدخالها فى الشبكة القومية لمياه الشرب، لذا سيقتصر استخدامها على المناطق السياحية على البحرين الأحمر والمتوسط والمناطق النائية فى سيناء وغيرها من المناطق الصحراوية القريبة من محطات التحلية. 


خبراء: التوسع فى الرى الحديث.. البديل الآمن لتوفير أكبر قدر من المياه


واتفق الخبراء على أن التكلفة الكبيرة لمحطات تحلية مياه البحر يمكن تعظيم الاستفادة منها من خلال توجيهها لمشروعات مستدامة توفر كميات أكبر من المياه وتسهم فى ترشيد استهلاك المياه، وعلى رأسها مشروعات الرى الحديث وتبطين الترع ونشر شبكات الرى الحديثة فى كل ربوع مصر. 
ويرى الدكتور أحمد فوزى دياب، أستاذ المياه واستصلاح الأراضى بمركز بحوث الصحراء، أن التغيرات المناخية جعلت توفير المياه ضرورة حتمية لاستمرار الحياة، ومع تزايد العجز المائى فى مصر، يجب أن نتوجه للقطاع الأكثر استهلاكا للمياه والعمل على ترشيد استهلاكه، ألا وهو قطاع الزراعة الذى يستهلك النصيب الأكبر من استخدامات المياه فى مصر. 
وأضاف "دياب" فى تصريحاته لـ"البوابة"، أن اعتماد مصر على الطرق التقليدية مثل الرى بالغمر يجب أن يتغير فى أسرع وقت ممكن من خلال نشر شبكات الرى لحديثة، التى من شأنها توفير كميات ضخمة من المياه، وتكون البديل الأفضل من إنفاق تكلفة عالية فى محطات تحلية المياه التى تتكلف مليارات لإنشائها.
وأوضح "دياب"، أن هناك العديد من العوامل التى تتحكم فى نظم الرى وأولها طبيعة التربة والعوامل المناخية، التركيب المحصولى الموجود، وبناء على هذه العوامل تحدد الاحتياجات المائية؛ لافتًا إلى أن الاحتياجات المائية واحدة أى كانت نظم الري.
ولفت "دياب" إلى أن الزراعة وحدها تستهلك ٨٤٪ من المياه فى مصر، ومن ثم فالتحول إلى نظم الرى الحديثة سيجنب مصر جزءا كبيرا من العجزالمائي، ومن الأفضل وقف الزراعة القائمة على نظم الرى والغمر والتحول تدريجيا للرى الحديث عن طريق الرى المطور أو المحسن بتبطين الترع والقنوات ثم التحول للرى بالرش أو بالتنقيط أو الرى المحورى كأحد نظم الرى الحديث.
وأكمل "دياب": "إذا نجحت خطة مصر فى الرى الحديث يمكنها التحول فى المراحل المتقدمة إلى الرى الذكى والذى يخفض احتياجات الفدان من المياه من ٧ آلاف متر مكعب للفدان سنويا إلى ٢.٤ ألف متر مكعب للفدان سنويا. 
واختتم قائلا: "نظم الرى الحديثة تعمل على تحسين إنتاجية المحاصيل بفضل معالجة مشكلات الرى بالغمر التى كانت تخلق أمراضا للنباتات، الأمر الذى ينعكس على زيادة المحاصيل بواقع ٣٠ ٪ أكثر من الطرق التقليدية فى الري".
أما الدكتور جمال صيام، فيؤكد أن التحول للرى الحديث يوفر ١٢ مليار متر مكعب سنويًا من المياه، وعلى الرغم من ارتفاع تكلفة إنشاء شبكة الرى الحديثة، إلا أن المردود الاقتصادى يكون أكبر حيث توفر نظم الرى الحديثة فى مدخلات الإنتاج من الأسمدة، كما تزيد من إنتاجية المحاصيل.

 

التحول للرى الحديث يوفر ١٢ مليار متر مكعب سنويًا من المياه


ويضيف أن الرى الحديث بالمقارنة بالطرق التقليدية يوفر ٢٠٪ على الأقل من المياه، بواقع ١٢ مليار متر مكعب سنويًا، وهو ما لا توفره محطات التحلية فى ٢٠ سنة، وفق خطة الدولة للتوسع فى تحلية المياه. 
وتابع: "النقطة المهمة أيضا هى زيادة المحاصيل بنسبة ١٥٪على الأقل، من خلال الاستخدام الأمثل للمياه، ومن هنا نطالب بتفعيل دور الإرشاد الزراعى والجمعيات الزراعية من أجل تشجيع المزارعين على تطبيق منظومة الرى الحديثة التى حظيت بدعم من الدولة بقروض ميسرة، كما تبذل الدولة جهود كبيرة فى مشروع تبطين الترع والمصارف والمساق لمنع تسرب المياه إلى التربة خطوة والذى يعد مرحلة تمهيدية للانتقال إلى الرى الحديث.
أما الدكتور مصطفى محمود، أستاذ هندسة الرى فيقول إن التوسع فى إنشاء شبكات رى حديثة فى جميع المحافظات بجانب ترشيد استهلاك المياه، فإنها تزيد من الإنتاجية مما يدعم المزارعين ويزيد من أرباحهم. 
ويرى "محمود" أن تطبيق نظم الرى الحديثة يعتمد على نوعية التربة واستخدام أفضل الطرق لتركيب شبكات الرى الحديث، وتحديد أفضل أنواع الرى وفقا لعوامل التربة والمناخ حيث ينقسم الرى الحديث إلى الرى السطحى المطور والرى بالرش أو التنقيط، ومن ثم فى مراحل متقدمة الرى الذكي، لذا يجب الحرص على إسناد مهمة تصميم شبكات الرى للمتخصصين فى المجال واختيار نظم الرى الأنسب لكل منطقة حسب نوع التربة والعوامل المحيطة من المناخ والمحاصيل التى تتناسب مع كل منطقة جغرافية.